اسلم نفسه بهدوء، وجلس بمكانه دون حراك، قدم رأسه الى الامام قليلا، اغمض عينيه فترة ثم فتحها، رأى الاداة الحادة جدا، اغمض عينيه ثانية وهو يحس بها تقترب منه، اصبحت جميع حواسه مشدودة، بدأت افكاره تراوده وبدأ يحاورها بقوله:
هل سأحس بألمها؟!
متى تنتهي علاقتي مع هذا العالم؟
سأحدد وقت الرحيل حتى آخر نفس!
لن استطيع ان ارى واسمع واتكلم!
سأفقد جميع من اعرفهم, ولن اراهم مطلقا، لن تكون هناك وسائل اتصال بيني وبينهم، وسينتهي عمري ومعه يحدد سني.
تنبه للذي خلف رأسه يقول له نعيما .
فتح عينيه وهو يقول: يا لهذا الشعور البشع.
منصور بن حماد محمد الحري
** برغم كل ما يمكن ان نأخذه على هذه القصة فنيا فهي حقيقة تبقى دفقة شعورية بالغة التكثيف، امسك بها الكاتب بحرص وبمهارة مدهشة وحاصرها داخل عدة سطور لا تتجاوز ثمانية اسطر بخط اليد، تمتد ما بين جملة البداية المليئة بالخوف والتوجس وما بين جملة النهاية الكاشفة حين يستيقظ وعيه على ان تلك المساحة التي دارت فوقها رأسه لم تكن الا خاطرا كئيبا,, جميل هذا التكثيف حد الاختزال ولكن هذا لايبرر للكاتب ذلك الحس المألوف في القصص البوليسية المبنية على المفاجأة والمفارقة وعوامل الابهار الصادمة لكل التوقعات؟ بل يمعن الكاتب بوعي في تأكيد هذا الاسلوب البوليسي عبر افكار تبدو مقحمة على عالم القصة ذات الحدث المحدد، فليس طبيعيا ان المرء اذا جلس امام الحلاق ان يغمص عينيه ويفتحهما وينظر الى الآلة الحادة وهي تقترب من رقبته ويتساءل ترى هل سيشعر بألم، وليس صحيحا ان كل من يجلس امام الحلاق يفكر بنهاية علاقته بالدنيا والصحاب وبتاريخ يدون للوفاة,، وانما هكذا اراد منصور الحري ان يدفع بانتباهنا الى تصور ان البطل كان يواجه لحظة تنتهي فيها حياته بحكم ينفذ فيه ليفاجئنا انه كان فحسب يسترسل مع هواجيسه وهو امام الحلاق.
ليس دائما تستطيع ان تطبق قواعد معروفة وشاسعة كموقفنا من هذه الاساليب في القصص القصيرة حيث تهدر من القيمة الفنية لها، ليس صحيحا اقول لان الصديق (منصور الحري) قد لجأ اليها ومع ذلك قدم لنا قصة جميلة حقيقة,,, هذا معناه انه يملك موهبة قوية يستطيع حين تكتمل لها جوانب الخبرة بالكتابة ان يقدم قصة راقية.
|