عندما توجهت شراذم اليهود من مختلف أقطار العالم الى فلسطين بهدف إقامة دولة يهودية لقيطة فيها فإن ذلك اقترن بالكثير من الخطط والمكائد السرية الماكرة التي دبرتها اليهودية العالمية بتواطؤ مع العديد من الجهات الإمبريالية ذات النوايا السيئة إزاء العرب، ولذلك فإن الدولة اليهودية إسرائيل في فلسطين قامت منذ الأساس على المكائد والأكاذيب المفتعلة والمؤامرات الشيطانية المحبوكة بخلاف ما قامت عليه جميع دول العالم في الماضي وفي الحاضر والتي استمدت وجودها من مقومات طبيعية ومرتكزات شرعية.
وتبدأ تلك المكائد والأكاذيب التي استهدفت تحويل فلسطين الى مستعمرة يهودية بخطة رئيس وزراء بريطانيا اللورد فايكنت بالمرستون عام 1840م حيث اقترح هذا الداهية الانجليزي على الدولة العثمانية وبواسطة سفيره في استانبول تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين ليكون لهم كيان فيها يمنع الأقطار العربية ان تتحد ضد الحكم العثماني، وهو في الحقيقة إنما أراد زرع إسفين في قلب العالم العربي يُسهل لبريطانيا تنفيذ مخططاتها الاستعمارية ضد العرب والدولة العثمانية على حدٍ سواء كما حدث بالفعل (1) .
وقد لقيت خطة اللورد بالمرستون هذه قبول وترحيب الدولة العثمانية التي كانت قد واجهت تهديداً خطيرا آنذاك مصدره الأقطار العربية ممثلا في قيام الدولة السعودية الأولى كدولة إصلاح وتجديد، وممثلا أيضاً في محاولة محمد علي باشا والي مصر في اقامة إمبراطورية شرقية عظمى حيث عجزت الدولة العثمانية عن مواجهة الدولة السعودية الأولى التي نهضت في قلب جزيرة العرب وحررت الحرمين الشريفين وطهّرت وسط جزيرة العرب من البدع والفساد وأخذت تتوسع تحريراً وإصلاحاً في الأقطار المجاورة على حساب الدولة العثمانية، وكذلك عجزت دولة بني عثمان عن مواجهة قوة محمد علي باشا عندما عمل على ضم الجزيرة العربية وسوريا الى مصر فهب الانجليز بوجه خاص والأوروبيون بوجه عام في المرتين معا لمساعدة الدولة العثمانية وإنقاذها من هذين الخطرين (2) .
ولذلك قبلت الدولة العثمانية نصيحة الداهية بالمرستون وفتحت ذراعيها لليهود وقالت لهم اقبلوا الى فلسطين الأرض أرضكم والدولة تحميكم وتعسا لمن يناوئكم أو يعترض سبيلكم.
لكن لم تبدر أية استجابة فورية لخطة بالمرستون من قبل الهود، كما لم تبدر منهم أية واستجابة لنداء نابليون بونابرت من قبل عندما دعاهم الى الهجرة الى فلسطين أثناء حصاره لمدينة عكا عام 1799م (3) .
فقد كان اليهوبد يعيشون كأقليات في البلدان التي يتواجدون فيها ولم تكن لديهم آنذاك اية أفكار او طموحات في الهجرة الى فلسطين، ولم يخطر ببال أحد منهم فكرة إقامة دولة يهودية في هذا القطر، وقد تطلب الأمر ستة عشر سنة حتى وجدت بريطانيا يهوديا واحدا يستجيب لدعوتها ويكون هو أول من يسير في موكب تنفيذ خطتها، وذلك اليهودي هو رئيس الطائفة اليهودية في بريطانيا نفسها وهو موسى فتفيوري الذي تقدم للسلطان العثماني عبدالمجيد بمشروع استيطان يهودي في فلسطين فأصدر هذا السلطان فرمانا سلطانيا يُعطي لليهود القادمين الى فلسطين حق تملك الأراضي فيها (4) .
لكن موسى فتفيوري لم يكن إلا مواطناً إنجليزيا كلفته حكومة بلاده بتلك المهمة فهو لم يتخل عن إنجليزيته ولم يستوطن في فلسطين وبالتالي فإن مساعيه لم تنجح في إيجاد طليعة استعمارية من اليهود في فلسطين، فقد جلب هذا اليهودي الانجليزي عددا من الأسر اليهودية المغربية الفقيرة ومول اسكانهم في فلسطين بما في ذلك شراء الأراضي الزراعية الخصبة لهم لكنهم ما لبثوا أن اندمجوا مع السكان المحليين ففشل المشروع الاستيطاني الأول.
لكن هذا لم يمنع الساسة الانجليزي من المضي بتنفيذ تلك الخطة التي جعلوها من أهم نقاط الارتكاز في سياساتهم الاستعمارية في المنطقة فعملوا على إيقاظ الأفعى اليهودية من مرقدها فلم تمض على خطة اللورد بالمرستون إلا عشرون سنة فقط حتى تبلور الى الوجود أفكار وجميعات يهودية في مختلف الأقطار الأوروبية جعلت من إقامة دولة يهودية في فلسطين هدفا لها (5) .
وظهرت أولى توجهات اليهود نحو هذا الهدف عام 1861م وفق أوثق المراجع التاريخية حيث يقول الدكتور عبدالوهاب الكيالي في كتابه تاريخ فلسطين الحديث وهو من أجدر الكتب التي بحثت تاريخ القضية الفلسطينية يقول هذا الكاتب في مطلع ستينيات القرن التاسع عشر أخذ بعض المفكرين من اليهود في الدعوة الى العمل من أجل العودة* الى فلسطين واستعمارها وكان أولهم الحاخام هيرش كاليشر وذلك في كتابه البحث عن صهيون الصادر عام 1861م وكانت نتيجة جهود كاليشر أن تأسست أول جمعية صهيونية في ألمانيا، وفي العام التالي قام موسى هس بنشر كتابه روما والقدس الذي نادى فيه باقامة دولة يهودية في فلسطين آملا ان تلقى فكرته الدعم من فرنسا نظرا الى انها كانت تعمل حينذاك على شق قناة السويس، أما معاصرهما دافيد غوردن فقد نادى بما أسماه دين العمل مشددا على أهمية استعمار اليهود لفلسطين والعمل اليدوي لتحويل اليهود الى أمة كغيرها من الأمم (6) .
وتعددت الدعوات والجمعيات التي عبرت عن تحفز رُوّاد الصهيونية الى استعمار فلسطين تحقيقا لخطة بالمرستون وتفاعلا معها وزاد من تأجج هذا التحفز استلام رئاسة الوزارة البريطانية من قبل اشخاص متحمسين لخطة تحويل فلسطين الى مستعمرة يهودية لا سيما اليهودي المتنصر دزرائيلي الذي تمكن من خلال ترؤسه للحكومة البريطانية من خلق أجواء وآفاق سياسية دولية هيأت لرموز اليهودية العالمية التعامل مع مختلف القوى والدول المؤثرة في العالم مما جعل الهجرة اليهودية الى فلسطين قضية تحظى بتأييد ورعاية أهم الأطراف الامبريالية في العالم آنذاك وفي مقدمتها الدولة العثمانية التي فتحت أبواب فلسطين للمهاجرين اليهود من كل حدب وصوب ومنحتهم الامتيازات الاستعمارية لإقامة المستوطنات وممارسة نوع من الحكم الذاتي داخل مستعمراتهم بعيدا عن أحكام القوانين العثمانية وساعدتهم في تملك أخصب الأراضي بمصادرتها من ملاكها العرب وتسليمها لعصابات المستوطنين اليهود (7) .
لكن تلك الخطة واجهت عقبتين كأداوين الأولى عدم إقبال اليهود من النشطاء ذهنيا وبدنيا والمؤهلين فنيا على الهجرة الى فلسطين، والثانية تيقظ عرب فلسطين الى ما كان يراد بهم وببلادهم فكانوا يستنكرون ويحتجون لا سيما ان الأراضي كانت تُنزع منهم بذرائع مختلفة وتسلم لليهود المهاجرين، ويتم ذلك من قبل السلطات العثمانية الرسمية وبشكل سافر في أكثر الأحيان.
بالنسبة للأمر الأول فان المنظمات اليهودية سعت الى افتعال الأزمات الحادة بين حكومة روسيا القيصرية وبين الأقلية اليهودية هناك وهي أكبر الأقليات اليهودية في العالم آنذاك فكانت المنظمات اليهودية تدفع بعناصر شابة من اليهود الروس الى القيام بأعمال شغب واغتيالات طالت القياصرة أنفسهم حيث تم اغتيال القيصر اسكندر الثالث وذلك عام 1881م الأمر الذي قابلته سلطات ذلك البلد بالقمع والردع فتفاعلت الأحداث بشكل متصاعد نجم عنه نزوح آلاف الأشخاص من روسيا مما مكن المنظمات اليهودية من اصطياد العشرات والمئات من هؤلاء التعساء وسوقهم الى فلسطين (8) .
وبالنسبة للأمر الثاني فإن السلطات العثمانية عمدت الى مخادعة الأهالي من الفلسطينيين باصدار التصريحات بانها ضد الهجرة اليهودية إلا بحدود معقولة وانها لن تسمح بأن يؤثر وجود المستعمرات اليهودية في فلسطين على حقوق الأهالي ومصالحهم أو على تغيير الطابع السكاني للبلد، كما عمدت تلك السلطات الى تمزيق فلسطين من الناحية الإدارية فربطت منطقة القدس بوزارة الداخلية العثمانية مباشرة وجعلت جزءاً من فلسطين تابع لولاية بيروت والجزء الآخر تابع لولاية دمشق وذلك من أجل اضعاف المقاومة الفلسطينية أمام مخطط تحويل فلسطين الى مستعمرة يهودية وكان للقنصلية البريطانية يد التدخل الفعالة في هذا التمزيق الإداري الذي مكن اليهود من اقامة عشرات المستوطنات في فلسطين في العهد العثماني الغابر (9) .
وفي ظل نظام الامتيازات الأجنبية العثماني الذي اعطى للدول الأوروبية استثناء رعاياها وكذلك أفراد الطوائف التي تعلن هذه الدول حمايتها لهم من أن تطبق عليهم الأنظمة العثماية وان يعاملوا حسب أنظمة وقوانين الدولة التي يحملون جنسيتها او الذين تعلن هذه الدولة او تلك حمايتها لهم حتى لو كانوا يحملون الجنسية العثمانية.
في ظل هذا القانون أي قانون الامتيازات الأجنبية فإن بريطانيا أعلنت حمايتها لليهود أيا كانت الجنسية التي يحملونها طالما هم يقيمون في الأراضي العثمانية وأعطت من يرغب من اليهود حق الحصول على الجنسية البريطانية وهذا خرق للسيادة العثمانية هدفه تمكين اليهود من الاستيطان في فلسطين ليس كمهاجرين وحسب، بل كاستعماريين يسعون الى تحويل الوطن العربي الفلسطيني الى وطن أجنبي يهودي وكانت بريطانيا قد فتحت قنصليتها في القدس عام 1839م لهذا الغرض بالذات وهكذا نقف على ان بريطانيا عملت على إيجاد عوامل كثيرة من أجل تكثيف الهجرة اليهودية الى فلسطين وتحويلها الى مستعمرة يهودية ولم يكن يزيد عدد اليهود في فلسطين آنذاك عن تسعة آلاف نسمة فقط (10) .
لقد لعب الانجليز وبتواطؤ من العثمانيين الدور كاملا في تأسيس خطة تحويل فلسطين الى مستعمرة يهودية وتوجيه اليهود الى إنشاء أسس دولة يهودية لهم في فلسطين تكون إسفينا في قلب العالم العربي وفخا قابلا للانقضاض ضد العرب في أية لحظة يشاؤها أعداؤهم لكن المحطات الرئيسية والمقاطع الفاصلة في هذا الدور كانت سرية للغاية فقد تم حجب الوثائق الخاصة به في الدواليب المغلقة، ولم يكشف النقاب عن بعضها إلا بعد مضي عشرات السنين في حين لا زال بعضها طي الكتمان ومن دلك مثلا رسالة اللورد بالمرستون رئيس وزراء بريطانيا في عام 1840م الى سفيره في استانبول والتي يطلب منه فيها عرض خطته على السلطان العثماني بتحويل فلسطين الى مستعمرة يهودية وهي الخطة التي وافق عليها السلطان عبدالمجيد فيما بعد وفتح أبواب فلسطين للهجرة اليهودية، هذه الرسالة لم يكشف النقاب عنها إلا عام 1962م بعد أكثر من مائة واثنين وعشرين سنة، أي بعد أن حققت خطة اللورد بالمرستون جميع أهدافها وأبعادها السياسية والاستراتيجية وبعد أن تمت كتابة التاريخ بطريقة خاطئة.
لا يختلف اثنان من العرب سواء في ذلك المثقفون والكتاب او الساسة أو الناس العاديون على ان ما حل بالفلسطينيين وما يراد بالعرب جميعا من جراء تحويل فلسطين الى مستعمرة يهودية وإقاة دولة لقيطة فيها إنما هو مؤامرة العصر وجريمة التاريخ ولكنهم أي العرب يختلفون على التفريق بين التكتيكي والاستراتيجي في مواجهة تلك القضية من الناحية السياسية ومعالجتها من الناحية الثقافية وكذلك يختلفون في التفريق بين صانع الدور وبين الذي صُنع له.
لقد اتسم تناول القضية سياسيا وثقافيا من قبل العرب بخلط الأوراق فأعطي اليهود دور الفاعل الأصيل للقضية وتم التقليل من الدور التأسيسي للانجليز بوجه خاص والدول الغربية بوجه عام وخاصة الدور الأمريكي بعد ان حلت أمريكا محل بريطانيا في مواصلة تنفيذ خطة اللورد بالمرستون العتيدة، وبرأ الكثيرون منا ساسة ومثقفين ساحة الدولة العثمانية من الاشتراك في تلك الجريمة، والواقع أننا اذا أعدنا تقويم ما هو تكتيكي وما هو استراتيجي، ومن هو صانع الدور والمتعاون معه ومن هو الاداة المعد للعب دور يؤديه فاننا نجد أن الانجليز وبمقتضى خطة اللورد بالمرستون هم الذين وضعوا الهدف الاستراتيجي لخطة تحويل فلسطين الى مستعمرة يهودية، وإن الدولة العثمانية تعاونت مع الانجليز في تصميم هذا الدور وذلك بموافقتها على تشجيع الهجرة اليهودية الى فلسطين حين أصدر السلطان العثماني عبدالمجيد فرمانا سلطانيا عام 1856م يسمح لليهود بتملك الأراضي في فلسطين وما تلا ذلك من فرمانات سلطانية وتشريعات رسمية وافقت عليها الحكومة العثمانية وأقرها سلاطين بني عثمان على التوالي وأجازها مجلس شوراهم (11) .
ولذلك فان اليهود لم يكونوا إلا أداة في دور أعد لهم من قبل القوى الامبريالية المهيمنة في العالم آنذاهك وخاصة بريطانيا التي أرادت خدمة مصالحها بذكاء فائق وتفاعل الاتراك مع تلك القضية بغباء مفرط، اما اليهود الذين لعبوا دورهم الذي أعد لهم بمهارة وبلؤم أيضا فلا ينبغي ان يخدعنا ذلك فنخلط الأوراق فلا نميز بين ما هو تكتيكي وما هو استراتيجي وبين صانع الدور ومؤديه.
فإذا أردنا ان نعرف ان اليهود ليسوا إلا أدوات يؤدون دورا صنعته لهم الامبريالية الغربية بدءاً ببريطانيا وانتهاء بأمريكا فما علينا إلا أن نفترض أن دول الغرب وخاصة الولايات المتحدة الامريكية قد تخلت عن حماية إسرائيل فماذا سوف يحدث؟ لا شك أن اليهود سوف تنخلع قلوبهم من الفزع وتنهار أعصابهم رعبا فاذا كانوا قد أتوا الى فلسطين بالعشرات والمئات فانهم سوف يخرجون منها بالآلاف ومئات الآلاف ولن يمنعهم من الفرار أن دولتهم تمتلك ترسانة ضخمة من أسلحة الدمار الشامل ذرية وكيميائية وبيولوجية.
إن تاريخ اليهود منذ أيام بني إسرائيل الأوائل يثبت انهم لم يصلوا في يوم من الأيام الى مستوى شعب أو أمة، فهم دائما شراذم وأقليات يستغلهم الحكام الطغاة، لأغراضهم الامبريالية فاذا قضوا حاجتهم منهم قذفوا بهم الى المهالك كما فعل بهم الفراعنة والفرس والرومان وغيرهم.
حتى في عهد النبيين الكريمين داود وسليمان عليهما السلام لم يكن بنو إسرائيل أمة ولا شعبا، وإنما كانوا أقلية في مجموعة الشعوب التي تكونت منها دولة داود وسليمان، وهذه الدولة لم تكن دولة إسرائيلية أو يهودية، وإنما كانت دولة نبوة وهي أول دولة في التاريخ البشري كله آخت بين العديد من الشعوب والأمم، وهي أول دولة حكمت بموجب شريعة نبوية، وهذا هو سبب اشادة القرآن الكريم بهذين النبيين الكريمين وبدولتهما النبوية (12) .
ولذلك فإن ادعاء اليهود اليوم بأن دولة داود وسليمان كانت دولة يهودية او إسرائيلية ليس إلا كذبا من أكاذيب اليهود التي اعتادوها وتزويرا للتاريخ الذي اشتهروا به، فاليهود واليهودية لم يظهرا إلا بعد عهد النبيين داود وسليمان عليهما السلام، وكان بنو إسرائيل أقلية في فلسطين لا يزيد عددهم عن ثلاثين ألف نسمة فقط ولا تتجاوز أماكن سكنهم مدينة نابلس وما جاورها من قرى (13) .
وعندما ظهر اليهود كفرقة صغيرة متفرعة من بني إسرائيل لا سيما بعد أن قضى الملك الآشوري تيفلات بليزر على الإسرائيليين عام 721 قبل الميلاد (14) فانهم اي اليهود أثبتوا مرة بعد أخرى أنهم ليسوا إلا أدوات في أيدي الحكام من الأمم الأخرى مثلهم مثل قدمائهم الإسرائيليين يقومون بالدور الذي يُعد لهم من قبل الغير، فاذا زالت الدولة التي تحميهم أو ضعف سلطانها حلت بهم الكوارث فقتلوا وشردوا ثم اذا وجدوا دولة تعطيهم دورا يلعبونه عادوا الى الإفساد والغطرسة من جديد وهكذا.
استخدمهم الآشوريون ضد بني جلدتهم الإسرائيليين واستخدمهم الفراعنة ضد البابليين بعد أن سقطت دولة الآشوريين، وعندما تمكن القائد البابلي بختنصر من تحرير فلسطين من النفوذ الفرعوني وكان اليهود قد بلغوا ما يقارب المائة ألف نسمة أحل بهم هذا القائد كارثة فظيعة فقتل منهم سبعين ألفا وأخذ الباقين أسرى الى بابل فيما عرف بالسبي البابلي لليهود وعندما احتدم الصراع بين الفرس والبابليين أعطى الملك الفارسي أحشويرش لليهود دورا تجسسيا وتخريبيا ضد البابليين وقربهم وأطلق أيديهم في رقاب أهل بابل بعد ان تزوج فتاة منهم هي الغانية أستير صاحبة السفر المشهور بسفر الدم وولدت أستير الامبراطور الفارسي الشهير قورش وهذا بدوره أعطى لأخواله اليهود وعدا بالعودة الى فلسطين شبهه المرحوم الدكتور حسن ظاظا بوعد بلفور (15) .
وعلى فترات متوالية أثبت اليهود أنهم أداة في يد من يستخدمهم ولا يتقنون أن يكون لهم دور خاص بهم لانهم ماديون أنانيون يعبدون الذهب، ويركعون لمغريات الحياة، ليست لهم مثاليات في الحياة بعيدون جدا عن معنى الإيمان بالله جل شأنه وما عنده للمؤمنين الصادقين في الدنيا والآخرة وإن كانوا هم أكثر من تعرض للتشريد والاضطهاد والقتل في العالم على مدى التاريخ فانهم لاقوا ذلك بسبب انحرافهم وقسوة قلوبهم وتآمرهم على الشعوب والأمم، ولم يكن ذلك في أية فترة من فترات التاريخ بسبب قضية عادلة أو أهداف سامية.
لا يستطيع اليهود أن يثبتوا انه وجد يهودي واحد في العالم بطولة وعرضه وفي التاريخ قديمه وحديثه أقدم على التضحية بنفسه في سبيل قضية مقدسة او مصلحة مشروعة كما يفعل أبناء الامم والشعوب الأخرى، هم يقتلون الآن في فلسطين ولبنان وغيرها من الأراضي العربية، لكنهم يقتلون خزايا، يقتلون بالرغم منهم، لم يحتسبوا للتضحية ولا يقومون بجهاد مقدس، فقد جاؤوا من مختلف أقطار العالم تدعمهم أقوى القوى الامبريالية، جاؤوا ليسرقوا وطنا ليس لهم وليقتلوا شعبا بريئا آمنا كان قدره أن يُغدر به جاؤوا ليسلبوا حقوق هذا الشعب وليكونوا مخلب قط للقوى الامبريالية في المنطقة، ولم يكن في حسابهم أنهم جاؤوا ليضحوا بأنفسهم في سبيل قضية عادلة او حق مشروع وهكذا يختلف موقف الفلسطيني أو اللبناني أو العربي من أي قطر كان الذي يُضحي بنفسه دفاعا عن عقيدته وعروبته وأرضه وحقوقه المشروعة يختلف عن موقف اليهودي الذي يُقتل أو يَقتل معتديا.
إن تاريخ اليهود في فلسطين منذ ان بدأت خطة تحويلها الى مستعمرة يهودية عام 1840م يؤكد أنهم ما خطوا خطوة في هذا الإتجاه ولا قاموا بعمل في تأسيس كيانهم اللقيط إلا بمساعدة الدول الامبريطالية وتحت حمايتها وبسيفها وطائل سطوتها فالمستوطنون اليهود الذين يقتحمون أملاك السكان العرب في القدس وفي عموم الأراضي الفلسطينية فيجلونهم عنها ويمارسون أبشع أنواع الغطرسة والفجور ضدهم والاعتداء عليهم والعبث بمقدساتهم لم يكونوا ليفعلوا ذلك لولا أنهم أُعطوا هذا الدور ليلعبوه وبهذا الشكل السافر الوقح.
من الذي يمول المستوطنين اليهود؟ من الذي يزودهم بالسلاح؟ من الذي يحميهم من الإدانات الدولية؟ بل من الذي جاء بهم الى فلسطين أساسا؟
دول الغرب وخاصة الولايات المتحدة الامريكية الآن تقول أنها ضد بناء المستوطنات في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة وتقول انها مع السلام ومع حقوق الإنسان، وأنها حامية حمى الحريات في العالم، لكن هذا الكلام لا يعدو كونه تكتيكاً مرحلياً يقال للاستهلاك اليومي من الناحية الإعلامية ويقال لذر الرماد في العيون من الناحية السياسية ويقال للتمويه على صانع الدور الحقيقي من الناحية التاريخية اما الموقف الاستراتيجي الثابت وفاعل الدور الأساسي فإنه ما يتم على أرض الواقع فعلا.
للموضوع بقية
المراجع والهوامش:
1 تاريخ فلسطين الحديث ص 22 د, عبدالوهاب الكيالي.
2 يقظة العرب ص 93 جورج انطونيوس.
3 مقدمة في تاريخ فلسطين ص 42 د, عبدالعزيز محمد عوض.
4 المرجع السابق ص 69.
5 تاريخ فلسطين الحديث ص 24 25 د, عبدالوهاب الكيالي.
(*) وضع الكاتب كلمة عودة بين قوسين لأن اليهود الذين وفدوا الى فلسطين لم يكونوا عائدين بل مهاجرين لأن العائد هو الذي نزح من المكان ثم عاد اليه.
6 تاريخ فلسطين الحديث ص 25 د, عبدالوهاب الكيالي.
7 انظر كتابنا كيف اغتصبت فلسطين .
8 مقدمة في تاريخ فلسطين ص 26 د, عبدالعزيز محمد عوض.
9 انظر كتابنا كيف اغتصبت فلسطين .
10 مقدمة في تاريخ فلسطين ص 27.
11 انظر كتابنا كيف اغتصبت فلسطين ؟ .
12 انظر كتابنا جذور الإرهاب وأهدافه .
13 انظر كتابنا حقيقة اليهود .
14 تاريخ فلسطين القديم ص 54 ظفر الإسلام خان.
15 الشخصية اليهودية د, حسن ظاظا.
|