عزيزتي الجزيرة
لقد كانت دهشتي كبيرة وأنا اتابع في الصحف المحلية السلوك المتعجرف الذي يسلكه البرلمانيون الاتراك مع زميلتهم النائبة بسبب تمسكها بحجابها, لم تكن دهشتي نابعة من انفعال او تحيز ولكنها كانت مؤلفة من عناصر عديدة من اهمها:
- التحجر والتقوقع الذي يصبغ تصرفات برلمانيين يصرون على اتباع تعاليم ومبادىء اتاتورك بالرغم من مضي عقود كثيرة على وفاته في الوقت الذي نشاهد فيه انحراف روسيا العظمى عن مبادىء الشيوعية التي سنها لينين وستالين وتحطيم تماثيل هاتين الشخصيتين.
- ان كل من يزور منطقة من مناطق تركيا سواء كانت مدينة كبيرة ام ضاحية هادئة يلمس بنفسه التطبيق الفعلي للديمقراطية التي تحترم الحرية الشخصية للافراد,, فاليهود تتاح لهم فرصة العمل في تركيا - والسياح الغربيون يمنحون اجسادهم فرصة التمتع بشمس تركيا كما لو كانوا في احد الاصقاع الاوروبية، والنساء الهندوسيات يتمخطرن في الشوارع الرئيسية والشوارع الفرعية مرتديات (الساري الهندي): فلماذا هذا الاصرار على مصادرة حرية المرأة المسلمة؟
ان المسلمين في تركيا ليسوا اقلية لكي يمنعوا من حرية اختيار اللباس الاسلامي بل انهم يشكلون 98% من سكان تركيا الاحصائية مستمدة من معلومات طبيبة تركية فكيف يحظر الحجاب في المدارس والجامعات والدوائر الحكومية في تركيا في حين لايحظر الحجاب في البلدان التي انطلقت منها الحروب الصليبية مثل بريطانيا.
ان احتجاجات البرلمانيين من حزب اليسار على النائبة مروه القاوجي ومحاولتهم طردها من البرلمان بسبب حجابها قادتني إلى عقد مقارنة بين تلك البرلمانية المضطهدة بسبب حجابها وبين رجل البوليس عفوا امرأة البوليس الانجليزية الاصل والمنشأ التي شاهدتها في احد الشوارع الرئيسية في لندن تزاول مهنتها وهي مرتدية للزي الرسمي ولكن في هيئته الاسلامية اي التنورة الطويلة التي تصل الى الحذاء والحجاب الذي يغطي الشعر تغطية كاملة وقد وضعت فوقه الخوذة البوليسية التزاما بقيود المهنة.
فكيف تؤمَّن الحرية الشخصية لمسلمة ولدت وترعرعت في بلد غير اسلامي في حين تصادر الحرية الشخصية من مسلمة ولدت وترعرعت في بلد اسلامي؟
ان الحكومةالبريطانية لاتحظر على المحجبات دخول الجامعات ولاتحرمهن من فرص العمل في الدوائر الحكومية بالرغم من ان المسلمين في بريطانيا لايمثلون سوى اقلية من الاقليات,, ألم يتمكن هؤلاء البرلمانيون اليساريون من زيارة الدول الغربية ومشاهدة الطبيبات المحجبات يعملن في المستشفيات الحكومية والاستاذات المحجبات يحاضرن في الجامعات؟
فالمعجزة التي ينبغي ان تحدث لكي يدرك من يحمل شعارات اتاتورك ومبادئه ان تمسك الانسان بدينه لايعيقه عن استثمار قدراته العقلية.
ألا يعطي وصول مهندسة في الواحدة والثلاثين من العمر الى عضوية البرلمان دليلا قويا لهؤلاء العلمانيين بان الدين لايقف عقبة في طريق العلم والانجاز المهني؟
ان الاسلام مازال راسخا في نفوس الاتراك وان لم يمارسوا طقوسه وسوف أروي هنا بعض الاحداث التي تؤكد مصداقية نظريتي هذه.
لقد اخبرني بعض الاقارب الذين زاروا بقاعاً مختلفة من تركيا بانهم كانوا يحظون بالتقدير والاحترام من قبل المواطنين الاتراك حينما يعلمون بأنهم من المملكة العربية السعودية - اي البلد التي تحتوي مكة المكرمة , ولقد تجلت مظاهر هذا الاحترام في سلوكيات شتى منها على سبيل المثال لا الحصر أن احدى الاسر فوجئت برفض مدير احد المطاعم قبول ثمن الاكل الذي تناولوه عندما علم انهم من السعودية,, الامر الذي جعل تلك الاسرة تقرر الادعاء بأنها تنتمي الى احدى الدول العربية في الفترة المتبقية من الرحلة تجنبا لحدوث موقف مماثل.
كما اخبرتني احدى الاخوات محجبة ممن حصلن على درجة علمية في لندن بانها كانت تحرص طيلة فترة بقائها في لندن على تناول طعامها في احد مطاعم ستار برجر Star Burger نظرا لكون تلك المطاعم تمتلك وتدار من قبل عناصر تركية, ذلك ان اهتمام عاملات المطعم التركيات بها وابتساماتهن المرحبة تجعلها تدرك أن مشاعر الانتماء الى الدين لايمكن ان تتأثر بالمظاهر الخارجية.
ان ذلك يوضح ان نظرة المواطنين الاتراك الى الحجاب لاترتبط بانفعالات سلبية فلماذا يحاول العلمانيون الاتراك ايهام المواطن التركي بان الدين ضد التحضر؟
ولعل اهم مثال اسوقه في هذا الصدد الذي يوضح رسوخ العقيدة في نفوس المواطنين الاتراك هو أن دورات المياه في الفنادق والاماكن العامة قد صممت بطريقة تمكن الفرد من استخدام الماء عند قضاء الحاجة,, فلماذا ينتهج العلمانيون سلوكيات تهدف الى محاولة غسل ادمغة المواطنين الاتراك وإيهامهم بأن الدين يعوق العلم والتحضر؟
ماهو دورنا كمسلمين تجاه محاولات التضليل الموجهة لاخواننا الاتراك؟
ألسنا مسئولين عن توعية الشعب الذي انتشر الاسلام في بعض الاصقاع الاوروبية بسبب مجهودات اجداده؟
انني لا ادعو الى اتباع أساليب شبيهة بأساليب الصليبيين عند محاولتهم تنصير المسلمين,, ولا أدعو الى توجيه الدعاة الى تركيا او محاولة فتح مدارس وجامعات للمحجبات، ولكني ادعو فقط الى تكثيف السياحة وتصريفها الى تركيا بدلا من هدر الاموال في السفر الى دول لاتحتاج الى التوعية.
ان المواطن التركي حينما يشاهد الطبيب اوالمهندس السعودي يتجه الى القبلة ويؤدي الصلاة في مكان عام سوف يدرك بأن الحرص على الصلوات الخمس سوف لايعيق الانسان من نيل الدرجات العلمية.
ان مشاهدة الباعة الاتراك للسياح السعوديين وهم يؤدون الصلوات في الاسواق سوف تجعلهم يدركون ان الدين لايمنع المسلم من استخدام قدراته العقلية بطريقة تمكنه من تحقيق الارباح, ان المرأة التركية تحتاج لأن تعرف بأن اختها السعودية قد تمكنت من التعلم والوصول الى مكانة اجتماعية رفيعة بالرغم من تمسكها بحجابها.
لاينبغي ان نتخيل ان تطورنا العلمي والحضاري لايمكن ان يخفى على الشعب التركي، فلقد اخبرتني احدى الاخوات بانها واسرتها قد بذلت مجهودا في مطار انطاكيا لتعريف هويتها السعودية الى موظف الجوازات الذي اخذ يبحث في جوازاتهم لكي يتأكد من تأشيرة الدخول, ونظرا لكونه لايتكلم الانجليزية فلقد وجدت تلك الاسرة صعوبة في افهامه بأنهم كسعوديين غير مطالبين بتأشيرة الدخول الى تركيا, وطبعا الموظف لم يكن فظا معهم فلقد غادر منصته لكي يستفسر من موظف آخر عن معنى جواز يحمل اسم Saudi Arabia اذا كانت تركيا بطبيعتها الخلابة تغري الاوروبيين خصوصا واننا لم نسمع يوما ما بأن شخصا قد حاول في احد الاسواق العامة اختطاف شنطة سيدة او سحب سلسلة ذهبية من عنق سيدة وهو مايحدث في العواصم الاوروبية.
لقد أخبرتني سيدة انجليزية بأنها وزوجها قد زارا تركيا سبع مرات وكانا في كل مرة يختاران منطقة متميزة من مناطقها السياحية في حين انهما قد ذهبا الى اليونان مرة ولم يكرراها بسبب الفارق الكبير بين سلوكيات الشعبين.
وكان مما قالته تلك السيدة في وصف امانة الاتراك:
- عندما تسلمين البائع قطعة نقدية اكبر من سعر البضاعة فانك لاتحتاجين الى عد قطع النقود التي يعيدها لك البائع لان هؤلاء الناس لايغشونك ابداً.
انني اذ اشجع على توجيه السياحة الى تركيا يحدوني الامل بان سلوكيات السياح السعوديين قد تؤثر في ذلك الشعب الذي رسخت العقيدة في نفوس ابنائه بالطريقة التي تأثر بها سكان افريقيا بسلوكيات المسلمين الذين ذهبوا الى افريقيا بهدف التجارة وليس بهدف الدعوة.
كما انني اجدها فرصة لتحذير من تعودوا على تمضية الاجازة الصيفية في لندن من التجول في شوارع اوكسفورد وبيكر وماربل ارج فقد تدفع مشاعر التعصب العرقي بأفراد جماعة الذئاب البيضاء الى وضع القنابل المحشوة بالمسامير في تلك الشوارع نظراً لاكتظاظ تلك الشوارع بالخليجيين في فترة الصيف,, وقد يكون ارتفاع سعر البترول سببا لتأجيج مشاعر الغضب ضد الخليجيين.
والله من وراء القصد.
سبيكة الوهيب