Sunday 16th May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 1 صفر


سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في كتابات علماء شبه القارة الهندية الباكستانية

بالأمس القريب فقدت المملكة العربية السعودية، بل فقد العالم العربي والاسلامي عالماً جليلاً، وهب حياته لخدمة الاسلام والمسلمين، فقد قضى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - تغمده الله برحمته - حياته يعمل من أجل الدين الحنيف من مواقع مختلفة منذ ان ولي قضاء الخرج عام 1358هجرية وبعد عمله في المعاهد العلمية عام 1371هجرية، وقيامه بالتدريس في كلية الشريعة، ثم تعيينه نائباً لرئيس الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة عام 1381 هجرية، وكان رئيس الجامعة آنذاك هو سماحة الشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ.
كما كان سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز عالماً جليلاً وأبا رحيماً، يرعى طلبة العلم كما كان يدعو بالتي هي أحسن، فنال حب الجميع وتقديرهم، ولا ادل على ذلك من تقدير ولاة الأمر في المملكة العربية السعودية لشخصه - يرحمه الله - وكم سمعنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده يخاطبانه دائماً بالوالد سماحة الشيخ، اما طلبة العلم من جميع أقطار العالم الاسلامي فكانوا يفدون عليه ويجلسون معه يحضرون مجالسه العلمية ويشاركونه الطعام، فالشيخ الجليل كان حريصاً على استثمار وقته كله فيما يفيد الاسلام والمسلمين.
كما كان رحمه الله على دراية كاملة بالمدارس الفكرية والمجالس الأدبية، وما يدور فيها من نقاش وحوار، ولم يكن يأل جهداً في سبيل ابداء الرأي واسداء النصيحة ويذكر كاتب السطور انه تلقى تشجيعاً من سماحته - رحمه الله - بعد القاء محاضرة عن الاسلام في اليابان، ونصحنا سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز بالاهتمام كثيراً بالدعوة الاسلامية في اليابان، وكان لتشجيعه اثر طيب ونتائج مفيدة.
لقد نال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز تقدير واحترام علماء الهند وباكستان الذين حرصوا دائماً على لقائه اثناء زيارتهم للمملكة العربية السعودية، وحرصوا دائماً على بيان مشاعرهم ومحبتهم للشيخ ووصفه بما حباه الله اياه من نعمة التفقه في الدين والسماحة وحسن الخلق والتواضع وما الى ذلك من صفات أرى من الواجب ان ننقلها من مصادرها وهي كثيرة ومتعددة، اختار منها مصدرين فقط على سبيل المثال لا الحصر.
فقد زار العلامة الشيخ ابو الأعلى المودودي - رحمه الله - المملكة العربية السعودية وبقي في الرياض عدة ايام من شهر نوفمبر 1959م وزار بلاداً عربية اخرى، وسجلت رحلته في كتاب بالأردية بعنوان سفرنامه أرض قرآن اي رحلة في أرض القرآن في 348 صفحة من القطع المتوسط في هذه الرحلة وردت صفحات تحت عنوان الشيخ عبد العزيز بن باز (ص 89 وما بعدها) جاء فيها:
بعد المغرب شرفنا العالم النجدي الشهير الشيخ عبد العزيز بن باز، مع جمعة الأحباب، وكان الاستاذ عابدين المصري قد اخبرهم بوصولنا الى الرياض، ورغم ان الشيخ عبد العزيز ولد مكفوف البصر ورغم عدم تقدمه في العمر الا انه يعد من علماء المملكة العربية السعودية الكبار، وقد نال شهرة، ونال حب الناس في جميع انحاء المملكة العربية السعودية لما يتصف به من علم وذكاء وبساطة وتواضع واستغناء والرغبة في المزيد من التعلم، واكثر من هذا وذاك شجاعته في قول الحق وكان يقوم بالتدريس في كلية الشريعة، وينال عن ذلك راتبه الشهري، وبعد تأسيس الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة، عين نائباً لمديرها,.
وقد وصل حب الناس للشيخ عبد العزيز بن باز الى حد اننا اثناء سفرنا داخل المملكة العربية وخارجها ايضا لم نجد عالماً صغيراً كان أو كبيراً، ولم نجد رجلاً من أعيان الناس أو من عامتهم الا واثنى على علمه واخلاصه وشجاعته في قول الحق، وقد اعطاني سفير المملكة العربية السعودية في باكستان الاستاذ محمد الحمد الشبيلي خطاباً له، وكنا ننوي الذهاب للقائه، لكن الرجل جاء الينا بنفسه، وحضر للقائنا قبل ان نذهب اليه، والحقيقة أن اهل الجزيرة متواضعون تماماً ويراعون احترام الزائر لبلادهم فعندهم مقولة مشهورة هي القادم يزار وهي قاعدة يتمسكون بها تماماً.
ثم يذكر كتاب سفرنامه ارض قرآن ما دار من لقاء بين العلامة المودودي وسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمهما الله وذهابهما للقاء الأمير عبد الله بن عبد الرحمن والأمير مساعد بن عبد الرحمن ووصف الكتاب كرم الضيافة النجدي ورفقة الشيخ عبد العزيز بن باز للمودودي ورفاقه.
وإذا ما رجعنا الى الوراء وبالتحديد اواخر سنة 1949م بداية سنة 1369 هجرية وجدنا عالماً آخر من علماء شبه القارة هو العلامة مسعود عالم الندوي مؤلف كتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم ومفترى عليه - يزور ديار العرب ويسطر ذكرياته في كتاب ضخم سماه شهور في ديار العرب ترجمة كاتب هذه السطور وطبعته مكتبة الملك عبد العزيز العامة بتشجيع من صاحب السمو الملكي الامير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس الحرس الوطني والرئيس الاعلى لمجلس ادارة المكتبة حفظه الله، والكتاب الذي يقع في 450 في اصله الأردي و648 صفحة في ترجمته العربية جدير بأن يقرأه كل مهتم بتاريخ الجزيرة الثقافي والحضاري.
كتب المؤلف عن ذكرياته في الرياض وعن لقائه بسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز وكان يحلو له ان يسميه الباز، والباز هو الصقر الذي يحلق في الأجواء عالياً، نظره ثاقب، كريم النفس، عزيز، قوي الهمة، جسور.
يذكر الشيخ العلامة مسعود عالم الندوي في رحلته ما يلي:
بدأنا الآن (10 من ذي القعدة 1368 هجرية/ 3 سبتمبر 1949م) نألف الرياض ونأنس بها,, ذهبنا الى الشيخ عمر بن حسن آل الشيخ الذي رحب بنا ترحيباً حاراً,, ودار الحديث عن سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وموضوعات متنوعة,, وتقرر ان نلتقي بالشيخ محمد بن ابراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ بعد المغرب وهو من اكبر العلماء وكان الشيخ قد بنى منذ فترة بسيطة بيتاً جميلاً,, جلسنا على سطح البيت.
كانت الجلسة على الطريقة العربية، فرشت السجاجيد ووضعت الوسائد والحشايا، واستمر توافد الضيوف واحدا تلو الآخر,, وقدم احد تلاميذ الشيخ وهو عالم ممتاز يدعى الشيخ عبد العزيز الباز (هكذا في الاصل) قاضي الخرج.
ودار الحديث بطريقة علمية مهذبة,, قال الشيخ عبد العزيز بعد ان سمعني امتدح جهود عبد الحميد الخطيب (سفير المملكة في باكستان):
- إنه يسرنا سماع نشاط وجهود عبد الحميد الخطيب لكنه يطبع الصور على إمساكية رمضان وهذا غير طيب لأنه قد يجر الى تقديس الصور في المستقبل.
كنت قد اطلعت الى مقال للشيخ عبد العزيز بن باز في مجلة الهدي النبوي القاهرية فأثنيت على المقال، فلفت نظره الى هذا الشيخ محمد بن ابراهيم قائلا:
- عبد العزيز! مسعود الندوي يثني على مقالك
فسر الشيخ ودعا لي,, ثم اثنى الشيخ عبدالعزيز بعد ذلك على كتاب النظرية السياسية وسأل عن احوال المودودي واعترض على قول المودودي في الآية الكريمة وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد بأن معنى الحديد هنا القوة السياسية بالأردية (سياسي قوت) ثم قال:
- يمكن ان يكون الاصل قوة أساسية (بالأردية أساسي قوت) ثم جاءت الترجمة قوة سياسية .
فقلت: لا,, في الاصل ايضا قوة سياسية والمترجم التزم بالاصل.
فقال:
- حسنا هذا امر بسيط، ولا اثر له على الكتاب الأصلي.
وتحيرت، كيف وصله كتابنا هذا؟! فقد اعطيت مجموعة واحدة من كتبنا لولي العهد واخرى للشيخ حسن الشنقيطي وهنا في هذا المجلس قدمنا مجموعة الى الشيخ محمد بن ابراهيم وعرفنا فيما بعد ان ولي العهد اعطى المطبوعات للشيخ عمر بن حسن وان الشيخ عبد العزيز بن باز أخذها من الشيخ عمر!!.
إن ما جاء في كتاب شهور في ديار العرب عن الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - يدل على حرص الشيخ منذ بدء حياته على مطالعة كل ما يصدر عن الاسلام من كتابات بقلم العلماء المسلمين، ويدل ايضا على تواضعه وحرصه على رعاية اهل العلم وطلابه ولما كان الكتاب الآن مترجماً الى العربية فأختصر حديثي هنا داعياً الله عز وجل ان يتغمد فقيد الأمة الاسلامية سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز برحمته وان يسكنه فسيح جناته,, آمين.
د, سمير عبد الحميد إبراهيم*
* الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الاسلامية


رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved