Sunday 16th May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 1 صفر


عزيز ضياء ناقداً 2
د, محمد صالح الشنطي

ويشير الشاعر ابن ادريس الى ان دراسة عزيز ضياء ظاهرة جديدة في مسيرة الحياة الأدبية في البلاد غير انه يعقب قائلا: إن الاستاذ ضياء لم يستطع استيعاب بعض الصور النفسية التي وردت في بعض المقاطع، ويرى ان العقل ليس هو الفيصل في الحديث عن التجربة الشعورية الذاتية، ويشير الى اننا لوجعلنا للعقل أو المنطق السيطرة الكاملة على موحيات الشعور لما أنتج الشعراء شعرا مؤثرا يسبح على أجنحة الخيال أكثر مما يرسف في القيود العقلانية، ويشير الى ان القصيدة في أكثر مقاطعها رمزية، وان عزيزا عجز عن العثور على بعض ما وراء الكلمات، كما يشيرالى وقوع الناقد في مصيدة غلطة مطبعية حيث لاغبا تصبح لاعبا .
ويوميء الشاعر الى انه ليس من مهمة الشاعر ان يكشف عن كل جزئية من معاناته، وان الشعر ليس كالنثر يقبل الشرح والتفصيل.
ومهما يكن من أمر فإن نقد عزيز ضياء لهذه القصيدة يكشف عن قدرة على التحليل، وعن ذائقة فتية مدربة، ولكن شأنه شأن نقاد جيله كان يعتمد على الذوق في الدرجة الأولى كما كان يهتم بالجزئيات اهتماما فائقا، وان عبدالله بن ادريس وهو شاعر ناقد ربما اختلف عن زميله في توفره على اقتناص الظواهر الكلية وإن لم تكن في بعض الأحيان ذات خطر، وان ملاحظاته الجزئية كانت أقل.
عزيز ضياء والنقد القصصي:
إن التجارب الثرية التي خاضها عزيز ضياء كما تبدت في سيرة حياته وفي رحلاته جعلت لديه ميلا طبيعيا الى الفنون السردية، ابداعا ونقدا وتعتبر ترجمته الذاتية لونا من ألوان الابداع القصصي، وطاقة القص التي تنم عنها هذه الترجمة، وما كتابه عن حمزة شحاتة في كتابه قمة عرفت ولم تكتشف لا يخطئها الحس، فلغته مرنة طيعة تتميز بحركية منظورة، كما ان تصويره للبيئة الثقافية في مكة، وما امتازت به من خصوصية ينبىء عن مذخور ثقافي يهيئه لأن يكون قاصا ذا رؤية عميقة، هذا على المستوى الابداعي، أما على المستوى النقدي فإن ما حفلت به مقدمته لرواية أمل شطا غدا أنسى من آراء تجعله ذا رؤية نقدية، قد نختلف معها، ولكنها تدرج صاحبها في سلك النقاد المهتمين بالسرد، فهو يعمد الى التحليل، كما يبرز الماما واضحا بتطور فن القصة.
ويعرف الرواية بأنها العمل الفني الذي يتجاوز الأقصوصة أو القصة القصيرة، ليس بعدد صفحاتها فحسب، ولكن فيما يتعلق بما يسميه الشخصية المحورية والموضوع والشخصيات التي تواكب الأحداث فتظهر في وقتها لتلعب أدواراً في خدمة الأحداث التي يفرزها الموضوع ويبدو هذا التعريف ناقصا وعاما، إذ لا نعثر على الخصائص المحددة التي تميز الرواية عن ألوان القصة الأخرى، خصوصا فيما يتعلق بالعناصر التي اشار اليها تحديدا، وهي الشخصية المحورية والموضوع والشخصيات الثانوية التي تواكب الاحداث.
ويشير عزيز ضياء بعد ذلك الى ان الرواية تتطلب مرانا وخبرة الى جانب الموهبة مع حصيلة وافرة من تجارب الحياة وممارسة تقلباتها، وليس من شك في أن هذه الملاحظة شديدة الأهمية فيما يتعلق بالابداع القصصي، ويلتفت الى مسألة مهمة تتمثل في جانب الاعداد الثقافي، إذ يؤكد ضرورة الاحاطة بالمركز من مباحث علم النفس، وعلم الاجتماع، والاكثر من دراسة الاعمال القصصية لعمالقة اعمالها ولعل ذلك في مجمله - يدل على فهم عميق لطبيعة الرواية ولكن الالمام بعلمي النفس والاجتماع ليس امرا (ملحا) لإتقان الفن الروائي لأن الحس الاجتماعي والنفسي اليقظ بالاضافة الى الموهبة وما ذكره من مؤهلات أخرى تتعلق بالتمرس بقراءة الاعمال المعروفة لكبار الكتاب في هذا المجال.
** يشير الكاتب في معرض مقارنته بين رواية امل شطا (غدا انسى) وأعمال كتاب محليين آخرين مثل (حامد دمنهوري ومحمد عمر توفيق) و(محمد علي مغربي) من حيث المعالجة الفنية، والتناول الدرامي والبراعة في تصوير الجانب النفسي في الشخصيات المحورية انها تبدو ارسخ قدما وقدرا وابرع احتواء وأوفر عرضا من كثير من القصص التي قرأها (لكتابنا القدامى والمحدثين على السواء) كما يقول ليس هذا فحسب بل انه ليقرر دون جرح ان هذه الرواية اول عمل في هذا المجال يتوفر فيه الكثير من عناصر العمل الروائي الاصيل ومن الصدق الفني الذي يستغني عن الافتعال والتزيد وعن البهرج والزخرف في المعنى واللفظ على الرغم من انه يشير الى ان المقارنة تتعذر عليه لانه لايجد هذه الاعمال التي يتحدث عنها في متناول يده عند شروعه في كتابة المقدمة ولعل ذلك مدعاة للوقوع في التناقض.
واحكام عزيز ضياء تنطوي على قدر من التعميم إذ إن اصدار مثل هذه الاحكام يحتاج الى منطلقات محددة تتناول تبيان المقصود بالتناول الدرامي والمعالجة الفنية كما انه يفترض ان تقوم المقارنة على اسس واضحة فالاستاذ حامد دمنهوري مثلا تختلف طريقته في بناء عملية الروائيين ومرت الايام و(ثمن التضحية) عن منهج امل شطا في هذه الرواية ليس اختلاف مفاضلة وانما اختلاف مغايرة وكذلك الحال بالنسبة لمحمد عمر توفيق ومحمد علي المغربي فرواية (البعث) تنتمي الى رحلة الارهاصات المبشرة (البدايات) بينما تنتمي اعمال الدمنهوري الى مرحلة التأصيل ومهما يكن من امر فان رأي المرحوم عزيز ضياء انطباعي ذوقي ناجم عن خبرة ولكنه لا يتكىء على قاعدة علمية موضوعية.
ويتحدث عن الاعمال القصصية التي سادت الساحة الادبية فيما بعد ويصفها بالهلامية حيث تتبعثر الفكرة ويتبخر منها الموضوع ويتطاير في كل جملة ألفاظ كثر التهافت عليها مثل الصدأ والتسلخ والنجوم في المجاري والمطرقة في نخاع الشمس ثم المسامير والصديد والجبال على الاثداء وما اليه) وما دام الحديث عاما دون امثلة فإن التعليق عليه يصبح غير ذي موضوع.
** ويدلي الكاتب بشهادته ذات الطابع التاريخي فيما يتعلق بأعمال عبدالقدوس الانصاري الريادية (التوأمان) و(مرهم التناسي في صيدلية الآمال) فيقول:
ولا يساورني شك في ان الاستاذ الكبير يزحمه الضحك الان كما يزحمني حين تعاوده ذكرى ما في القصتين من تفاهة وخواء وما في عنوان الثانية من فجاجة فكر وبدائية تعبير واداء وهو لا يقتصر على هذه التجربة التي يصفها بالمغامرة بل يتناول تجربته الخاصة في هذا الميدان إذ وقع في حبائل هذا الفن المراوغ فكتب قصة بعنوان (الابن العاق) ثم نشر بعد ذلك حلقة من قصة لم يكملها لانها وقعت تحت طائلة المخالفة فاستلزمت تحقيقا لدى فضيلة رئيس القضاة الشيخ عبدالله بن حسن آل الشيخ (رحمه الله) مع صدور امره بوقف نشر بقية القصة لانه رأى فيها تحريضا على الاضراب عن الزواج ويرى ان عامل الاستدراج والاغراء في القصة يأتي من انها في أبسط صورها (حكاية) تروى بكثير او قليل من المقاصد.
وتراثنا الشعبي حافل بالحكايات ويستدل بقدرة فن القصة على الاغراء بالعدد الضخم الذي تقدم لمسابقة القصة في جمعية الثقافة والفنون 1399ه وهو يرى ان القصة (القمة الشاهقة والمرتقى الشامس) بين جميع الفنون على الاطلاق.
** ويرى ان ظاهرة الاقبال على القصة في العالم العربي ظاهرة جديرة بالتعامل والدراسة ويتحدث عن قصة (سارة) للعقاد التي لا تصمد للمقارنة امام العديد من الاعمال الناجحة في العالم العربي والآداب العالمية وهذا قول حق باجماع الكثير من الدارسين.
كما سيتحدث عن تاريخ الفن القصصي في العالم ابتداء من اعمال السحرة في الأدب المصري القديم مرورا بالمهابهارنا الهندية وأساطير الصين وحكاية الف ليلة وليلة في الادب العربي ويتحدث عن الالياذة والأوديسا واينسيد وقصص التوارة والانجيل ثم بذاك وفلوبير وستندال وديستو فسكني وتولستوي سلق رجنيف وبالرواية التاريخية عند والترسكوت وأحدب نو تردام لفيكتور هوجو واسكندر دوماس وتشارلز ديكنز وغيرهم مما يدله على معرفة واسعة بأساطين الفن الروائي القدامى والمحدثين وهو يتابع حديثه فيتذكر اسماء العديد من روايات وروائيي القرن العشرين ويبروز هذا الاستطراد بانه وقفة لابد منها نرى فيها ينظرة طائر واقع العمل القصصي في العالم العربي.
على اننا وفي نهاية المطاف لابد ان نقر بحقيقة تبدو غاية في الاهمية وهي ان النقد القصصي لدى عزيز ضياء لم يكن يحظى بالاهتمام الذي يجعل منه ناقدا لفنون السرد بل شأنه في ذلك شأن ادباء النهضة التنويريين الذين كانوا يأخذون من كل حقل بطرف ويضربون في كل مجال بنهم على ان (الشعر) ونقده وتذوقه يظل المجال الأثير لدى اغلب هؤلاء الادباء وعزيز ضياء ليس بدعا بين هؤلاء ولأننا حينما تناولنا جهوده النقدية انما اردنا ان نشير الى الجانب الريادي لديه في هذا المجال.


رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved