مسرح ,, ومردح حمد المبتلى في رحلته إلى ديار الجن والإنس وما بينهما! محمد العثيم |
المقام الثالث
قال الحاكي وهو من حال زمانه ضاحك باك:
وصل حمد ورفيقه الجني عند الجدار الاملس وطلب منه دليله الجني ان يتخلص من اي شيء يثير المتاعب وكان الجني يشجعه بالتلميح ان يتخلص مما معه في خرجه من نفائس تلك التي اختلسها من اودية البرزخ الثرية في غفلة من الحارس,.
والحقيقة ان الجني كان في اشد الخوف والعجب مما فعل حمد حيث لايخطر ببال احد ان يمد يده على مجوهرات الاودية في البرزخ الفاصل فما بالك ان يملا خرجه وحتى لو ان الدليل الجني علم انه سلم اليوم ففي علمه انه لن يسلم المتاعب في وادي الساحرات حيث ان هذه النفائس تغري الانس بالفساد وارتكاب ابشع الافعال من اجلها,, لكن حمد المبتلى تجاهل التحذير هذه المرة مثل ما تجاهله من قبل,, فقال له الجني اذن فاحذر الهوى والعشق ولوافح الغرام,, ولاتصدق وعود ساحرات الانس في عالم ما تحت الارض فقد يجلبن لك المتاعب لأن الحب والهوى فيما تحت الارض يأخذ بشغاف القلوب ويعصف بالالباب,, وينسي المرء نفسه، قال حمد المبتلى وقد ضاق بنصائحه ونصائح شيخ الجن من قبله:المهم يادليلي قل لي كيف نعبر الى ماوراء هذا الجدار,, تذكر الجني (حني) ان الانسان من اهل الارض في خلقته عجولا,, وان حمد من ابناء الإنس,,وأخبره:,, ان للساحرات الإنسيات اصدقاء من الجن كما لك الآن,, وحذره للمرة الاخيرة من الخوف،,, وهو ما سيدخله في المتاعب مع جبابرة الجن في وادي الساحرات ومنهم عشاق الإنسيات الفاشلون وهم نوع حسيّ من عشاق الجن,, تحبسهم الجن في اودية وتوثق صدورهم سلاسل عريضة تشدهم الى جبل مخروطي كبير يجرونه,, ولو افلتوا من عقلهم امتلأت الدنيا غيرة وشرا مستطيرا لما يجدونه من حقد خيبة الامل وعجزهم بأمر الله عن تلبس حبيباتهم المحاطات بالقراءات النافعة,,وكان حمد يدرك انه دخل بقدره المحتوم سردابا من العجائب لاقدرة له على اجتيازه,, وفكر بالعودة ادراجه لكن العودة من رابع المستحيلات فهو كمن دخل انبوبا طويلا زحفا على بطنه ما عليه الا ان يواصل الزحف حتى يهيء الله له مخرجا,, والحقيقة انه ندم على الموافقة على المرحلة.
كان حمد رغم اجتهاده من اصحاب الحظوظ العاثرة حتى تلك الامور البسيطة التي يحصل عليها كل الناس كان باب الرزق موصدا دونه للحصول عليها,, وكان في بلدته الصغيرة يعتبر احسن كاتب عرائض وما كتب عريضة او رسالة الا حققت غرضها وأغنت صاحبها اوحققت طلبه بما يريد حتى رسائل الحب والهوى التي كتبها لغيره كانت تنتهي بزواج غير مشروط تكثر بعده للمريد الذرية والمال وهما زينة الحياة الدنيا,, وفي يوم من الايام كتب واحدة من رسائل الشوق لفتاة جميلة وهذه المرة وقعها باسمه هو,, ثم كتب رسالة لوالد الفتاة يخطب ابنته وأرسلهما سويا لكن رسالة الهوى والغرام هي فقط التي وصلت للفتاة فأعطتها اباها دون فتحها اما الاخرى فضاعت وجمع ابو الفتاة اعوانه من اقوياء البلد,, وضربوا حمد ضربا مبرحا وبعدها لم يكتب رسالة حب او غرام او طلب او جاه فاضطر اهل المدينة لجلب كاتب عرائض من قرية مجاورة يأتي لهم مرة في الاسبوع ولكنه لم يكن مثل حمد بن بهيج في حسن اسلوبه فالكاتب الجديد كانت رسائله قلما تجد استجابة ممن ترسل لهم وعرف حمد بعد ذلك في كل قريته بحمد المبتلى.
***
سال حمد المبتلى الدليل حني,, وماذا عن ابي وأمي,,؟ قال الجني حني: نسيت ان اخبرك ان الشيخ ارسل لهما الف وزنة من التمر وألف اردب من القمح والطحين وألف تنكة سمن وكسوة ورياش فلم يجد العونة من خدم النقل مكانا كافيا في المنزل فأخرجوا اباك وأمك خارج البيت وملؤوا المنزل بحاويات الطعام والشرب وأعادوا الباقي ليستشيروا شيخ الجن كيف يتصرفون؟ وماذا يفعلون؟,, فأمرهم بنقل والدك بهيج وأمك سارية الى بيت كبير اوكل بهم الخدم لحين يتحقق غرضك وعندها سيكون لهما امر آخر حسب رغبتك,, ولكثرة مالديه من بضاعة فتح أبوك بهيج دكانا كبيرا لبيع الغذاء,, وهو اليوم من كبار التجار,ولم يعرف الجني ان والد حمد المسمى بهيج وقع في بلوى عظيمة حيث انه باع بأبخس الاسعار فأفسد امر التجار فشكوه للوالي فصادر بضاعته ومنزله ليعوض التجار الخاسرين وعاد لبيته القديم حيث لاماء ولاطعام ولولا ما يتصدق به المحسنون لكان مات من الجوع.
تعجب حمد من السرعة التي تم بها امر ثراء والده دون ان يعلم ببؤسه الآن واطمأن باله,, وسأل الجني كيف تسارعت الاحداث بوالده؟ فأخبره الجني قائلاً: ان ايام الانس غير ايام الجن وانها مرت اكثر من ثلاث سنوات في رحلتهم عبر البرزخ مما يجعل اليومين في الصحراء وأودية النفائس كل يوم بسنة عند الإنس,, ثم اخبره ان عبور المنحدر الى الوادي سيجعل السنين تمر دون ان يعي وكثير من ساحرات الارض اللواتي يزرن عشاقهن في عالم الجن يأتين فتيات صغيرات ويعدن عجائز شمطا والناس يحسبونها شيخوخة لكنه لفرق الزمان وتعاقب الحدثين وبسبب هول مايرين.
وبعد ان اطمأن حمد المبتلى لحال والديه بدأ يفكر بما يحصل له هل سيعود بعد سنين كما قال (حني) وهل سيكون شيخا عجوزا ابيض الشعر,, احس الجني(حني) بهواجسه فقال اطمئن,, اذا لم تعشق فانك لن تشيخ ثم اني سأعبر بك على نهر المخلدين وهو نهر مادته اكسير من غير الماء وسأدعك تستحم به سباحة ليخلد شبابك الى ماشاء الله لأن شيخ الالف لايريد اي ضرر ان يصيبك بسبب خدمتك له.
***
هذا ما كان من امر حمد المبتلى مع دليله الجني (حني) وهما يستعدان لدخول وادي الساحرات تحت الارض,, اما ما كان من امر شيخ الجن المعروف (شيخ الالف) فقد شغل عن نفسه وما يملك ونسي بهيجا وغيره لأنه عندما عاد الى قومه بعد ان عاش اياما من التأمل وجد الحال لاتسر والامور تفلت من يده وقرر ان يستعمل الحيلة للوقوف بوجوههم حتى يعود ابنه لينتصر له,, وحيث ان اهل الارض من الجن ليسوا على اطلاع على احوال الإنس فقد اشغلهم برواية خبر الانس وكان رجلا مثقفا عالما لاتنقصه المعرفة,, وقد قال لهم انه يريد ان يجدد احوالهم ولكنه يريد ان يعرض لهم تجارب الانس التي مروا بها,, وظل يحكي لهم في شؤون معاش الإنس وطبهم وقصصهم و(تلافيزهم) وقومه في اشد الانبهار والحقيقة انه كان ينتظر عودة ابنه على احر من الجمر برجاء ان ينقذه من متاعبه مع قومه,, لكن هيهات,, فابنه حنحون سلبت فؤاده فتاة انسية لم تطلع الشمس على اجمل منها في البلد المقصود وهي بنت والي تلك الديار ولاسبيل له للوصول اليها ولاسبيل له للخلاص منها بسبب موانع تمنع الجن من تلبس الإنس مما سنعرض له فيما بعد.
انتهى المقام الثالث ويتبعه الرابع
|
|
|