Sunday 16th May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 1 صفر


في الذكرى السادسة والأربعين لرحيل الشاعر إبراهيم ناجي
قراءة في ديوانه وراء الغمام
محمد ابراهيم أبو سنة



تزداد شاعرية ابراهيم ناجي سطوعا بمرور السنوات شأنه شأن كل شاعر حقيقي ذلك ان الفن رغم تبدل اشكاله من عصر الى عصر يحتفظ بهذا الجوهر الذي يناجي كل العصور.
ولد ناجي والقرن التاسع عشر يلفظ انفاسه ومات بعد ان انتصف القرن العشرين بسنوات قليلة، فقد ولد ابراهيم ناجي في عام 1898م وتوفي في 24 مارس 1953م,, مخلفا وراءه عددا كبيرا من القصائد جمع بعضها في دواوين وراء الغمام وليالي القاهرة والطائر الجريح وفي معبد الليل ثم عكف شاعر حديث محب لناجي هو حسن توفيق على جمع تراثه الشعري كله فزاد على ماسبق نشره مااسماه القصائد المجهولة ثم قصائد من ديوان ناجي وبلغ مجموع قصائد ابراهيم ناجي في الاعمال الكاملة الاخيرة 317 ولاشك ان هذا الحصاد الشعري الوفير سيمثل اغراء دائما للنقاد والدارسين خاصة وانه سوف يثير بعض الاشكاليات الاكاديمية حول مشروعية البحث عن تراث الشاعر ونشر مااغفله الشاعر ولم يرد ان يصدره في دواوين ونشر النماذج التي تمثل البدايات الاولى مما يضعف من القيمة الفائقة التي جسدتها دواوين الشاعر التي ارتضاها لنفسه وديوان وراء الغمام هو الديوان الاول للشاعر الدكتور ابراهيم ناجي وصدرت طبعته الاولى في مايو عام 1934م بتصدير شعري للشاعر احمد زكي ابو شادي وتصدير نثري لاحمد الصاوي محمد والتصديران يؤكدان اهمية هذا الديوان الذي حمل الى الحياة الثقافية صوتا شعريا متميزا في مجموعة متكاملة بعد ان نشر الشاعر قصائدها متفرقة من قبل الصحف والمجلات,, يقول ابو شادي عن ناجي وديوان وراء الغمام :
تغنى بهذا الشعر قبل وجودنا
وفي بدء خلق الكون شاعره الأسمى
ثم يخاطب ناجي قائلا:
كأني يتيم ان حرمتك شاعرا
وفي صحبتي اياك لااعرف اليتما
كأني غريب في وجود معذب
وعندك القى عالم الحب والنعمى
عواطف تزري بالزمان وعمرها
هو الكون لاندري لغايته علما
لئن عد حبي من جنون ونشوة
فللفن حمى لن تقاس بها الحمى
ويقول الاستاذ احمد الصاوي عن وراء الغمام :
يكاد يكون ديوان ناجي قصيدة واحدة وقصيدة حب فقد وجد الحب منذ ماوجد الشعر او وجد الشعر منذ ما وجد الحب,, وكأني بالزهرة وابوللو قد سارا جنبا الى جنب يقطعان الافلاك والاجيال باحثين عن رجل يعيش بالحب والشعر ويعيش لهما ومن اجلهما فهو دائما المحب الشاعر حتى تجلى لهما من وراء الغمام وعندئذ تنازعا عليه,, وكيف لي ان انسب ناجي الى هذه دون هذا! اني اخشى ان اغضب فينوس او اظلم ابوللو,, ويضم ديوان وراء الغمام اربعا وخمسين قصيدة تدور في معظمها حول الحب والجمال والالم والحزن وبعضها يتضمن رثاء لبعض الشعراء مثل امير الشعراء احمد شوقي وتحية لشعراء آخرين مثل الدكتور زكي مبارك كما عرب بعض القصائد من الفرنسية مثل البحيرة للامرتين ودعاء الراعي للشاعر الالماني هيني والتذكار للشاعر الفرنسي الفريد دي موسيه,, ويتغنى ناجي بالحب والجمال وكأنه يبحث عن العزاء عن عالم مفعم بأسباب الشقاء والابتلاء فالحبيب في معظم قصائد ناجي هو مجرد ملاذ من الشقاء وهو يكاد يكون مجهولا او عابرا او مطلا من نافذة الماضي البعيد وكأن قضية ناجي الاولى هو الالم الذي يبحث له عن شفاء يقول:
كم مرة ياحبيبي
والليل يغشى البرايا
اهيم وحدي وما في
الظلام شاك سوايا
اصير الدمع لحنا
واجعل الشعر نايا
وهل يلبي حطام
اشعلته بجوايا
النار توغل فيه
والريح تذرو البقايا
مااتعس الناي بين
المنى وبين المنايا
يشدو ويشدو حزينا
مرجّعا شكوايا
مستعطفا من طوينا
على هواه الطوايا
حتى يلوح خيال
عرفته في صبايا
اذا بحلمي تلاشى
واستيقظت عينايا
ورحت اصغي واصغي
لم الف الا صدايا
وتجارب ناجي العاطفية بالغة الهشاشة فهو يسعى الى لون من المطلق المثالي يعرف انه لن يجده ورغم ان ديوان وراء الغمام في معظم قصائده ينهل من ينابيع الالم والاحزان التي يورثها الاخفاق في التحقق او العثور على مايبتغي الشاعر فان ومضات من الفرح العابر تلوح في قصيدة فرحة جديدة,, يقول الشاعر ابراهيم ناجي:
ادركت عندك يومي الموعودا
ولقيت فيك مثالي المنشودا
وافرحتي بك فرحة الطفل الذي
يلهو ويخلق كل يوم عيدا
وافرحتي بك فرحة الطير الذي
ملأ الروابي المصغيات نشيدا
طرب لصدحته وصفق ظافرا
جذلان في عرض الفضاء سعيدا
في موكب من قلبه وحبيبه
من راح تحسبه العيون وحيدا
وافرحتي بك فرحة الضال الذي
يطوي القفار اللافحات شريدا
لاحت له بعد الهواجر ايكة
غناء تبسط ظلها المدودا
مااعجب الدنيا التي بعث الهوى
واحالها روضا اغر جديدا
شتى غرائبها واعجبها فتى
يغدو لمهجته عليك حسودا
تكاد هذه القصيدة ان تكون القصيدة الوحيدة في هذا الديوان التي تعبر عن الفرح الذي لايفاجئه الحزن او الفراق وربما كانت هذه القصيدة معبرة عن بداية عاطفية من هذه البدايات الكثيرة التي عرفها ناجي ولم يفارقها الا قفزا الى نهاية حزينة واذا كانت قصيدة في هيكل الحب عنابي القاسم الشابي هي فرح مطلق بالجمال الانساني الذي يقود الى الحب فان اغنية في هيكل الحب عند ابراهيم ناجي هي تعبير عن الاسى الفاجع كما يقول:
كم تجرعنا هوانا
ولقينا في هوانا
وبلونا نار حب
لم نذق فيهاامانا
واذا حل الهوى
هيهات تدري كيف كانا
ياحبيبي هيأ الليل
ولم يسهر سوانا
لا الدجى ضمد جرحينا
ولا الصبح شفانا
لا الهوى رق على الشاكي
ولا قاسيه لانا
قد غدونا غرض الرامي
كما شاء رمانا
الحياة كلها لحظات متعاقبة من الآلام والاحزان والشاعر يهفو الى الحب او الى الجمال طلبا للفيء في الهجير او الري من الظمأ او الراحة من التعب ثم بعد ذلك يعرف انه محكوم بالرحيل في طرق الايام متعثرا باحجارها وحفرها.
ظل ناجي محلقا وراء الغمام وحين كان يهبط الى الارض كان يهفو سريعا الى عالمه الساحر المجهول حيث الشعر والحب والجمال والأمل.

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved