Sunday 16th May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 1 صفر


المديرة,, بأمرها ,, في مدارس البنات,,؟!
حمّاد بن حامد السالمي

** من الواجب على الكتاب والمؤرخين والموثقين لتاريخ التعليم في المملكة بشقيه - بنين وبنات - الاشادة بدور الرواد في هذا المضمار، اولئك الذين ساهموا بقدر كبير من الاخلاص والتفاني والإيثار في ارساء قواعد هذه النهضة العلمية التي عمت البلاد وشملت العباد في ظرف سبعة عقود من الزمان، والنجاحات التي تتوالى هي غرس طيب لمن سبق من المربين والمربيات في المؤسسات العلمية والتعليمية التي بدأت على شكل حلقات وكتاتيب، ثم اصبحت اليوم صروحا يشار اليها بالبنان.
** اقول هذا ونحن نحتفي بالمئوية الاولى لتأسيس المملكة حيث تزخر البلاد بجهود كبيرة تؤرخ وتوثق لهذه المرحلة الهمة في حياتنا وهي مناسبة لاعطاء كل ذي حق حقه من المدح والثناء والاطراء، وهو اقل القليل الممكن في هذا الشأن، ولكن هذا لا يمنعنا من الالتفات الى مسألة النقد الذاتي وخصوصا للمرحلة الحالية الحافلة بتجارب ثرة في النظريات والتطبيقات وفي اساليب المعالجة والتوصيل التي يقوم نجاحها بدرجة كبيرة على الادارة الحديثة، عندما تأخذ بأسباب التطوير والتجديد والمرونة في أدائها وتتوفر على ما كان يتوفر عليه الرواد الاسبقون من علم وحلم وتضحية وتفان وايثار وهذا ما نؤمل ان تكون عليه الادارة التعليمية الحديثة في مدارسنا بنين وبنات.
** وعلى كثرة وغلبة النماذج الجيدة في الادارة المدرسية اليوم، الا ان هذا لا يمنع ان يكون هناك نماذج اخرى تسلك من السبل والوسائل ما يمكن ان يقال عنه بأنه عكس الاتجاه الصحيح في المسيرة التربوية التعليمية الحديثة التي تحكمها نظم وتعليمات واخلاقيات وسلوكيات تقوم على اسس دينية اسلامية سمحة، ومبادىء انسانية واخلاقية تحترم شخص المتعلم، وتحفظ له قدره واعتباره وتعترف بكيانه وبما يمتلك من كفاءة وقدرات وامكانات صغيرا كان او كبيرا، ذكرا كان او انثى.
** والنموذج (المغاير) في العملية التربوية التعليمية في المدارس يشكل بدون ادنى شك عبئا ثقيلا على نفسه وهماً اثقل على المتعلم، لأنه ينطلق في هذه المغايرة التي تعكس الاتجاه وتتجاهل النظم والتعليمات الرسمية، من قناعات خاصة ومنها يبني سلوكه التطبيقي على اجتهادات خاطئة تصل به وبالمتعلم في كثير من الاحيان الى قمة التطرف والاعتساف، وعندما يكون هذا في اطار المدخلات داخل مؤسسة تربوية تعليمية، فما شكل المخرجات التي ننتظرها غداً من هكذا مؤسسة يا ترى؟
** ومما قد يندرج في اشكالية المغايرة هذه والقائمة على قناعات شخصية بحتة، ومن ثم اجتهادات خاطئة موغلة في الاعتساف، ما يحدث احيانا داخل اسوار مدارس البنات في التعليم العام - ولا أزكي تعليم البنين - وهو امر يرسم اكثر من علامة استفهام كبيرة بالخصوص: ما قيمة النظم والتعليمات والتوجيهات التي تتلقاها مديرة المدرسة على الدوام من مرجعها؟ لماذا تتجاهلها؟ لماذا تتجاوزها؟ هذا اذا صرفنا النظر عن المكونات الشخصية لمديرة المدرسة التي تؤخذ في الاعتبار عند تكليفها بهذه المهمة!
** في اقل من ثلاثة اشهر شهدت مدارس محافظة الطائف حادثتين لم يسبق لهما مثيل في مؤسسة تربوية واصبحتا حديث الناس وطرفاها مديرتان وطالبتان.
** الحادثة الاولى وقعت داخل مدرسة ثانوية كبيرة، فقد ظهرت كتابات على جدران مرافق المدرسة قيل بأنها غير لائقة وسعت المديرة الى التحري، ثم توصلت - هي - الى ان وراء ذلك احدى الطالبات التي انكرت وتظلمت كثيرا دون فائدة,, الى هنا والامر عادي جدا، فهناك في النظام روادع كثيرة منصوص عليها، لكن هذه المديرة تملك ابتكارات عجيبة! فقد ارادت ان تجعل من هذه الحادثة شيئا مذكورا تتناقله الركبان، وتتحدث به العربان الى يوم الدين, ففي احد الايام الدراسية حشدت الطالبات في الفناء وجرى استنفار المعلمات وفتحت الاذاعة على تلاوة لآيات محددة من القرآن الكريم وسيقت الطالبة امام هذا الحشد في موقف جزائي غير مسبوق! ثم جرى تلاوة الجرم غير المشهود - بناء على قناعة هذه المديرة وسط بكاء وعويل من الطالبات وصياح ونفي من الطالبة, ثم صدر حكم حد قذف - هكذا - ثمانين جلدة! مع تبصيم من الطالبة على محضر بالاعتراف! وتلا هذا الاجراء الغريب الكثير من الافرازات التي طالت والد الطالبة ووالدتها وكافة اسرتها ومازالت تتفاعل.
الحادثة الثانية جاءت بسياق قريب مما سبق وكأنها نتاج لها، فهناك طالبة في مجمع مدرسي في احدى ضواحي الطائف تصل الى المعهد الثانوي يوميا من الطائف في سيارة نقل مع زميلات لها، لكن البعض من زميلاتها يصدر عنهن تصرفات غير لائقة اثناء الطريق، هذه الطالبة اخبرت مديرة المجمع بما يحدث، وانه امر لا يليق من طالبات في شوارع عامة، وبدل ان تقوم المديرة بالتحقيق في الامر وسؤال السائق ونصح الطالبات وحسم الامر بهدوء، عوضاً عن شكر الطالبة الغيورة على الدين والاخلاق، وسعت دائرة الخلاف فأخبرت الطالبات موضوع الشكوى بما جاء على لسان زميلتهن، ووصل الامر الى البيوت وجاءت الضغوط على المديرة للسير في اتجاه معاكس، فاستجابت للامر وفتحت تحقيقا مع الطالبة الناصحة التي لم تتوقع هذه النهاية المشؤومة, وفي يوم مشهود جمع فيه كافة طالبات المجمع في الفناء وفتحت الاذاعة على تلاوة كريمة من القرآن الكريم مما يناسب الحدث، ثم سيقت الطالبة وهي تصيح وتبكي وتتظلم وسط بكاء وعويل زميلاتها، ثم تليت حيثيات الجرم - حسب قناعة المديرة - وصدر حكمها بجلد هذه الطالبة الناصحة ثمانين جلدة عقوبة قذف,,!! ولم يتوقف الامر عند هذا الحد، بل لحق الاذى بوالد الطالبة ووالدتها ومازال.
** عجباً ,, هل نحن في مؤسسة تربوية تعليمية أم في ساحة محكمة؟! ومن يملك حق اصدار الاحكام القضائية الشرعية، قاضي المحكمة ام مديرة المدرسة؟! واين ذهبت التعاميم الرسمية التي تؤكد على تجريم ومنع العقاب البدني؟ ومن المسؤول عن الاضرار البدنية والنفسية والاجتماعية التي لحقت هاتين الطالبتين جراء تصرف فردي غير مسؤول داخل مدرستين من مدارس البنات؟ وما موقف الرئاسة العامة من هذا؟
** اسئلة كثيرة تدور في الاذهان بعد الذي حدث وكلها تؤكد على وجوب التأكيد على ما يربط الادارة المدرسية بالطالبات من نظم وتوجيهات تصب في قناة الضبط والربط والتزام الاتزان واحترام المتلقي والبعد عن اتخاذ المواقف الاستفزازية والقرارات التعسفية، والتحذير من توجيه الاهانات والتحقير والاذلال، لان كل هذا مما لا يليق ولا يصح في المؤسسات التربوية التي تخرج كوادر علمية وتعليمية يفترض ان تكون في شخصية معتبرة.

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved