Sunday 16th May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 1 صفر


الديون ونظام النهب العالمي

يعيش عالم اليوم ظلما اقتصاديا متعدد الاشكال والالوان، حيث ان 75% من دخل العالم تتركز في يد ربع سكان العالم في حين يتبقى 25% فقط لبقية دول العالم الفقير.
ان الاستقلال السياسي الذي حصلت عليه بعض الدول الاسلامية، لم يتبعه استقلال اقتصادي بل اتسمت معظم العلاقات الاقتصادية الدولية بالتبعية بين دول المركز ممثلة في الدول المتقدمة، ودول المحيط ممثلة في الدول النامية، وتشكل الدول الاسلامية الجزء الرئيسي من الدول النامية في اطار ما عرف بالعلاقة بين الجنوب الفقير والشمال الغني.
وتعتبر مشكلة الديون من اخطر مشكلات العالم المعاصر، فقد بلغت هذه الديون 1,4 تريليون دولار حسب ما اعلن في مؤتمر الامم المتحدة للتنمية الاجتماعية في كوبنهاجن.
ويتخوف كثير من المراقبين ان تكون الديون الرهيبة على العالم الثالث سلاحا لاستعمار جديد فالتاريخ يعيد نفسه من جديد.
وقد شبهت شريل بييار مشكلة الديون بنظام العبودية، حين قالت: ان بالامكان مقارنة نظام الديون العالمي، بنظام العبودية اذ لا يستطيع العامل في النظام العبودي ان يترك العمل لدى رب عمله، لأن هذا الأخير يؤمن له السلفات الضرورية لشراء بضائع باهظة الثمن من مخزن الشركة لتكملة اجوره الزهيدة، وهدف رب العمل الدائن التاجر هنا، ليس استرداد الدين مرة واحدة ولا تجويع العامل، إنما ابقاء العامل مرتبطا به بصورة دائمة عبر ديونه.
ان هذا النظام العبودي نفسه، يسود على المستوى الدولي، فالبلدان المستقلة حديثا، نجد أن ديونها وعجزها الدائم عن تمويل حاجاتها الراهنة تجعلها مرتبطة الى الدائنين برباط صارم.
واذا ظلت هذه البلدان النامية ضمن هذا النظام فإنها محكومة بالتخلف الدائم، وبتنمية صادراتها لخدمة المشروعات المتعددة القوميات، وعلى حساب التنمية لتأمين حاجات شعوبها.
حقيقة الامر فإن هناك عددا كبيرا ومتشابكا من العوامل التي ادت الى هذه الديون الرهيبة على الدول النامية، منها: هروب رؤوس الاموال للخارج وانخفاض صادرات الدول النامية، والتسلح والانفاق الضخم على الاغراض العسكرية، والاقتراض غير الرشيد.
إذ يعد هروب رأس المال على نطاق واسع عاملا مهما من العوامل التي ساهمت في زيادة حدة ازمة الديون في العالم الاسلامي وان كميات كبيرة من اموال العالم الاسلامي تستثمر في العالم المتقدم، وتقدر بما لا يقل عن 700 مليار دولار.
ولذا، وصف فيلي برانت التدفق السنوي للأموال من البلدان المدينة (النامية) الى البلدان الدائنة (المتقدمة) بقوله: إنها بمثابة نقل دم عكسية من المريض الى الطبيب.
وتذكر بعض الدراسات ان اكثر من 95% من الحروب والصراعات مسرحها العالم الثالث.
كما اشار تقرير التنمية في العالم ان الانفاق العسكري كنسبة من الناتج الوطني الاجمالي بلغ اعلى معدلاته في العالم في الشرق الاوسط وشمال افريقيا اي في العالم الاسلامي.
ومن المفارقات المؤلمة ان ثمن صاروخ واحد عابر للقارات يمكن ان يزود 50 مليون طفل يتضورون جوعا في افريقيا وآسيا وامريكا بالغذاء، ويشيد 65 ألف مركز طبي، و34 ألف مدرسة ابتدائية, وثمن غواصة ذرية تشيد 40 ألف مسكن شعبي وثمن طائرة قاذفة نووية يمكن ان يقيم 75 مستشفى سعة الواحد منها مائة سرير.
وفي المقابل فإن العالم ينفق على التسلح مبلغ اكثر من 400 مليون دولار كل 24 ساعة، والعجيب المؤسف ان ثلاثة ارباع هذه الاسلحة تشتريها دول العالم الثالث.
اما الاقتراض غير الرشيد فقد أدى بالمستدينين الى استخدام الاموال بتهور شديد، والاسوأ ان تستقرض الدولة الاموال لتودعها في مصارف سويسرا او غيرها ويحرم الشعب من خيراتها يقول برنارد لويس: ان الشيء الذي لم يتغير خلال قرن من الزمن، رغم كل التغيرات التي حصلت هو جهل المستدينين وجشع الدائنين.
وقد نتج عن هذه الديون الرهيبة آثار خطيرة على التنمية الاقتصادية في البلدان النامية وكذا على الاستقلال الاقتصادي، من حيث تزايد أعباء خدمة الديون الاجنبية على فاعلية نقل الموارد الحقيقية للبلاد النامية، واضعاف القدرة على الاستيراد، وتزايد العجز في ميزان المدفوعات وارتفاع معدل التضخم، وإضعاف معدل الادخار المحلي، وخضوع البلدان النامية لتوجيهات المنظمات الدولية وتوجهاتها.
يقول عبد سعيد عبد اسماعيل في كتابه ازمة المديونية الاجنبية في العالم الاسلامي, ان استمرار ظاهرة المديونية سيؤثر عكسيا على التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المدى الطويل هذه الدول (النامية)، باعتبار ان هذا العجز يشكل نزيفا مستمرا في إمكانات الدول النامية وقدراتها المادية.
وعلى الرغم من المقترحات الدولية والاقليمية والمبادرات الحكومية والحلول الاقتصادية إلا ان علاج ظاهرة الديون في العالم الاسلامي يبدو انه أصعب مما يعتقد بيد ان العالم الاسلامي لو طبق قواعد الاقتصاد الاسلامي واحكامه في جميع تعاملاته الاقتصادية الداخلية والخارجية فإنه لا يحتاج ان شاء الله الى قروض ربوية، ولا معونات مشروطة بشروط مجحفة ولا مزيد من الضرائب ولن تصل ديونه - ان وجدت اصلا - الى هذه الارقام الفلكية,.
د, زيد بن محمد الروماني*
*عضو هيئة التدريس بجامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية
عضو الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية
عضو جمعية الاقتصاد السعودية.

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved