Sunday 9th May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 23 محرم


مسرح ,, ومردح
حمد المبتلى في رحلته إلى ديار الجن والإنس وما بينهما!
محمد العثيم

المقام الثاني: قال الحاكي وهو من حال زمانه ضاحك باكي:ثم أن حمد المبتلي أجاب طب نفسا يا شيخ الألف:
سأفعل لك ما تريد لأنك رجل فاضل كبير ولكني لا ارى دليلك الذي اوكلتني اليه، رد عليه الشيخ يا بني قد تلبس دليلي جملك الآن واذا اراك منك شيئاً سيتكلم من فم الجمل,, اما في الليل فيتجسد امامك بشكل النار الملتهبة لينير لك طريقك,, فانتم ايها الأنس عيونك يغشيها الظلام واعلم ان اسم دليلك حُني (الحاء مضمونة والنون مفتوحة) وفي مسير ما تحت الأرض بعد ان تقطعا الارض الفاصلة بين الأنس والجن وهي ارض لا حر بها ولا برد ولا ماء ولا مرعى، وبعدها تفتح لكما مغاليق الأعماق الى وادي الساحرات,, وعشاقهن من الجن المسلوكين بالسلاسل,, سيحدثك حني,, عن كل شيء تراه فهو اعلم الجن والأنس بالأقوام وطبائعهم والارض وحدودها ووديانها,, وحذار حذار أن يخامرك خوف مما ترى فان الخوف يستطير بما حولك وقد يفقدك عقلك وتأكد اني - بعد الله - حاميك وراعيك وسوف ارقيك رقية لا يعرفها الانس ولا الجن تحميك باذن الله من الأهوال التي تقع فيها وتحميك من سحر الساحرات فكن مطمئناً,, ولا تبتئس مما قد يبدو لك شر لا مخرج منه فعند الله لكل محتبس الف مخرج,, ولا تهتم يا بني ان اصابتك لوافح لا قبل لها بها من الحب والغرام فان بعض من ستراهم لا يساوي جمالكم الأرضي عشر عشر جمالهم ولأنهم نار وانت تراب وماء فسيلفحون فؤادك بلواعج اين هي من لواعج البروق,, هنا نظر حمد المبتلي وهو يفكر بحاله وما جرى له وقال: في نفسه وماذا في ذلك فليس لدي ما افتقده واذا ما اصابت رحلتي خيراً والا فانها لن تخيب رجاء ولأنه امن فقد زاد طمعه وحسبه بلا حسيب ولا رقيب وما حسب ان ما في هذا العالم معدود محسوب وما تأخذه يؤخذ منك دون تدري من اشياء لا تحسبها في سعادتك ومنها صحتك وأمنك وهناؤك,, لكن حمد لطول ما عايش الفقر والعوز ذهب في هواجس الطمع وفكر انه قد يملك قصراً في ضيعة لكنه والشهادة لله لم ينس والده ووالدته العجوز,, ونظر حوله يبحث عن الشيخ لم يره في الجوار قال له الجمل الذي امتلأت اوداجه بالجني حني الذي تلبسه ليأخذه عبر الطريق المجهول,, لا تبحث عن شيخي,, لقد دخل الارض قبل ان تطلع عليه الشمس فتحرقه,, الا ترى ان الشمس تطفىء ضوء النار.
***
ركب حمد المبتلى جمله (المتجنس) وهو خائف يقشعر جلده وسار الجمل قليلاً ثم دار باتجاه آخر حيث سيصعد وهاداً متوالية قد تؤدي الى هضبة عالية لا يكاد يرى نهاية طريقه في الافق المائل في نصف استدارة ورأى خط السماء كما لم يره انسي من قبل ورأى امامه عمودا من الريح يحمل التراب يسير راقصاً فيتبعه الجمل ومضى صعوداً ليومين لا ليل بينهما كان يطأ ارضاً بيضاء وديانها بالوان الطيف وكانت تشقها أحياناً جداول سائحة ماؤها معادن مائعة كالزئبق,, ومائع الذهب وتغطي بعض الجدول فصوص الألماس وحجار كريمة كثيرة لم يعرف منها غير الياقوت والزمرد,, والشرقي الازرق السماوي وبينا هو مستغرب ما يرى التفت اليه الجمل (المتجنس) وقال له حذار ان تفكر باقتناء شيء مما تراه فهو ليس للانس بل انه يؤدي بمن يملكه لمهالك لا يعلمها الا الله,, وهناك صل اسود لا يغلبه جيش عرمرم يحرس الكنز الثري في هذه الأرض الفاصلة بين الأنس والجن وهي سد لا تمسه يد جن ولا انس.
سأله حمد المبتلي واين المدينة التي نقصدها؟ قال له (حني) انها من المكان الذي سرنا منه على بعد سنتين ولكننا سنختصر الرحلة في ايام معدودات ان وفقنا الله وابعد عنا حلفاء السحرة من الأنس ذلك لاننا سنسير عبر بلاد الجن وعبر وادي العجب المسمى وادي الساحرات وعليك يا اخي ان تميت قلبك ولا تفكر بعقل دنياك وان تنسى والدك وولدك وزوجتك,, قال اما زوجتي فليس لي زوجة، واما والدي ووالدتي فلا سبيل الى نسيانهم لأني افكر بإطعامهم,,قال اترك امر اطعامهم علي واؤكد لك ان مدينتك كاملة ستأكل مما يصلهم من طعام وشراب فأرح ضميرك فاننا نقترب وانا اريد عقلك وقلبك بصلابة صخر الصوان لا ترعبك المصائب والدماء ولا شيء من الأهوال لانك في ملتقى السحرة بالساحرات لن تستطيع فعل اي شيء,, وكما قلت لك تخلص اي مقتنيات قد تكون لصقت بك من اودية النفائس في الصحراء الفاصلة لانها تسبب من المتاعب ما الله به عليم.
والحقيقة انه سبق السيف العذل,, فحمد المبتلي عندما نزل للراحة ملأ خرج طعامه من تلك النفائس والجواهر حيث لم يقاوم طمعه الدنيوي,, وحقيقة الأمر ايضا انه لم يدر انه يمتلك في خرجه الآن ثروة لا يملكها الجن ولا الأنس ولم يكن يعلم انه جناها في غفلة حارس كنوز الجن العظيمة,, والحقيقة ان الحارس اعتمد على هيبته عند الجن فتراخى في الحراسة ولم يعرف ان انسياً على جمله سوف يعبر الفيافي الثرية ويمد يده على اودية النفائس.
وسال حمد المبتلي جمله المسكون,, الا يوجد جداول ماء,, قال اي ماء اننا في ديار النار وهي للجن اما الماء فانه للانس لأنهم مخلوقون من طين ولا يرطب جلودهم غير الماء ,, قال حمد: ولكن ما معي لا يكفي الرحلة,, قال رفيقه (حني) بلسان الجمل انت لا تحتاج الكثير لأن وادي العجب (ويسمى احياناً وادي الساحرات) ليس حارا بما يلهب العطش, وقد نطلب الماء فيأتينا به احد.
رغم ذلك فقد كان حمد في غاية القلق لأنه من رجال الصحراء ويعرف اهمية الماء وقيمة المورد في الصحراء,, ودليله يقول انه لا ماء في هذا البرزخ الآن لا يستطيع التراجع سيقاتل من اجل الماء هنا الماء اغلى من النفائس.
***
بعد زمن يومين متصلين لا ليل بينهما بدا ليل عجيب يهبط من جديد لكنه ليل ازرق مموه بخيوط ذهبية زخرفية تأخذ تموجاتها الألباب لا توصف بها اروع سجادة فارسية نادرة,, ونجومه بدت ذهبية لا فضية متعلقة بسلاسل لا تثبت بل تتأرجح مثل ما يتأرجح الاطفال بارجوحة وخرج الجني الدليل (حني) من جوف الجمل المجهد بما يشبه حالة ولادة متعسرة وتمثل في عمود من النار تراقص بنعومة ثعبان نحيل ثم صار شكلاً من النار,, كان السرى في البرزح ايسر من السرى في صحارى الانس ولذلك مر هزيع الليل الأول سريعاً ثم توقف حمد والجمل وعمود النار الدليل (حني) امام ما يشبه الجدار الذي لا نهاية لعلوه وكان املساً لا تتسلقه نملة بأرجلها غراء لاصق وكان مستقيما في ارتفاعه وأفقه بما لا يدع اي مجال للشك بأنه جدار يفصل امتين لا رابط بينهما قال من هنا سندخل الى تحت الارض وحينها سنسير ليل نهار فتطوى لنا الأرض ونصل بغيتنا فيما لا يزيد عن ايام اذا لم تتعرض انت لبعض المتاعب من ساحرات الأنس الزائرات خلف هذا الجبل الأملس,, لمس حمد الجدار وضربه بيده فكان اصلب من ان يدخلا منه والأهم ان الزمن في حساب حمد غير الزمن في حساب الجن تحت الأرض.
انتهى المقام الثاني ويتبعه الثالث
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved