بدأت المرأة العربية بداية الكتابة الفعلية مع بداية النهضة بعد الحرب العالمية الاولى، حيث اشتغلت نسبياً مثلها مثل الرجل في مستويات الابداع كافة وان كانت المسألة اتخذت مسلكية التطور البطيء والمحدود حتى بداية الستينات لتخوض الكاتبة العربية بعد الستينات غمار الكتابة المنفتحة متشابهة في ذلك مع الكاتبة الاوروبية فكانت تجربة الكتابة النسائية الحقيقية بكل اشكالياتها كما ونوعا مع تحفظات اجتماعية ايضا في وجهها.
وقد اقتصرت الكتابة النسائية في بداية النهضة الحديثة على مجموعة من المجلات العائلية الاجتماعية من خلال تاسيس بعض النساء لعشرات المجلات كتبن فيها القليل من الروايات والاشعار التعليمية المتسقة مع الكتابة الذكورية مع بروز لبعض الرائدات في النصف الاول من القرن العشرين مثل اليس البستاني، وزينب فواز، ولبيبة هاشم، وعائشة التمورية، وملك حفني ناصف، ومي زيادة، وهدى شعراوي، ووردة اليازجي وروزا انطون وغيرهن.
ومنذ الستينات تحديداً تطورت كتابة المرأة لتبدو كتابة متنوعة ومتمردة على الوعي الذكوري كنتيجة من نتائج التطور الحضاري الذي تحقق بانتشار التعليم الجامعي اولاً ثم الانفتاح الثقافي والاجتماعي والتحرري ثانياً اضافة الى نيل المرأة للكثير من حقوقها المتساوية مع الرجل من ناحية قانونية ثالثاً، ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال وجد النقد النسائي على يد نساء اديبات واكاديميات - محررات، كاتبات، خريجات جامعيات محاضرات ومدرسات في الجامعة - شاركن في الحركة النسائية في اواخر الستينات وساهمن في التزاماتها الفعالة وهمومها الاجتماعية واحساسها بمسعاها الجماعي خاصة ان النقد النسائي هو الذي مهد لنظرية متميزة في الكتابة النسائية المختلفة عن كتابة الرجال، كما سنلاحظ من خلال قراءة مصطلح الكتابة النسائية في الثقافة الغربية من خلال تلقيها في الثقافة العربية.
وهكذا صار بالامكان الحديث بعد الستينات الى اليوم في الغرب وفي الشرق معا عن كتابة نسائية ونقد نسائي ووعي نسائي ومؤسسات نسائية واشكاليات نسائية مستقلة في المجتمع والابداع والثقافة.
وصار بالامكان ايضا التفاعل مع الخطاب الابداعي النسائي من خلال الرؤية النسائية للعالم في سياقات حوارياتها المختلفة مع الآخر الرجل لتهتم الكتابة النسائية التي تشكلت في ظل حركات نسائية متعددة بمسائل جوهرية في حياة المرأة.
لذلك ركز النقد النسائي على كشف كراهية النساء في الممارسات الأدبية: الصورة المكررة للنساء في الأدب كملائكة او مسوخ الاساءة الأدبية او المضايقة النصية للنساء في اذب الذكور الكلاسيكي والشعبي واستبعاد النساء من التاريخ الأدبي لنجد الكتابة النسائية تعلن عن رؤية نسائية من خلال تركيزها على قضايا اجتماعية تهم المرأة كفرد اجتماعي رغبة المرأة في البحث عن مجال لا تكون فيه مجرد اداة وظيفية مسلوبة الادارة.
وامست الكتابة النسائية في ضوء هذا التصور بالنسبة للمرأة حياة جديدة تظهر من خلال تعددية المستويات في توصيف حياة امرأة تعاني ولا تجد مخرجاً لها مما تعاني سوى الكتابة التي تصبح الوسيلة الوحيدة للتنفس عند نوال السعداوي او علاقة زوجية حميمة بديلة عن علاقة المرأة بالرجل الزوج حيث تكون فيها الكاتبة ملكة وقلبها من الورد عند فوزية رشيد او جحيم ذهبيا في ظل الصراع مع الاحتلال عند ليانة بدر، او وسيلة لتحدي الموت عند رضوى عاشور لان الحياة في الكتابة تستوقف وتدهش وتشغل وتستوعب وتربك وتخيف.
وفي ضوء تصور قهر المرأة بشكل اساسي تشبعت الكتابة النسائية بتجارب نسائية مليئة بوعي المرأة المأساوي ابتداء من اللاوعي المتشكل في تجربة القتل غسلاً للعار ومروراً بوأد البنات والسبي واستبعاد النساء وتحويل الجسد للمتعة في سياق الجواري وازدواجية احتقار الجسد وتقديسه واجبارها على الزواج واختزالها في عذريتها ومطالبتها بانجاب الصبي وادانتها لانجاب البنت، وهجرها وضربها، والزواج عليها وتطليقه وحجبها,, وانتهاء بجسديتها باسم التحرر في العالم المعاصر وكل هذه الاشياء وغيرها شكلت الصياغات المحورية والمفردات والمفاهيم والقضايا الرئيسية داخل الكتابة النسائية المتحولة من نمط الكتابة التقليدية المتعايشة مع كتابة الرجل الى نمط جديد يبحث عن الحرية من خلال التمرد ويرفض المساواة الابداعية تحت سقف الوعي الذكوري والمهيمن على كتابة المرأة كتابة وقراءة ونقداً وبالتالي بدأت الكتابة النسائية تبحث عن تشكل نظري تطبيقي في بنى تسعى الى التنميط على مستويات الشخصية والزمكانية واللغة العناصر المشكلة لجوهرية اية كتابة ولكن من منظور نسائي مختلف تكون فيه المرأة انساناً يتشكل في اطر انسانية ترفض العبودية وعياً وتطبيقاً كما ظهر من خلال الروايات والقصص العربية الاولى في اواخر الخمسينيات وبداية الستينيات التي احتفلت بالحرية والحياة الجديدة حتى في العناوين مثل: انا احيا (1958) لليلى بعلبكي وانا والمدى) (1962) لكوليت الخوري وعيناك قدري (1962) لغادة السمان وتعلمت الحب 1962 لنوال السعداوي ولن نموت غدا لليلى عسيران وطيور ايلول 1962 لإملي نصر الله.
وغالباً ما جاءت الحرية منتجة من خلال الأزمات العاطفية في الحب حيث كانت المرأة تشعر بانها كيان مستلب اجتماعياً في تجربة الحب بالذات اذ بدأت الرواية وما زالت وهي اكثر الأجناس الأدبية احتفالاً بتجربة الحب وما ينتج عنها من علاقات حياتية متعددة في حياة المرأة وكما يقول فنسنت فقد كانت كل الروايات عند القدماء تدور حول موضوع واحد هو الحب ولم يكن بامكان اي روائي او روائية ان يتخلص من موضوع او اشكالية الحب فالمازني الذي اراد ان يكتب رواية مصرية لا يدور موضوعها حول الحب ولا حول العلاقة بين الرجل والمرأة لم يكتب في نهاية المطاف في روايته (ابراهيم الكاتب) الا موضوع الحب كما يقول جورج طرابيشي.
ومن خلال الصور النمطية السلبية للمرأة انطلقت صياغات التحول في انشاء حركية اجتماعية ثقافية ادبية حاولت ان تعرف مصطلحات النسائية على اساس انها وعي المرأة لاضطهادها كأنثى ضعيفة وتابعة مجسدة ثورة على اضطهادها كجنس ثان متدن تجاه الجنس الأول الذكر ولم يعد بقدرة ألدّ اعداء المرأة الشوفينية المذكرة ان ينكروا او لا يعترفوا بوجود هذه الحركة التي اضحت عالمية من وجهة نظر بعض النساء.
ويمكن ان يعرف الأدب النسائي على انه الأدب الذي تكتبه المرأة على خلفية وعي متقدم ناضج ومسؤول لجملة العلاقات التي تحكم وتتحكم في شرط المرأة في مجتمعها ويكون جيد التحديد والتوصيف والتنقيب في هذه العلاقات ويلتقط بالقدر نفسه النبض النامي لحركة الاحتجاج معبرا عنها بالسلوك والجدل، وبالفعل والقول، وتعي كاتبته القضايا الفنية والبنائية واللغوية الحاملة للقدرات التعبيرية المثلى عن حركة التيارات العميقة المولدة للوعي النسوي الجمعي والوعي الاجتماعي الكلي المحيط والمشتبك معه في صراع حي متجدد وبالغ الحيوية.
وكما ذكرنا فقد حدث التحول الفعلي في الكتابة النسائية او رفضه اذ رفضت لطيفة الزيات على سبيل المثال ان تدرج في قائمة الأدب النسائي خوفا من احتقار المرأة انعكاساً سطحياً وعاطفياً لتجربتها الانثوية التي لا تلامس هموم الرجل او المؤسسة المهنية والوطنية لضيق تجربة المرأة وانعدام خبرتها وكان العائق الأول والرئيس الذي يحد من فاعلية المرأة هو أنوثتها التي حقرت ابداعها من جهة وعوقته من جهة ثانية, وجعلت هذه الثقافة كل كتابة تكتبها المرأة تفهم من قبل النقد السائد على انها نوع من السيرة الذاتية الوجدانية للمرأة ليوجه للمرأة الكاتبة بالتالي تهماً مختلفة منها: تحدي سلطة الاب والتمرد على العائلة مما لا يتلاءم مع الاخلاق والقيم العربية والدينية.
والمسألة النهائية هي شعور المرأة بالغُبن في كثير من علاقاتها بسبب كونها امرأة.
|