Sunday 9th May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 23 محرم


عزيز ضياء ناقداً 1
د, محمد صالح الشنطي

حينما نتحدث عن عزيز ضياء ناقدا فإنه لا يفوتنا أن نؤكد حقيقة مهمة تتمثل في ان مفهوم النقد - في هذا المقام - يتسع ليستوعب الجهد الثقافي الرئيس الذي نهض به هذا الرائد، شأنه في ذلك شأن اغلب الرواد الذين لا يحصرون أنفسهم في دائرة تخصصية ضيقة، بل يتحركون في مجالات متعددة تخدم مهماتهم التنويرية.
لذا فإن مكوناتهم الثقافية تأخذ بعدا موسوعيا نسبيا، وعزيز ضياء - رحمه الله - كان متعدد الابعاد في ثقافته وفي انتاجه على حد سواء، وهي ابعاد متكاملة او متساندة يبرز اثرها في معالجاته النقدية ومنطلقاته النظرية، فقد كانت قنواته موصولة بمجالات ابداعية عالمية فاطلع على كثير من روائع الابداع القصصي، كما كانت روافده الثقافية تستوعب فنونا عدة ومعارف واسعة، فهو يطلعنا في مؤلفاته خصوصا كتابه حمزة شحاته قمة عرفت ولم تكتشف وسيرته الذاتية المطوَّلة حياتي مع الجوع والحب والحرب على منابعه التي نهل منها المترجم والمؤلف بلغته الاصلية، كما يطلعنا على ثقافة جيله، فقد كانت تصل الى مكة المكرمة احدث ما يصدر من مؤلفات وكتب مترجمة وغير مترجمة ويطلع عليها عزيز ضياء ونظراؤه من المثقفين، ومنها كتب ابداعية وفلسفية وادبية وتاريخية اسهمت في تشكيل شخصية الناقد عزيز ضياء، فقد قرأ على سبيل المثال لا الحصر - كتاب ابن الطبيعة للكاتب الروسي هاتزبياتشف مترجما عن الانجليزية، وقرأ قصة تايبس والزنبقة الحمراء للكاتب الفرنسي الشهير اناتول فرانس وانا كارنينا والحرب والسلام لتولستوي، واطلع على مؤلفات عمالقة عصره من الكتاب والشعراء العرب امثال طه حسين والعقاد والرافعي وتوفيق الحكيم وغيرهم بالاضافة الى ثقافة تراثية رصينة، وتأثر بالمهجريين والرومانسيين العرب، وبالتيارات الثقافية التي كانت سائدة وتدلنا قائمة مترجماته على اطلاع غزير في الآداب العالمية فلقد ترجم مجموعات قصصية ومسرحيات عديدة، منها مختارات من اعمال سومرست موم، ومجموعة من القصص القصيرة لكتاب متعددين تحت عنوان النجم الفريد ، وقصص من طاغور ضمها كتاب فيه تسع من اقاصيص الشاعر البنغالي الشهير رابندرانات طاغور وقد نقلها من الانجليزية - التي اتقنها الى العربية، وقدم لها بمقدمة عرف فيها بالمؤلف ومكانته التي اهلته للحصول على جائزة نوبل العالمية واحرازه لقب فارس من الحكومة البريطانية في العام نفسه.
وترجم كتاب العالم عام 1984 لجورج اوريل، كما ترجم عددا من مسرحيات اوسكار وايلد، واخرى لالكسندر اوستروفيسكي ولجان جينيت، وعددا من القصص المعدة للاطفال، وبعضا من مسرحيات موليير وقصصا لياسوناري كاوايانا، ويوجين اونيسكو، فقدم بذلك ابداعات سردية ومسرحية من الفرنسية والانجليزية واليابانية والبنغالية، وذلك من اللغة التي يجيدها وهي الانجليزية، وهذا الجهد في الترجمة يعتبر من اهم ما تميز به عزيز عن أقرانه من الرواد في المملكة العربية السعودية.
وهو الى جانب تميزه في هذا المجال كاتب شامل من ابرز كتاب المقالة السياسية والاجتماعية والادبية، بالاضافة الى ابداعه القصصي في ماما زبيدة وفي مجال السيرة (جسور الى القمة) وكتابه من حمزة شحاتة والترجمة الذاتية الخاصة به، فضلا عن اسهاماته الموزعة في الدوريات والصحف والمنابر الثقافية فهو من الثراء والتنوع بحيث يخصب ذلك فيه ملكة الناقد التي نريد ان نتعرف على جوانبها المختلفة،و ان بدأ ان معارفه المتصلة بتراث داروين والفارابي وافلاطون وغيره ليست ذات صلة مباشرة في النقد، والحقيقة انها رافد مهم في هذا المجال.
موقفه من التجديد
من المعروف ان مصطلح التجديد فضفاض وانه له مستويات متعددة ومنظورات مختلفة، ولكنه لدى الرواد يومئ الى التخلص من التقليد بكافة اشكاله، وعزيز ضياء يحاول ان ينطلق من مفاهيم نظرية شاملة شأنه في ذلك شأن معاصريه من النقاد التنويريين فنجد لديه رؤية لهجة الاديب ودور الادب، إذ يرى ان ما ينشر ويذاع في الناس في عصره حين كان شابا لا يمت الى الادب بأي صلة واصفا اياه بالضعف والركاكة والافلاس، وتبدو نبرته عالية وصوته صاخبا في تلك المرحلة فيتحدث عن النقائص التي تعتور ادب ذلك الزمان، ويرى ان الادب صورة حية للواقع، مرآة لحقيقة ما يدور فيه، انه في مواجهة الضعف والجمود يدعو الى القوة والحيوية، وقد قرن بعض الباحثين بين موقفه هذا وموقف حمزة شحاته الذي اعلنه في محاضرته الشهيرة عن الرجولة فيصف الاديب بانه هو الرجل الذي يمثل الرجولة الكاملة هو هذا الرجل الذي يغتصب اعجابك وتقديرك واحترامك,, هو الرجل الذي يعرف كيف يقنعك انه على صواب في رأيه، وعلى علم من امره، هو هذا الرجل الذي اذا كتب لا يكتب لغوا او حديثا معادا، وانما يكتب علما ينفع العلماء وفنا يعجب الفنانين، وهو وان لم يستطع ان يستسيغ بعض ما كتب من الادب الحديث شعرا او قصة فمرد ذلك الى تكوينه وتكوين ذائقة جيله، فإنه لا يعادي الحديث ولا يحاربه، وان بدا في موقفه شيء من التناقض والاضطراب ولكن النظرة العلمية الموضوعية تبرز موقعه بين صفوف الرواد من التنويريين إذ يبدو تأثره واضحا بأدب النهضة الاحيائي والرومانسي والواقعي، وهو في خطابه النقدي العام يبرز موقفا مؤيدا للتجديد خصوصا في ندوة مستقبل الشعر العربي السعودي الحديث , التي عقدت عام 1402ه في الجوف إذ يقول: لقد مللنا الشعر بهذه الصورة، نريد الجديد الذي يباغت الاشياء ويجعلها تضيء بدلالة مفاجئة ويقول انا لا يهمني الوزن والقافية ولا أختلف معكم في ذلك بقدر ما يهمني هذا الغموض الذي يتدفق به الشعر الحديث، ولكنه في موضع آخر وبعد مرور خمسة اعوام يتناول قصيدة حديثة للشاعر محمد العلي عام 1407ه في جريدة عكاظ، ويعالجها مجزأة في نبرة ساخرة، ويعمد الى موقف مختلف عن ذلك الذي اعلنه في الندوة السالفة الذكر، ويبدو الاضطراب في موقفه من الحداثة في قوله انا لست من أنصار الحداثة وان كنت معحبا بقصائد الحربي، ولا يقتصر اعجابه على الشاعر الذي ذكره بل كثيرا ما ابدى اعجابه بقصائد حديثة عديدة، بل انه ليعلن موقفا متقدما من الغموض في تلك القصيدة إذ يرى انه تطوير للعلاقة مع العمل الادبي.
عزيز ضياء والمنهج:
لا يمكننا ان نطالب النقاد الرواد بالتزام نهج محدد في اطار من مذهب نقدي او ادبي معين، فهم ابناء زمانهم وجيلهم انطباعيون، فالذوق المدرب الذي يتكئ على الثقافة والحس اللغوي أدانهم بل انهم ينفرون احيانا من تلك المنهجية الصارمة كما يرى عزيز ضياء فقد وصف عبدالعزيز الربيع بأنه اكاديمي لاعتماده على المراجع وحرصه على التوثيق ويقول: صحيح ان هناك اصولا ينبغي ان تتبع، ولكن الإغراق او الاسراف في الاكاديمية يعزل ذوق الناقد عن اثراء المنقود، فهو يرى على سبيل المثال ان العواد يمكن ان يكون في مقدمة الشعراء لو استطاع ان يخلص شعره من عنصر الفكر - المتعقل والمنطق، فالشعر ينبع عنده من الوجدان، ويرى ان طاهر زمخشري - في كثير من شعره - لا يزال يدور في حلقة مفرغة، ويعلو على قول الشاعر حسن القرشي عيناك يالون الرحيق صفا وشعشع في الدنان
يهبط الشاعر عن مستوى الصورة الجميلة التي رسمها للون العينين وهو لون الرحيق صفا وشعشع، ولكن في الونان، قد يعذر القرشي اذا كان لا يعلم ان الدنان لا تكون شفافة تتيح رؤية لون الرحيق لأنها تصنع من انفجار أو الخزف فلا يرى مافيها، ولكنها القافية التي كم يؤسفني ان أجدها تفترس الشاعرية وترغمها.
على ان تتناول فتضحى بالجمال في سبيل الرنين الذي تصدح به القافية كالعادة في الشعر العمودي المتوارث عبر العصور .
اما نقده لفنون النثر فيتميز بالانطباعية ايضا وخصوصا في ملاحظاته عبر الكتابة الفنية عند حسن زيدان الذي يرى انه يصلح ان يكون خطيبا ولا يستطيع التعبير عما يريد كاتبا،ويصف كتابات عبدالله بن خميس بعبارات انطباعية عامة فهو أنيق كل الاناقة في عبارته، وكذلك فيما يتعلق في دب عبدالله جفري التي يصفها بالحركة والنبض وما الى ذلك من أوصاف عامة.
ولعل من المفيد ان نتوقف أولا عند نموذج محدد من الشعر ثم نعرج بعد ذلك على نقده القصصي:
أولا- نقده لقصيدة في زورقي للشاعر عبدالله بن ادريس التي دار بشأنها حوار بين الناقد والشاعر:
يبدأ الشاعر مقاربته بمقدمة طويلة لا علاقة لها بالدراسة إلا من حيث المناسبة التي قرأ فيها هذاالنص اتفق فيها ما يقرب من ثلاث صفحات، يعمد بعد ذلك الناقد إلى مناقشة الشاعر مركز على المعاني والصور، إذ رأى ان تشبيه أعاصير الشقاء بالأفعى في قوله:
فهنا أعاصير الشقاء
تفح من خلف الأصيل
إذ جعل الأصيل مكمنا لعناصر بالغة البشاعة والقبح حيث ألبس الأفعى بفحيحها الكريه البغيض كما يقول، ويأخذ على الشاعر تحديده الغرض من الوصول الى الشاطىء حيث يطلب النسيم العليل في حين يبدو مختنقا يلتمس أي ريح، والحقيقة ان هذه المناقشة المنطقية لا تتسق مع طبية الرؤية الشعرية، إذ من غير الممكن محاسبة الشاعر على هذا النحو، ولكنه النقد الانطباعي التأثري الذي يعتمد على الذوق في الدرجة الأولى.
ويمضي الناقد في تتبع دقائق الصورة وتفاصيلها، ويقسو عزيز ضياء أحيانا فيستخدم كلمات مثل طريقة شخصية كما انه يلتمس الخلل في تكوين الصورة وانسجامها وصدقها اذ يرى انه ليس في وجود طير في كف طفل أي وجه من وجوه الشبه بينه وبين لعب الخضم بالزورق, ويصف التقرير في حلم الشاعر بالعبور الى شاطىء الأمان بالعفوية والسذاجة ويتوقف عند بعض الاستعمالات اللفظية كما في قول الشاعر:
لا خير أني أرتئي
شق المصاعب بالكفاح
ويتساءل: قد نشق القماش أو الجلد أو حتى الصخر والأرض فلا نصل الى الخلاص من مادة المشقوق كيفا كان وأيا كان، ولا تخلو نبرته من سخرية حين يتحدث عن عصر التكنولوجيا ورحلات مراكب الفضاء وعودتها الى الأرض، ويأخذ عليه بعض التراكيب التي لا تفضي الى عميق معنى لأنها معروفة، فالبغاث التي استنسرت من الطبيعي الا تعرف سبل الرشاد.
ويصف بعض ألفاظه مثل المهيل بأنها قلقة، وتزداد نبرة السخرية حين يفترض ان الاعصار الذي يتحدث عنه الشاعر لم يكن في البحر بل في اليابسة بدليل انه يقتحم الحواجز والسدود التي لم نألف ان نجدها في البحار أو الأنهار , ويكشف عن عدم الاتساق بين الخوف من الاعصار والبحر واللعب والشرود.
يتبع
ويشير الشاعر ابن ادريس الى ان دراسة عزيز ضياء ظاهرة جديدة في مسيرة الحياة الأدبية في البلاد غير انه يعقب قائلا: إن الاستاذ ضياء لم يستطع استيعاب بعض الصور النفسية التي وردت في بعض المقاطع، ويرى ان العقل ليس هو الفيصل في الحديث عن التجربة الشعورية الذاتية، ويشير الى اننا لوجعلنا للعقل أو المنطق السيطرة الكاملة على موحيات الشعور لما أنتج الشعراء شعرا مؤثرا يسبح على أجنحة الخيال أكثر مما يرسف في القيود العقلانية، ويشير الى ان القصيدة في أكثر مقاطعها رمزية، وان عزيزا عجز عن العثور على بعض ما وراء الكلمات، كما يشيرالى وقوع الناقد في مصيدة غلطة مطبعية حيث لاغبا تصبح لاعبا .
ويوميء الشاعر الى انه ليس من مهمة الشاعر ان يكشف عن كل جزئية من معاناته، وان الشعر ليس كالنثر يقبل الشرح والتفصيل.
ومهما يكن من أمر فإن نقد عزيز ضياء لهذه القصيدة يكشف عن قدرة على التحليل، وعن ذائقة فتية مدربة، ولكن شأنه شأن نقاد جيله كان يعتمد على الذوق في الدرجة الأولى كما كان يهتم بالجزئيات اهتماما فائقا، وان عبدالله بن ادريس وهو شاعر ناقد ربما اختلف عن زميله في توفره على اقتناص الظواهر الكلية وإن لم تكن في بعض الأحيان ذات خطر، وان ملاحظاته الجزئية كانت أقل.
عزيز ضياء والنقد القصصي:
إن التجارب الثرية التي خاضها عزيز ضياء كما تبدت في سيرة حياته وفي رحلاته جعلت لديه ميلا طبيعيا الى الفنون السردية، ابداعا ونقدا وتعتبر ترجمته الذاتية لونا من ألوان الابداع القصصي، وطاقة القص التي تنم عنها هذه الترجمة، وما كتابه عن حمزة شحاتة في كتابه قمة عرفت ولم تكتشف لا يخطئها الحس، فلغته مرنة طيعة تتميز بحركية منظورة، كما ان تصويره للبيئة الثقافية في مكة، وما امتازت به من خصوصية ينبىء عن مذخور ثقافي يهيئه لأن يكون قاصا ذا رؤية عميقة، هذا على المستوى الابداعي، أما على المستوى النقدي فإن ما حفلت به مقدمته لرواية أمل شطا غدا أنسى من آراء تجعله ذا رؤية نقدية، قد نختلف معها، ولكنها تدرج صاحبها في سلك النقاد المهتمين بالسرد، فهو يعمد الى التحليل، كما يبرز الماما واضحا بتطور فن القصة.
ويعرف الرواية بأنها العمل الفني الذي يتجاوز الأقصوصة أو القصة القصيرة، ليس بعدد صفحاتها فحسب، ولكن فيما يتعلق بما يسميه الشخصية المحورية والموضوع والشخصيات التي تواكب الأحداث فتظهر في وقتها لتلعب أدواراً في خدمة الأحداث التي يفرزها الموضوع ويبدو هذا التعريف ناقصا وعاما، إذ لا نعثر على الخصائص المحددة التي تميز الرواية عن ألوان القصة الأخرى، خصوصا فيما يتعلق بالعناصر التي اشار اليها تحديدا، وهي الشخصية المحورية والموضوع والشخصيات الثانوية التي تواكب الاحداث.
ويشير عزيز ضياء بعد ذلك الى ان الرواية تتطلب مرانا وخبرة الى جانب الموهبة مع حصيلة وافرة من تجارب الحياة وممارسة تقلباتها، وليس من شك في أن هذه الملاحظة شديدة الأهمية فيما يتعلق بالابداع القصصي، ويلتفت الى مسألة مهمة تتمثل في جانب الاعداد الثقافي، إذ يؤكد ضرورة الاحاطة بالمركز من مباحث علم النفس، وعلم الاجتماع، والاكثر من دراسة الاعمال القصصية لعمالقة اعمالها ولعل ذلك في مجمله - يدل على فهم عميق لطبيعة الرواية ولكن الالمام بعلمي النفس والاجتماع ليس امرا (ملحا) لإتقان الفن الروائي لأن الحس الاجتماعي والنفسي اليقظ بالاضافة الى الموهبة وما ذكره من مؤهلات أخرى تتعلق بالتمرس بقراءة الاعمال المعروفة لكبار الكتاب في هذا المجال.
** يشير الكاتب في معرض مقارنته بين رواية امل شطا (غدا انسى) وأعمال كتاب محليين آخرين مثل (حامد دمنهوري ومحمد عمر توفيق) و(محمد علي مغربي) من حيث المعالجة الفنية، والتناول الدرامي والبراعة في تصوير الجانب النفسي في الشخصيات المحورية انها تبدو ارسخ قدما وقدرا وابرع احتواء وأوفر عرضا من كثير من القصص التي قرأها (لكتابنا القدامى والمحدثين على السواء) كما يقول ليس هذا فحسب بل انه ليقرر دون جرح ان هذه الرواية اول عمل في هذا المجال يتوفر فيه الكثير من عناصر العمل الروائي الاصيل ومن الصدق الفني الذي يستغني عن الافتعال والتزيد وعن البهرج والزخرف في المعنى واللفظ على الرغم من انه يشير الى ان المقارنة تتعذر عليه لانه لايجد هذه الاعمال التي يتحدث عنها في متناول يده عند شروعه في كتابة المقدمة ولعل ذلك مدعاة للوقوع في التناقض.
واحكام عزيز ضياء تنطوي على قدر من التعميم إذ إن اصدار مثل هذه الاحكام يحتاج الى منطلقات محددة تتناول تبيان المقصود بالتناول الدرامي والمعالجة الفنية كما انه يفترض ان تقوم المقارنة على اسس واضحة فالاستاذ حامد دمنهوري مثلا تختلف طريقته في بناء عملية الروائيين ومرت الايام و(ثمن التضحية) عن منهج امل شطا في هذه الرواية ليس اختلاف مفاضلة وانما اختلاف مغايرة وكذلك الحال بالنسبة لمحمد عمر توفيق ومحمد علي المغربي فرواية (البعث) تنتمي الى رحلة الارهاصات المبشرة (البدايات) بينما تنتمي اعمال الدمنهوري الى مرحلة التأصيل ومهما يكن من امر فان رأي المرحوم عزيز ضياء انطباعي ذوقي ناجم عن خبرة ولكنه لا يتكىء على قاعدة علمية موضوعية.
ويتحدث عن الاعمال القصصية التي سادت الساحة الادبية فيما بعد ويصفها بالهلامية حيث تتبعثر الفكرة ويتبخر منها الموضوع ويتطاير في كل جملة ألفاظ كثر التهافت عليها مثل الصدأ والتسلخ والنجوم في المجاري والمطرقة في نخاع الشمس ثم المسامير والصديد والجبال على الاثداء وما اليه) وما دام الحديث عاما دون امثلة فإن التعليق عليه يصبح غير ذي موضوع.
** ويدلي الكاتب بشهادته ذات الطابع التاريخي فيما يتعلق بأعمال عبدالقدوس الانصاري الريادية (التوأمان) و(مرهم التناسي في صيدلية الآمال) فيقول:
ولا يساورني شك في ان الاستاذ الكبير يزحمه الضحك الان كما يزحمني حين تعاوده ذكرى ما في القصتين من تفاهة وخواء وما في عنوان الثانية من فجاجة فكر وبدائية تعبير واداء وهو لا يقتصر على هذه التجربة التي يصفها بالمغامرة بل يتناول تجربته الخاصة في هذا الميدان إذ وقع في حبائل هذا الفن المراوغ فكتب قصة بعنوان (الابن العاق) ثم نشر بعد ذلك حلقة من قصة لم يكملها لانها وقعت تحت طائلة المخالفة فاستلزمت تحقيقا لدى فضيلة رئيس القضاة الشيخ عبدالله بن حسن آل الشيخ (رحمه الله) مع صدور امره بوقف نشر بقية القصة لانه رأى فيها تحريضا على الاضراب عن الزواج ويرى ان عامل الاستدراج والاغراء في القصة يأتي من انها في أبسط صورها (حكاية) تروى بكثير او قليل من المقاصد.
وتراثنا الشعبي حافل بالحكايات ويستدل بقدرة فن القصة على الاغراء بالعدد الضخم الذي تقدم لمسابقة القصة في جمعية الثقافة والفنون 1399ه وهو يرى ان القصة (القمة الشاهقة والمرتقى الشامس) بين جميع الفنون على الاطلاق.
** ويرى ان ظاهرة الاقبال على القصة في العالم العربي ظاهرة جديرة بالتعامل والدراسة ويتحدث عن قصة (سارة) للعقاد التي لا تصمد للمقارنة امام العديد من الاعمال الناجحة في العالم العربي والآداب العالمية وهذا قول حق باجماع الكثير من الدارسين.
كما سيتحدث عن تاريخ الفن القصصي في العالم ابتداء من اعمال السحرة في الأدب المصري القديم مرورا بالمهابهارنا الهندية وأساطير الصين وحكاية الف ليلة وليلة في الادب العربي ويتحدث عن الالياذة والأوديسا واينسيد وقصص التوارة والانجيل ثم بذاك وفلوبير وستندال وديستو فسكني وتولستوي سلق رجنيف وبالرواية التاريخية عند والترسكوت وأحدب نو تردام لفيكتور هوجو واسكندر دوماس وتشارلز ديكنز وغيرهم مما يدله على معرفة واسعة بأساطين الفن الروائي القدامى والمحدثين وهو يتابع حديثه فيتذكر اسماء العديد من روايات وروائيي القرن العشرين ويبروز هذا الاستطراد بانه وقفة لابد منها نرى فيها ينظرة طائر واقع العمل القصصي في العالم العربي.
على اننا وفي نهاية المطاف لابد ان نقر بحقيقة تبدو غاية في الاهمية وهي ان النقد القصصي لدى عزيز ضياء لم يكن يحظى بالاهتمام الذي يجعل منه ناقدا لفنون السرد بل شأنه في ذلك شأن ادباء النهضة التنويريين الذين كانوا يأخذون من كل حقل بطرف ويضربون في كل مجال بنهم على ان (الشعر) ونقده وتذوقه يظل المجال الأثير لدى اغلب هؤلاء الادباء وعزيز ضياء ليس بدعا بين هؤلاء ولأننا حينما تناولنا جهوده النقدية انما اردنا ان نشير الى الجانب الريادي لديه في هذا المجال.

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved