** تتجه الدولة بكل عزم وحزم الى سعودة الوظائف الحكومية والاهلية في البلاد، وذلك انطلاقاً من مسؤوليتها نحو مواطنيها بكافة فئاتهم، وحرصاً منها على أبنائها الراغبين في شغل وظائف، والذين تزداد اعدادهم عاماً بعد آخر بكافة التخصصات التي تتطلبها الأعمال سواء في القطاع العام او القطاع الخاص، وهذا التوجه الوطني المهم يسير - كما هو ملاحظ - وفق خطوات مبرمجة ومدروسة، ونجاحها يتوقف على عدة اعتبارات من اهمها المسؤولية الملقاة على عاتق المواطن نفسه، الذي ينبغي أن يتفاعل مع هذا التوجه، ويعمل بكل ما أوتي من قوة وسبل لانجاح اهدافه، وبلوغ مراميه وغاياته، فالمواطن هو اس هذه العملية التي بدأت وخطت خطوات مهمة الى الأمام، وهو صاحب المنشأة، وهو القيم على الفرص الوظيفية في القطاعين العام والخاص، وهو المؤتمن على مستقبل أبناء بلده ان كان في صف المسؤولين او في صف الطالبين للعمل، ومن هنا فإن التعاون بين المسؤولين وكافة المواطنين أمر مطلوب، بل هو امر ملح لنبلغ ما نطمح اليه من تحقيق الأمن الوظيفي والاستقرار لكافة الشباب والشابات في بلادنا، وتوفير المعلومات وكشفها امام المعنيين اجراء في غاية الأهمية، يماثله اسداء النصح وابداء وجهات النظر والمشاركة بالرأي الصائب، وهذه من مهام الكتاب والمفكرين وذوي الطروحات المدروسة التي تبني في جدار الوطن واهله على الدوام.
** ومن القطاعات التي اشعر انه قد حان الوقت لتوصيف وتصنيف وظائفها، وسعودة ما لم يسعود منها، ما يتبع وزارة الشؤون الاسلامية والأوقاف والدعوة والارشاد فيما يخص الوظائف المساجدية على وجه الخصوص من وظائف الأئمة والمؤذنين والخدم، وهي تشكل نسبة كبيرة لا يستهان بها في شريحة التوظيف، وما يصرف عليها من بند الرواتب والأجور، ويتضح هذا اذا عرفنا ان في المملكة قرابة الأربعين الف جامع ومسجد، وان هذا العدد الكبير من بيوت الله التي يذكر فيها اسمه يشغل من الوظائف قرابة المائة وعشرين الفاً من الأئمة والمؤذنين والخدم - في المتوسط - فهل هؤلاء كلهم من السعوديين؟ ومن المتفرغين لهذه الوظائف التي يشغلونها؟ وعلى اي اعتبار او اساس يجري شغل هذه الوظائف؟.
** إن خدمة الجوامع والمساجد هي من اجل وأعظم الأعمال، لأنها تتم في بيوت الله، ولأنها ترتبط بركن من أركان الاسلام هو الصلاة التي هي عماد الدين، والكلام على التوظيف والأجور في مثل هذا الميدان، أمر مفروض بواقع الحال مما يتطلبه امر الانضباط وفتح المساجد في الأوقات المحددة للصلاة وصيانتها ورعايتها وتهيئتها للمصلين، والقيام بواجب الامامة والأذان كما ينبغي دون اخلال او تهاون، وهذا لا يتم على تمامه وكماله في الغالب، الا مع التكليف المتمثل في التوظيف وتحمل المسؤولية كاملة من قبل الشاغلين لهذه الوظائف، والا فقد مر بنا من امر الامامة والاقامة والخدمة تطوعاً فيما سبق ما يخرج على قاعدة الالتزام، فنرى البعض وقد تهاون او فرط في رفع الأذان في وقته، والحضور وإمامة المصلين في وقت الفريضة، وهذه من طبيعة البشر.
** انه مع وجود سلم وظيفي قديم ، فإن عدداً كبيراً من شاغلي الوظائف المساجدية اليوم هم موظفون في قطاعات اخرى، فهم يشغلون وظائف اساسية، ويعتبرون الامامة او الأذان اعمالاً ثانوية، لكنهم يأخذون عليها اجراً قل او كثر على اعتبار ان ما يعطى لهم هو على شكل مكافآت ليس الا، ولهذا نجد البعض منهم ينيب غيره ليقوم مكانه اماماً او مؤذناً او خادماً، وغالباً يقوم بهذا الدور غير سعوديين من الراغبين المقيمين في هذه البلاد سواء بطرق نظامية او غير نظامية، وفي هذا الوضع كما هو واضح اشكالية كبيرة تتعلق بعدة أوجه:
اولها: اضطراب في الالتزام المطلوب من الامام والمؤذن ومن في حكمهما، فالمسؤولية الملقاة على عاتق المسؤول الأول غير تلك التي يعطيها هو بالانابة لآخر .
ثانيها: بعض الخلل الذي نجده احياناً في الخطاب المنبري عندما يتولى هذه المهمة مقيم قائم بهذه الوظيفة أصلاً، او نائباً عن الغير، فلكل لهجته وهمومه ودوافعه وانتماءاته لبلده او جماعته التي اتى منها.
وثالثها: وهذا من المهم التنبه له: ان شغل هذه الوظائف بموظفين اصلاً فيه حجب لفرص وظيفية يفترض ان تعطى لمستحقيها من طالبي الوظائف الذين ينتظرون فرصهم، فهناك اعداد كبيرة من المؤهلين ومن خريجي كليات الشريعة، ومن غيرهم من المحتاجين لأمن وظيفي في الانتظار، فلماذا نوقف هذه الوظائف على موظفين في الاصل لا يسيغ النظام منحهم وظيفة اضافية؟.
** ان الوزارة المعنية بالتوظيف والاشراف في هذا القطاع المهم في الدولة معنية اليوم اكثر من اي وقت مضى بدراسة سلم وظائف الأئمة والمؤذنين والخدم، وعمل توصيف وتصنيف وظيفي دقيق يحقق جملة اهداف كلها تصب في قناة السعودة، وتحقيق الأمن الوظيفي لكافة المواطنين في اطار التوجه العام للدولة في هذا الشأن، ومن ذلك:
1 - توفير دخل مناسب يكفي الشاغلين لهذه الوظائف، ويصرف النظر عن البحث عن مصدر آخر غيره.
2 - تفريغ الأئمة والمؤذنين والخدم لهذه الوظائف، فلا يقبل فيها من يشغل وظيفة اخرى في قطاع عام او قطاع خاص.
3 - حصر هذه الوظائف في السعوديين فقط دون غيرهم، والزام المساجد خارج دائرة الوزارة بذلك.
4 - توفير فرص جديدة ومهمة لمستحقيها من المؤهلين والخريجين من ابناء البلد الذين هم في حاجة ماسة لمثلها.
** ان ما يمكن ان يعطى كرواتب ومخصصات وظيفية لشاغلي الوظائف المساجدية لايمكن مقارنته بما عند الله سبحانه وتعالى من ثواب عظيم واجر جزيل لمن يقوم على خدمة الأمكنة الطاهرة المخصصة للعبادة، ولكن من الضروري تثبيت هذا الوضع على اسس تتماشى مع الأهداف الوطنية التي تأتي السعودة في مقدمتها، ووزارة الشؤون الاسلامية قادرة على تصحيح هذا الوضع وتثبيته ان شاء الله.
|