Thursday 6th May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الخميس 20 محرم


حروف شفقية
تاريخنا من الواقع للمستقبل

يمتلك المسلمون عموماً، والعرب خصوصاً مخزوناً تراثياً عريقاً يمتد لمئات السنين, فقد خلف لنا الأجداد العديد من الشواهد والمآثر التي تدل على ثراء تاريخنا ونبله، وعظمة حضارتنا وانسانيتها.
تزخر المتاحف وخزائن الكتب في عشرات المكتبات في عدد كبير من الدول بشواهد وآثار ومخطوطات ومخترعات تشيد بتاريخنا العربي وبعبقرية اجدادنا والشأو الذي بلغوه في سلم الحضارة والارتقاء والنبوغ في شتى العلوم والآداب والفنون.
ونحن اذ نتكلم عن الأجداد والتاريخ يعترينا ويتملكنا العجب ويملؤنا الفخر والاعتزاز بما قدموه للانسانية وبما تركوه شاهداً للامم الأخرى لتشهد وتشيد بذلك المخزون التراثي.
وبالقدر الذي نفاخر به انفسنا بذلك التراث العريق والتاريخ المجيد، ونباهي به الآخرين بقدر ما تتحول البسمة الى غصة والتفاخر الى حسرة والتباهي الى انكفاء من جراء ما آلت اليه احوالنا وكيف غدونا نتوه في سيرنا فتضل خطانا وتتعثر وينكرنا تاريخنا فنتحسر وكأنني بنا متمثلة:
لو قام ينشد قومه عمر بنا
لأدار عنا وجهه الخطّاب
لِمَ لَم نعد نملك من أمرنا سوى التأسي على ذلك الماضي التليد! لماذا نردد دونما استيعاب، او هكذا يخيل لنا، ذلك السجل الحافل ونعدد الانجازات الغابرة وكأننا نسرد تاريخ أمة لا ننتمي اليها, نجرع انفسنا مرارة الأسى ونحكم على انفسنا مداخل النور ونسد النوافد ونتذمر من اوضاعنا ونلقي بالتبعة واللوم على القضاء والقدر ونلعن حظنا العاثر وننحي باللائمة على المجهول , نغلق عيوننا عن انوار حضارتنا التي بهرت العالم وانارت ظلماته حينما كانت اوروبا تعيش في ظلام قرونها الوسطى الدامس.
هل يكفي ان نفتخر بتاريخنا ونفاخر به الآخرين! وهل يغنينا ويسمن من جوعنا ادعاؤنا المحق بأن اجدادنا كانوا هداة البشرية من الضلال وحاملي مشاعل حضارة بني الانسان بينما عامدين او متعمدين جاهلين او متجاهلين قول الحق ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة .
ان التمسك بالتاريخ امر ضروري، بل واجب انساني طالما بقي نبيلاً ولم يجنح للتعالي والتمييز فهو لنا كما هو لغيرنا جزء من كياننا ويمثل حصيلة التجارب ومجموع العلوم والفنون التي تراكمت على مدى حقب التاريخ وتناقلتها الأجيال المتعاقبة وحفظتها مضحية من اجل بقائها وتوريثها لنا, وهكذا يكون تاريخنا من اهم عناصر تشكيل شخصيتنا كأمة ومعين عقيدتنا وصائغ عواطفنا ومشاعرنا التي تشكل في حد ذاتها شخصيتنا التي تميزنا من الآخرين, وليس بالضرورة تفضيلنا عليهم، فأي شعب مهما كان تاريخه ومخزون تراثه لا يستطيع بل لا يجب ان ينفصل عنه ولا تنفصم عراه منه, فمن حاول اقتلاع جذره من ارضه كمن اعان جرذاً على قرضه, ويساورني شك بأننا في بعض الأحيان للأسف نفعل هذا الأمر عينه.
اذا اردنا حقا ان نستوعب تاريخنا وان نستفيد من تراثه وخبرات اجدادنا، علينا ان ننظر الى التاريخ ليس فقط على انه تراكمات علوم ومعارف وخبرات، على اهمية هذا وضرورته، بل علينا ان نجعله حافزاً لنا ومقيل عثراتنا في متابعة السير والنهوض والارتقاء وذلك بمعرفة مكامن الخطأ والخطل وتشخيصها ووصف الدواء الناجع لها, ليس المطلوب اكتشاف انفسنا بل معرفة شخصيتنا وما تتميز به وليس بما تمتاز به وحري بنا ان نستلهم ما يوافق عقيدتنا ونوظفه لبعث طاقاتنا ورفد جهودنا لاذكاء الجذوة فينا بما يمكننا من اثبات الذات والوجود والتفاعل والتناغم مع المجموعة البشرية في مضمار بناء الحاضر الذي يكون اساساً لمستقبل تشارك الانسانية جمعاء في وضع اسسه ورفع بنائه.
لذا يجب علينا ونحن نستذكر التاريخ ونستحضر الماضي ان نستلهم اشراقاته، ونبعث الحياة فيه بعقد العزم على مواصلة المسيرة, علينا ألا نقيد حركاتنا ونعيق سيرنا بالبكاء والترحم ثم بالشعور بالاحباط وفقدان الأمل, فهذا لن يخدم حاضرنا ولا يجدي فتيلاً ولن يغير الواقع اطلاقاً.
مواصلة المسيرة وجعل الحاضر صلة الوصل بالماضي لوضع اسس المستقبل يتطلب الوعي الشامل والادراك الكلي لمعطيات الحاضر والتغيير الجذري الذي يشهده العالم دونما التقليل من اهمية الماضي, فبالقدر الذي نوائم فيه بين ضرورة الماضي كحافز واهمية الواقع كضرورة بقدر ما نتمكن من مواكبة تقدم العصر ومواجهة تحدياته الحضارية ونحن على مشارف القرن الجديد.
عظمة الامم لا تنحصر في تاريخها فقط بل في اهليتها ومقدرتها على استشفاف الآتي والاستعداد له, ان حاضرنا هو التركة التي سوف نورثها للأبناء والاحفاد ليغدو تاريخهم الذي سوف يقيدون به، فهل سنجعله عبئاً عليهم ولعنة، ام اننا سنحذو حذو اجدادنا ونقتفي اثارهم في تاريخهم! أرجو ذلك فهل نحن فاعلون.
بديعة داود كشغري

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved