Thursday 6th May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الخميس 20 محرم


انطفاءة,.

في خضم ما نعايشه من مواقف يومية محزنة، وفي خضم ما نمر به من تجارب حياتية مؤلمة، لا بد ان نتعرض لسلسلة انطفاءات سلبية تصدمنا على حين غرة فتشدنا للوراء او تجعلنا قابعين في اماكننا مذهولين لما حصل لنا وغير مصدقين لما يحدث لنا, سلسلة من الانطفاءات المفاجئة تجعلنا عاجزين عن التفكير لفترة في اي شيء او فهم حقيقة ما يحدث حولنا! لأن الصورة حينها تكون ضبابية غير واضحة المعالم.
وهذه الانطفاءات نقابلها في جميع اوجه حياتنا، بعضها يمرعلينا بشكل بسيط ومؤقت فيمر بسلام دون اثر سلبي موجع والآخر يلازمنا لفترة طويلة ويتعبنا نفسياً ويستنزف قوانا العقلية لكثرة التفكير به وتكون آثاره السلبية كبيرة علينا في جوانب مختلفة من حياتنا.
ومثل تلك الانطفاءات حينما تكون قوية، فانها تُجبرك في احيان كثيرة على مراجعة حساباتك بجدية واجبارك على التفكير في جدوى ما قمت وتقوم به منذ ان كنت شاباً الى ان اصبحت في العمر الذي انت فيه الآن، ولأنها مواقف محبطة ومخيبة للآمال ومتعبة الى حد كبير وتترك في نفوسنا شرخاً يصعب ترميمه بسهولة، فلا بد لنا من معرفة مثل تلك الانطفاءات، ومدى تكرارها في حياتنا وتأثيراتها السلبية علينا.
وما سوف نتحدث عنه هو امثلة حية واقعية لا تمثل سوى جزء بسيط جداً من تلك الانطفاءات التي ربما عشتها او تعايشها الآن بصورة او بأخرى.
تخيل نفسك توعد في كل مرة من قبل انسان تثق به بان يحقق لك ما تتمناه وتحلم به، وبما يشعرك انك انسان مرغوب ولك مكان لديه على الاقل ولست اقل من غيرك، تلك الأمنية قد تكون لقاء او توفير شيء معين متفق عليه او تحقيق رغبة ما في نفسك طالما حلمت بها وغيرها, وفي كل مرة تُعد نفسك وتتهيأ نفسياً لاستقباله او سماع كلمات حلوة منه واخبار سارة عنه وتتطلع لتحقيق هذا الحلم، تشعر بداخلك بانطفاءة غريبة تُميت فيك كل شيء جميل كنت تعيشه في تلك اللحظات الرائعة, نعم انطفاءة تتمثل في خيبة املك لانه لم يتحقق لك اللقاء ولم تتحقق لك رغبتك الموعودة او حتى جزء منها! اما لانشغاله عنك وتطنيشه لك او لاعتذاره - هذا ان لم ينس وعده لك - او لظروف قاهرة تجبره على ذلك.
والمشكلة انك رغم تكرار مثل هذه المواقف مع مثل هذا الانسان فإنك تعذره! نعم تتلمس له الاعتذار وتوجد له المبررات لانه ليس اي انسان! وحتى لو عاتبته فسرعان ما ترضى عنه لمجرد ان تسمع صوته واعتذاره! فأي انسان هذا واي مكانة تلك التي يحظى بها لديك؟!.
وحتى لو تم هذا اللقاء مثلاً، فأنت في ذروة نشوتك به وفرحتك بالجلوس والحديث معه ربما سمعت منه كلاماً قاسياً او تصرفاً لا مسؤولاً أو خبراً محزنا يذيب تلك المشاعر المتأججة بداخلك ويهوي بتلك الفرحة من مكان عال الى واد سحيق ليس له قرار لدرجة تمنى معها لو لم يتم هذا اللقاء ولم تشعر بتلك الانطفاءة التي جعلتك في حالة من عدم التوازن والذهول!.
وتخيل ايضا خيبة الأمل التي تنتابك حينما تظل تحلم بأنك سوف تحقق حلمك بعد الدراسة وتلتحق بالمجال والتخصص الذي تريده وترتاح اليه وتستطيع ان تبدع فيه، وتراك تجتهد وتضاعف الجهد طيلة سنوات الدراسة كي يتحقق هذا الحلم وتلتحق بالوظيفة التي تنتظرك فاتحة لك ذراعيها لتأخذك بالاحضان لتفاجأ بعد التخرج بان عليك ان تقضي وقتا طويلاً بحثاً عن عمل مناسب يتناسب والمؤهلات التي اكتسبتها طيلة فترة دراستك بل وحتى بعيداً عن التخصص!.
تراجع ديوان الخدمة المدنية بعد التخرج وكلك امل وتفاؤل في الحصول على الوظيفة والبدء في العمل، تراجعه ومعك كل الاوراق الرسمية المطلوبة فيأخذها منك ويوعدك خيراً بانه سوف يتصل بك في اقرب فرصة ممكنة فتخرج وانت في غاية السعادة وتبدأ في رسم معالم المستقبل الذي قاب قوسين او ادنى,, ويمر الشهر تلو الشهر والسنة تلو السنة (ولا حِس ولا خبر!).
وهنا يبدأ يساورك القلق لانه كلما مرت عليك سنة دون ان تحصل على الوظيفة كانت الفرصة اكبر وافضل لغيرك ممن تخرجوا بعدك علماً بان جميع المواصفات المطلوبة متوفرة فيك وكل هذا بحجة انك خريج قديم! وكأنك انت السبب!.
وهنا تسأل أهو حظك العثر الذي اوقعك فيما انت فيه ام في طريقة المفاضلة,, ام,, أم,, وهكذا تنطفىء جذوة الأمل بداخلك حينما تشعر انك ما زلت قابعاً في مكانك اي منزلك عالة على غيرك - وما اصعبه من وضع - في الوقت الذي يمكن ان تكون فيه معتمداً على نفسك، وبامكانك ان ترد الجميل لوالديك ولكل من كان له فضل عليك في دراستك.
ونظراً لانك ترى البساط ينسحب من تحت قدميك والفرصة تضيع منك شيئاً فشيئاً تقول لنفسك ولما لا التحق في دورة ما او معهد ما كي استفيد واشغل وقت فراغي واعوض سنوات الانتظار المملة,, وفي نفس الوقت ربما ساعدت مثل تلك الدورات وسرّعت من حصولي على الوظيفة ورغم قناعتك بعدم جدوى الكثير من تلك الدورات التجارية المادية البحتة وعدم استفادتك منها الا انك ترضى على مضض على الاقل (اسمك مشغول!) ومع ذلك ربما شعرت في يوم من الايام ان لديك شهادات مختلفة لدورات عديدة على الاقل لترضي نفسك!
وتراها معلقة على جدران غرفتك كلما التفت اليها ولسان حالك يقول يا بختي بالشهادات! وقد تكون محقا في تفكيرك هذا وفي تنمية قدراتك ومهاراتك الشخصية والذاتية، ولكن ما بالك بمن لا يستطيع دفع رسوم مثل تلك الدورات الباهظة أو الحصول عليها بصفة مستمرة خاصة اذا ما عرفنا ان التمكن والسيطرة على مهارة ما يتطلب دورات دراسية متخصصة وبشكل تسلسلي, وهنا سجّل لديك انطفاءة اخرى لا تقل تأثيراً عن سابقتها.
والانطفاءات في حياتنا كثيرة ولا شك لعل ابسطها ان تُقدّم كل شيء لغيرك وتتوقع مجرد تقدير ليس الا ومع ذلك لا تشعر به او تسمع كلمة شكر أو الاعتراف بالجميل لكل ما اسديته وقمت به!.
ونحن حقيقة نساهم بطيبتنا الزائدة وتناسينا المستمر، نساهم في زيادة كمية تلك الانطفاءات عندما لا نوقف الآخرين عند حدهم، ولا نشعرهم مجرد اشعار انهم مخطئون في حقنا.
صحيح ان الحياة لا تستمر دون بعض التناسي والتجاهل ولكن هناك نسب معقولة من التناسي والتجاهل يستطيع ان يتحملها كل شخص منا وهذه النسبة لا يحددها سوى كمية القهر والظلم وخيبة الأمل التي نشعر بها ونلاحظها على تصرفاتنا، ليس مع انفسنا فحسب بل وحتى مع غيرنا! ومن تلك التصرفات التي تسببها الانطفاءات الزائدة هناك اللامبالاة منا والاهمال المتعمد وعدم الرغبة في العمل او اي شيء آخر بل الاكثر من ذلك ان يتساوى لدينا كل شيء ولا يعد لدينا امل ننتظره او مستقبل نتشوق اليه.
وهذا كله من شأنه ان يفقدنا الثقة في انفسنا وفي كل ما حولنا ومن المؤكد ان هناك انطفاءات اخرى في حياتك لم نتطرق لها ربما انت اعلم بها منا ولكن هذا لا يعني ايضا انك انت السبب فيها ابداً فهناك انطفاءات نواجهها رغما عنا ولا نستطيع لها ردا بل علينا ان نتعامل معها وكأنها جزء من حياتنا ولعل ما ينسينا مثل تلك الانطفاءات المؤلمة كلمة حلوة في حقنا وتقدير صادق لشخصنا او وجود من يشعرنا بأهميتنا ومكانتنا او حتى مجرد وعود مهما كان مبالغا فيها.
ومثل تلك الانطفاءات المزعجة ليست قاصرة على جنس معين او عمر معين ابداً فالجميع قد يمر بها ويحس بوخزاتها واحباطاتها وتأثيراتها السلبية عليه ولكن لكي نخفف من وطأتها علينا، فعلينا اولا ان نعرف ممن تحدث ومتى وتحت اي الظروف، والأهم من ذلك تذكير من هم سبب فيها بمدى تأثيرها السلبي علينا اما الامر الثاني فهو ان نتذكر انه اذا كنا لا نرغب حدوث مثل تلك الانطفاءات لنا من الآخرين، فمن باب اولى ان نتجنب احداثها للآخرين ايضاً, صحيح اننا فد نتسبب فيها رغما عنا ودون قصد ولكن بقليل من الملاحظة على سلوكيات الآخرين حين الحديث معهم وسؤالهم بشكل او بآخر سوف نُقلل من حدوث تلك الانطفاءات غير المقصودة باذن الله.
ولنتذكر قبل كل شيء ان الانسان كتلة مشاعر واحاسيس يؤثر فيه كل شيء مهما كان بسيطاً، وليس كل انسان لديه القدرة على ان يقول لك بأنك اخطأت في حقي وتسببت في جرح مشاعري وأسأت اليّ.
همسة
أن اتمنى لقاءك بفارغ الصبر,.
فأعد اللحظات والساعات
فأنتظرك طويلاً دون ان اراك
وان اكرر المحاولات
الواحدة تلو الأخرى
مرات كثيرة ومرات
دون جدوى,.
فتلك هي الانطفاءة!.
ان اشعر بأيام السفر تطول بيننا
تباعدنا عن بعضنا
تُنسينا اجمل لحظات عمرنا
تضعف من متانة حبنا
تشعرني بقرب نهايتنا
فتلك هي الانطفاءة!.
* * *
ان يجبرني موقفك القاسي معي
على ان اصمت بذهول
شارداً في غياهب المجهول,.
ان اكون عاجزا عن الكلام
في حين اريد قول كل شيء,.
فتلك هي الانطفاءة!.
***
ان يُلجمني استقبالك البارد لي,.
على وأد فرحتي بك,.
على كتمها داخل اعماقي
في حين اريد ان اظهرها
ان أعبر عنها دون قيود,.
فتلك هي الانطفاءة,.
***
ان أوقد شمعة الأمل بداخلي
كي انير طريق الحياة لي
كي اعيش لحظاتها الحلوة,.
فأجد من ينتزع فتيلها بقسوة,.
من يطفئها بنار حقده
من يحاول ان يبقيها مظلمة
فتلك هي الانطفاءة!.
***
ان أظل أحلم بغد مشرق
أن أوعد بمستقبل واعد
ان انتظر حياة افضل
فلا ارى سوى وعود,.
سوى سراب خادع,.
سوى حقيقة مزيفة,.
فتلك هي الانطفاءة!
وأيمة انطفاءة!.
* * *
د, فهد حمد المغلوث
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved