لا يخفى على الجميع ان مرحلة ما اصطلح على تسميته بالطفرة قد تقادمت لتعقبها مرحلة اقرب ما توصف بمرحلة ترشيد بعد تشييد.
ومن الملاحظ في جل الكتابات والكتب التي تطرقت ولا تزال تتطرق لحيثيات مرحلة الطفرة في بلدنا العزيز تركيزها الشديد على جانبها (المادي) فقط وبالتالي اغفال الجوانب والاتجاهات النفسية التي انبثقت من تلك الطفرة وتبلورت في هيئة سلوكيات لا تتناسب ومرحلة الترشيد ,,!,.
تلك القيم والسلوكيات - وان كانت نتاج علاقة جدلية لصيقة (بماديات) مرحلة الطفرة - لها من الآثار السلبية ما لها، خصوصا انها ظلت (حية ترزق!) على الرغم من افول نجم الجانب المادي من الطفرة, اقول قولي هذا لأن فترة الطفرة ليست - كما يظن البعض - حكراً على ما هو مادي فقط! فلقد انبثقت من لدنها توجهات ومواقف اقرب للتبذير منها للترشيد, ألم نرث (قيمة) الاتكال على الخادمات والسائقين من مرحلة الطفرة ,,؟!
بل أليست مرحلة الطفرة هي المسؤولة عن الاسراف في جلب العمالة مما ولد لدينا مشاكل لا نزال في طور مكافحتها من تخلف وتستر وجريمة,,؟!
أليس في استمرار ظاهرة الاتكالية على الدولة وظيفياً - مثلاً - اسباب نفسية انبثقت من زمن لا تتمشى معطياته مع معطيات واقعنا الجديد بل واصبحت سلوكيات راسخة على الرغم من عدم ملاءمتها لتوجهات المرحلة الترشيدية ,,؟!
ماذا عن احصاءات مقام هيئة تطوير الرياض العليا والتي تشير الى ان الدولة ما تزال توظف ما يقارب من 87% من السعوديين ,,؟!
في المقابل ماذا عن ظاهرة احجام القطاع الخاص (الخاص بالفعل!) عن توظيف السعوديين ,,؟!,.
(13% فقط من موظفي القطاع الخاص وحسب الدراسة الآنفة الذكر من السعوديين!) اقول أليس لموقف القطاع الخاص هذا جذور نفسية موروثة من لدن مراحل عفا عليها الزمن، هذا على الرغم من الحقيقة (المرة!) التي لا مراء فيها والمتمثلة بما يتمتع به هذا القطاع من دعم هائل وتسهيلات حكومية منقطعة النظير ,,؟!
فضلاً عن حقيقة (مرة!) اخرى مفادها ان هذا القطاع (يقتات!) على افراد هذا المجتمع لسبب بسيط الا وهو (استهلاك) هؤلاء الافراد لما ينتجه هذا القطاع (المحجم!) عن توظيفهم! ماذا عن عدم اقدام شبابنا على الانخراط في الاعمال المهنية وتركها (فريسة!) وعرضة للاحتكار من قبل العمال الأجانب؟! بل ماذا عن عقلية (الوظيفة المكتبية) ذات المقعد الوثير والتي لا تزال تعشعش في اذهان الكثير من شبابنا من خريجي الجامعات ,,؟!
وماذا عن عقلية (المرأة مدرسة فقط ,,؟!) والتي توحي بأن المهن الاخرى ذات الأهمية القصوى من تمريض واعمال بنكية وتجارية قد اكتفت ذاتيا من السعوديات ,,؟!
ماذا عن الأدهى والأمر المتمثل في غياب (فن) ايجاد موارد مالية بديلة في جامعاتنا لكي تصبح رافدا من روافد الدعم المالي لها مما سوف يخفف من اعباء الدعم الذي تتلقاه هذه الجامعات من لدن حكومتنا الرشيدة ,,؟!
الا يعلم القائمون على جامعاتنا انه وبقليل من الابداع تستطيع تلك الجامعات - لما فيها من كوادر مؤهلة - الحد من الاعتماد الكامل على ميزانية الدولة في حال اولت البحوث العلمية وآليات دعم البحث العلمي بعضاً من انماط التفكير والتنظيم المبتكرة ,,؟!
ماذا عن موقف المواطن صاحب (الدخل المرتفع) تجاه الضرائب والتي هي وان اخذت منه مباشرة فسوف تعود اليه بطريقة غير مباشرة بشكل خدمات اقتصادية وتعليمية ورعاية طبية ,,؟! مما سوف يكفل بالتالي مستقبل اولاده واحفاده ويدعم استقرار مجتمعه؟!,, بالمناسبة أليست مسألة الضرائب عرفاً اقتصاديا/ اجتماعيا لدى جميع دول العالم على تباين انظمتها الاقتصادية والسياسية,,؟!,.
اخيراً ماذا عن رسوخ وسيادة قيم - يدل على رسوخها وسيادتها - رواج امثال من قبيل: حلال ما هوب حلالك، جره على مر الشجر! وحلال الدولة! ,, وانفق ما في الجيب يأتيك ما في الغيب! وسافر ففي الأسفار,,, ,, وغيرها الكثير الكثير ,,؟!
ألم تتأصل تلك المفاهيم خلال مرحلة الطفرة ومع ذلك ظلت قائمة على الرغم من انتهاء الطفرة ,,؟!
بل الا تشمون بما ورد في ثنايا تلك المقالة من مفاهيم مرتبطة بمرحلة الطفرة مثل الاتكالية والاعتماد والاحجام والتردد وقلة الابداع,.
اقول الا تشمون فيها رائحة (تعج!) بعوامل نفسية نفخت فيها الروح في رحم بدايات مرحلة الطفرة وترعرعت في حضنها الزمني لتشب عن الطوق (وتستدمج) كلياً قبيل مرحلة الترشيد وتصبح فيما بعد واقعاً سلوكياً/ مجتمعيا له من القهرية والجبرية ما له على الرغم من ثمنه الاقتصادي/ الاجتماعي الباهظ الثمن ,,؟!
أليس في الاقتصار على معالجة ظواهر مرحلة الطفرة (مادياً فقط ,,!) اجحاف بحق مرحلة الترشيد ,,؟!
الم يحن الأوان - اذن - لاستقراء مرحلة الطفرة بشمولية ومن ثم غربلة بل واجتثاث كل ما هو مناف لمعطيات مرحلة الترشيد وما سوف يعقبها من مراحل ,,؟!.
الدكتور فارس الغزي