لكل فن من الفنون طرقه وأدواته، وللفنانين أساليبهم ومناهجهم لا تتغير ولا تتبدل، وهذا ما يعرف في علم البلاغة العربية بالأصالة.
فالشاعر والكاتب المسرحي والقاص، والروائي يستخدمون اللغة للتعبير عن أحاسيسهم ومشاعرهم, رغم التباين بين الأشكال الأدبية السابقة لا نستطيع ان نقول بأن الشعر أرقى من المسرحية أو أن الرواية تتفوق على القصة، لأن لكل فن جمهوره ومحبيه.
ما ينطبق على هذه الفنون ينطبق كذلك على غيرها, فكثيرا ما نرى خلطا وتداخلا بين الفن التشكيلي والفن الفوتوغرافي مع ان الفارق بينهما كبير والبون شاسع, فالجمهور ومعهم بعض النقاد ان لم يكن أغلبهم يرون ان الفوتوغرافيا تابعة للتشكيل، وان التشكيلي يؤدي مالا يؤديه الفوتوغرافي, ويصدرون حكمهم على الفنان الفوتوغرافي بأنه انسان غير مبدع- وهم اصلا لايعون معنى الابداع- فكأني بهم يظنون أن الابداع هو الاتيان بشيء خارق للعادة, ونجدهم يعزون جمال الصورة لتلك الآلة الصماء ناسين ومتناسين بل غير مدركين لابعاد العملية الفوتوغرافية، وكأنها في نظرهم ليست سوى الضغط على الزناد, وبذلك يكون العمل انتهى ودور الفنان توقف.
مما لاشك فيه بأن لحظة الضغط على الزناد لها أهميتها وقيمتها، لكن العملية الفوتوغرافية لا تنتهي عند هذا الحد، ولا تبدأ منه، فقبل ذلك كله هناك اختيار نوع الفيلم وحساسيته وفتحة العدسة وسرعة الغالق فهذه المتغيرات تؤثر تأثيرا مباشرا على اللوحة -الصورة- الفوتوغرافية فما يصلح له الأبيض والأسود لا يحل مكانه الملون، وما يصور في الليل يحتاج لتكنيك يختلف عنه في ضوء النهار.
وبعد تلك اللحظة الهامة - ضغط الزناد- يأتي دور التحميض وطريقته وفيها ابداع من اختيار للمحاليل ودرجات الحرارة، ثم الطبع والتكبير وفيها يسبح الفنان الفوتوغرافي بخياله من خلال الورق والمرشحات والتظليل والاحراق لينتج عملا فنيا يعبر عن أحاسيسه ومشاعره لا يضاهيه أي عمل.
|