Thursday 29th April, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الخميس 13 محرم


نوافذ
عبدالله الصغير

كانت الوصفة الطبية مليئة بالشعر، ليس لها كبير علاقة بروشتة الاطباء الذين يكتبونها بالرموز اللاتينية الجامدة، هي اقرب ما تكون لخاطرة مراهق يجيد لعبة المفردات.
وأحسست بالبؤس، فهذا الطبيب يقاتل في المساحة الاخيرة من الضوء وقد حدقت به جيوش العتمة.
ولكنه كان يملك ذلك الاستبسال النبيل الذي يكون للفدائيين.
فكما هو معروف ان هناك دولة عربية تدرس العلوم جميعها باللغة العربية ومن ضمنها الطب، فماذا يحدث عندما نرمي قميص اللغة المليئة بالفتنة والقول الجميل فوق جسد المخترع التكنولوجي الجديد البارد الجامد اي تضارب ونشاز؟ فاللغة ليست كائنا فضائيا منسلخا عن واقعه، فاللغة ابنة التجربة وشتان بين حضارة انتجت العربية وحضارة انتجت الاختراع الصناعي الحديث.
فكان هذا الطبيب يشخص المرض والاعراض بلغة بيانية ناصعة، أما الطبيب الآخر الذي يجلس بجانبي فقد علقت فوق وجهه ابتسامة ساخرة متعجرفة.
أما أنا فكنت أتأمل محاولاته التي تشبه صبابات (عبدالله الصغير) وهو يبكي كالنساء ملكا لم يحافظ عليه كالرجال.
كان يقول (الرئتان بحاجة إلى التقشيع) والتقشيع هو احد مشتقات او بالاحرى مصدر الفعل انقشع، وأحسست بأن هذه الكلمة مختطفة!؟ فبعدما كانت للسحاب تغادر القاموس في رحلة من نوع جديد!! ثم استرسل ليقول أما إذا احس الطفل بنوع من الحدة والنزق فيعطى مهدئا، وأحسست ان هذا الطفل الذي سيعاني من الحدة والنزق هو احد شخصيات رواية وليس مريضا يشخص ما به.
وكانت ابتسامة الطبيب الآخر الساخرة تزداد اتساعا، يدعمها كونه متكئاً على لغة القوى,, لغة المنتصر,, لغة المخترع، اما هذا الطبيب فكان يحلم حلما يشابه احلام عبدالله الصغير بالاندلس.
عندها أحسست بالمفارقة والفجوة الحضارية واضحة متحدية فاغرة فاهها تبتلع الى مكابرة أو اصرار على مواجهة العصر بلغة ليست ابنته!؟
وأخذت أتأمل الوصفة المكتوبة بلغة بيانية ناصعة، تناولها مني الطبيب الساخر ومزقها قبل ان استرسل في رحلة شجني العربية، قال لي: هذا الشيء متأخر عن روح العصر بمئات الاميال,, هو ببساطة يكتب هكذا، لانه لا يعرف شيئاً سواه, عندها لملمت احزاني على لغتي، وعلى عبدالله الصغير واستجرت بنظرية ابن خلدون التي تقول (أن الغلبة دائما للغة المنتصر), وهذا بعض من تبرير!!؟
أميمة الخميس

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved