* بدأت العملية كالمغامرة بالنسبة لي فبطاقتي الشخصية - بطاقة الأحوال المدنية - انتهت مدة صلاحيتها المحددة بعشر سنوات ولذا لابد لها من تجديد عبر الادارة الحكومية المختصة وهي ادارة الاحوال المدنية بالرياض، ورغم ان بعض الاصدقاء اشاروا لي بأنهم (سيكلمون) فلان او علان من العاملين في هذه الادارة او يعطونني ورقة توصية لانهاء إجراءاتي الا انني رفضت - وقد تعجبون من ذلك - لانني من فئة قليلة مازالت تتلذذ بمراجعة الدوائر الحكومية مباشرة لانهاء معاملاتها واوراقها الرسمية بعيدا عن الواسطة او مكاتب الخدمات العامة وقد يكون سبب ذلك هو معرفة كيف تتم الاجراءات في هذه الدوائر الحكومية المختلفة، والى اي مدى وصلت من التطور والتنظيم في الادارة والتعامل مع حاجات المراجعين.
* على صعيد وزارة الداخلية واداراتها المنتشرة في كافة مدن وقرى المملكة حدث تطور كبير ملموس وملحوظ سواء على مستوى التنظيم الاداري او على مستوى الافراد لما تمثله هذه الوزارة من ارتباط بالمواطنين في احوالهم الداخلية جميعا، وتجربة الجوازات والدفاع المدني وتجربة دمج اقسام الشرط مع ادارات المرور في ادارة واحدة هي نماذج للتطوير الاداري، ولعل الجوازات وادارات الاحوال المدنية تنفرد بان كل مواطن ملزم بالتعامل معها دائما سواء لاستخراج جواز او تجديد اقامة او غيرها من المهام المنوطة بادارة الجوازات، او لإنهاء اجراءات الاحوال المدنية من بطاقات او دفتر عائلة او تعديل مهنة او خلافه من المسئوليات التي تدخل في صلب عمل ادارات الاحوال المدنية، وقد تحظى هذه الاخيرة التي راجعت فرعها بمدينة الرياض بميزة خاصة حيث لا يراجعها الا المواطنون السعوديون فقط لانهاء اجراءات سجلهم المدني.
* الجوازات كانت الحالة الاكثر بروزا من حيث تطور التنظيم الاداري والسرعة في خدمة المواطنين وتسهيل اجراءاتهم والتسهيل عليهم، فقبل فترة زمنية قصيرة انهيت اجراءات استخراج جوازي في يوم واحد ثم اعطيت وصلا به رقم متسلسل استلمت بواسطته جوازي في اليوم الثاني واستغرق ذلك في كلا اليومين - وانا هنا لا ابالغ - نصف ساعة وسط تعامل متطور من افراد الجهاز وضباطه ووسط اجراءات واضحة ومحددة ودقيقة تنفع كل من يراجع ادارة الجوازات للمرة الاولى بشكل سهل وميسر، وتركت هذه التجربة اثرها البالغ عليّ حيث احسست فعلا ان الادارة هي الدافع والباعث المحرك لاي نشاط بشري متفوق، ورغم اني لا اراجع اقسام الشرطة ولله الحمد الا انه سبق لي قبل فترة قصيرة ان راجعت قسم شرطة الملز بسبب حادث مروري وكانت الاجراءات التي اتبعها كل من تعاملت معه من افراد وضباط القسم اجراءات مرنة وسريعة مما يعطي اثرا ودليلا على نجاح تجربة دمج الشرطة بالمرور في ادارة واحدة، ولم يسبق لي التعامل مع الدفاع المدني ولكني اعرف صديقا كان يريد استخراج رخصة محل تجاري واحتاج الامر الى مراجعة ادارة الدفاع المدني بالرياض الذي اعطاه التصريح اللازم بعد معاينة محله التجاري وباجراءات سهلة وسريعة وميسرة.
* خرجت في صباح اليوم الاول لمراجعة ادارة الاحوال المدنية بالرياض حاملا معي ملفي (العلاقي) الاخضر و(درزن) صور شمسية لعلمي ان هذا الملف العلاقي هو علامة بارزة في النمط الاداري الحكومي في المملكة فهو مازال مطلوبا في كل الادارات الحكومية، المهم حملت الملف والصور وذهبت مبكرا ثم دخلت مبنى الاحوال المدنية بالرياض بعد (لفة) استغرقت نصف ساعة للبحث عن موقف لسيارتي وهو امر مماثل لمسألة الملف (العلاقي) فالمواقف هي مشكلة اغلب الدوائر الحكومية، كان هناك لوحة احتوت على الوثائق المطلوبة لكل شيء من استخراج بطاقة احوال او تجديدها او استخراج دفتر عائلة او اضافة مولود رضيع او تعديل مهنة, كتبت المعروض المعتاد اطلب فيه تجديد بطاقتي الشخصية المنتهية صلاحيتها ثم ذهبت به الى احد المسئولين بالدور الارضي الذي علقت على باب مكتبه لوحة حملت اسم (المساعد)، فقرأه وتفحصه ثم طلب مني المشرف الذهاب الى الشباك المختص بالبطاقات المدنية، شباك رقم (9).
* لم يكن منظر هذا الشباك عندما خرجت من غرفة المساعد مريحا فالزحام كان يملأ المساحة الفارغة امام الشباك حيث لا توجد قواطع حديدية لتنظيم (السرا)، لذلك اعتمدت نظرية (زندك وإلا مت) محاولا الوصول لفتحة الشباب الصغيرة وتسليم ملفي للموظف الوحيد الذي كان بداخله وهو الذي قام بالتأكد من الاوراق المقدمة ثم اضاف اليها نموذجا جديدا يحمل عنوانا كبيرا (اثبات ذات) معيدا الملف لي وقائلا قم بتعبئة واكمال اجراءاته، نظرت الى الموظف سائلا إياه: (لماذا لا يوجد مثل هذا النموذج في منطقة خاصة بالمراجعين بحيث يكملون إجراءاته ويضيفونه الى الملف قبل تقديمه لكم) ، ولكن الموظف كان صادقا مع نفسه ومعي عندما اجاب قائلا بان ذلك ليس من اختصاصه او مسئولياته، شكرته ثم نظرت الى نموذج (إثبات ذات) فوجدته لايعترف في نصوصه المطبوعة بانتهاء مدة صلاحية بطاقة الاحوال المدنية حيث توجد فيه خانتان لابد من التأشير على احداهما تعنى الاولى بالبطاقة التالفة وتعني الاخرى بالبطاقة الضائعة من اصحابها، ثم يلحق هذه الخانات نص تقول فحواه (,,,, كما أؤكد ان ما حصل كان نتيجة قضاء وقدر رغم علمي باهمية هذه الوثيقة، كما ابدي استعدادي للمحافظة عليها مستقبلا,,,) ثم خانة تركت للاسم والتوقيع، مما يعني ان كل مواطن يريد تجديد بطاقته المنتهية صلاحيتها سيوقع على تعهد لفعل لم يرتكبه، فانا لم اضيع بطاقتي ولم اعرضها للتلف بل حافظت عليها بكل امانة وهو امر يقوم به كل مواطن يعرف اهمية الوثائق الرسمية الخاصة به ويحافظ عليها في الداخل وفي الخارج، وبالتالي فان التعهد اذا وقعته يعني انني اما اتلفت بطاقتي او اضعتها مع ان لا هذا ولا ذاك حدث او يمكن ان يحدث، ولكني وقعت التعهد ثم اكملت بقية الاجراءات حيث حصلت على شهادة قريبين ملآ الخانة المخصصة لهما ثم ذهبت في اليوم التالي بنموذج (اثبات ذات) الى العمدة في قسم الشرطة الذي وقعه بكل يسر وسهولة بعد سؤال عن موقع منزلي وعمن اعرف من الجيران وغيرها من الاسئلة التي ستمكن عمدة الحي من معرفة انك تسكن في حيه.
* عدت في اليوم الثالث الى ادارة الاحوال المدنية في الرياض بعد ان انهيت اجراءات نموذج (اثبات ذات) كاملة مكملة وحصلت على موقف لسيارتي بشكل سريع مما اعطاني نوعا من التفاؤل بان البداية مشجعة على انهاء الاجراءات الخاصة بتجديد بطاقتي في نفس اليوم ولكني عندما دخلت الى مكتب (المساعد) قام بإحالتي الى قسم (الارشيف) لتعبئة الخانة الاخيرة في نموذج (اثبات ذات) لان هذه الاحالة مرتبطة بتأشيرة (المساعد)، فذهبت الى (الارشيف) الذي قام موظفه بكتابة عبارة (ليس عليه ملاحظات) دون ان يتأكد بشكل فعلي من ذلك وهو امر يجب ان يقوم به كل موظف (ارشيف) في ادارات الاحوال المدنية عن اي مواطن لانها مسؤولية عظيمة، ثم اعاد لي موظف (الارشيف) الملف الذي استكملت كافة اجراءاته فذهبت الى مكتب (المساعد) مرة اخرى الذي احالني لشباك رقم (9) فعدت الى الشباك واعطيت الموظف الوحيد الذي كان هناك ملفي الذي راجعه بسرعة ثم قال لي (راجعنا بكرة للتصوير) اكون صادقا معكم فقد فقدت بعض اعصابي وهو امر طبيعي لما مررت به من الاجراءات الروتينية خلال ثلاثة ايام ولكني عدت وسألته لماذا لا اقوم بالتصوير الآن وليس لدي مانع من الانتظار حتى يأتي دوري، الا انه اجابني بان هذه هي التعليمات، وطلب مني ان اعود الى المشرف اذا كان لدي ما اقوله، شكرته ثم طلبت منه ورقة مراجعة تثبت انني سلمت ملف تجديد بطاقتي المدنية لادارة الاحوال المدنية وذلك من اجل المراجعة في الغد من اجل التصوير، فأفادني انه لا يوجد لدينا وصل استلام واذا كان لديك ما تقوله فاذهب الى (المساعد)، شكرته ثانية ثم ذهبت الى غرفة (المساعد).
* باشرت (المساعد) بشرح مشواري الطويل خلال ثلاثة ايام لتجديد بطاقتي وعلاقتي التي اصبحت وثيقة بشباك رقم (9)، وانه لا اعتراض لدي على ما يتضمنه النظام من اجراءات لتجديد البطاقة، وان ملاحظاتي هي عن طريقة تنظيم العمل في ادارة الاحوال المدنية بالرياض مشيرا الى زحمة الشباك رقم (9) بسبب وجود موظف واحد، والى عدم وضع نموذج (اثبات ذات) في مكان مخصص للمراجعين كي يكملوا اجراءاته دون زحام على الشباك، وانه كان يفترض كتابة عبارة (لا يوجد عليه ملاحظات) بعد ان يتأكد الموظف من ذلك، اي الا تكتب هكذا دون تدقيق السجلات المدنية المحفوظة في الحاسب الآلي، وان توجيهات سمو وزير الداخلية وسمو نائبه في مناسبات كثيرة ومختلفة تؤكد وتحض على تيسير الاجراءات للمواطنين وخدمتهم وتسهيل كل ما يحتاجونه وهذا ما حدث ويحدث في كافة قطاعات وزارة الداخلية الاخرى، ثم اشرت الى عدم اعطائي ورقة تثبت انني سلمت ملفي وبطاقتي القديمة لادارة الاحوال المدنية، وانه لو ضاع هذا الملف على سبيل المثال او تلف وهو في حوزة الاحوال المدنية فانني لا استطيع ان اثبت اني سلمته للادارة بشكل كامل بعد ان انهيت كافة اجراءاته، وطلبت منه ان يتكرم ويأمر بتصويري هذا اليوم، ولكنه اجابني بان التصوير هذا اليوم غير ممكن لان البطاقات المدنية لا تطبع الا في المساء بسبب قلة الموظفين، وبالتالي فانه لابد ان احضر غدا من اجل التصوير، واما ماذكرته عن الزحام ووجود موظف فقط ونموذج (اثبات ذات) والارشيف وتذكرة المراجعة فانها ليست من مسئولياته، وانه يمكنني رفع ملاحظاتي للمدير، شكرته وخرجت من مكتبه بعد ان تحولت الاحالات من موظف الى مساعد الى مدير وهكذا، ثم حضرت في اليوم الرابع للتصوير واستلام بطاقتي الجديدة التي احمد الله عز وجل ان ملفها لم يضع والا لكنت في ورطة كبيرة.
* هذه تجربة شخصية مررت بها أضعها تحت نظر المسئولين عن ادارة الاحوال المدنية بالرياض واتمنى صادقا الا يوجد لها مثيل في مدن المملكة الاخرى، ولعلي هنا ايضا اتمنى ان تعمل ادارات الاحوال المدنية بتنظيم اداري متطور وسريع وميسر يسهل على المواطنين اجراءاتهم ومراجعاتهم ففيهم الضعيف والكبير في السن وذلك كما هو معمول به في قطاعات وزارة الداخلية الاخرى التي تتحدث تجاربها الناجحة في التنظيم والتطوير عن نفسها دون تضخيم او مبالغة.
خالد الطويل
مستشار قانوني