Wednesday 28th April, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الاربعاء 12 محرم


رحلة الجمعة
أ,د, محمد بن سعد بن حسين

بعد صلاة الجمعة 7/1/1420ه كنا على موعد مع دعوة في ندوة ادبية دعا اليها صاحب السمو الامير سلطان بن محمد بن سعود الكبير في مخيمه عن يمين طريق سدير، امتداد طريق الملك فهد يفصل بينه وبين هذا الطريق طريق ترابي معبد يزيد على 11 كيلومتر.
ذكرني بالطرق في المملكة العربية السعودية قبل ما يزيد عن 50 عاما وربما كان افضل من كثير منها.
هذا الطريق اللاحب من طَرق ضيوف الامير حتى صار كما وصف مثله الشاعر المحسن (جران العود) بقوله
على لاحب لا يهتدَى بمناره
اذا سافه العود النباطي جرجرا
طريق عامر (بالبطانيج) التي تنغِّم اصوات (المهيجنين)، واين مني (الهيجنة) وقد
أكل الدرس من جهارة صوتي
والبقايا تقاسمته النوادي
ولا اقول ما قال نزار
أكل الحب من حشاشة قلبي
والبقايا تقاسمته النساء
فالكتب والاوراق والاقلام وهذا البياض المضيء في فودي وما يليه امماً، كل ذلك لم يدع لحب النساء في قلبي مكانا.
ودعنا من هذا الذي عفا عليه الزمن وطوته - او اوشكت - مشغلات الحياة لنعود الى ما نحن فيه من حديث هذه الرحلة، ان كنت معي في تسميتها رحلة لكونها كذلك عند الاسلاف قبل طي المسافات.
لقد كانت رحلة ممتعة حقا حتى ولو لم يكن فيها ما كان من احاديث وكرم ضيافة لم يكن مثلها بالغريب من مثل الامير سلطان.
لقد جددت لي هذه الرحلة ذكريات وذكريات فمنذ زمن ليس بالقصير لم اخرج من الرياض في رحلة كهذه، واسميها رحلة لكوني لم اخرج من الرياض في مثلها منذ زمن كما اسلفت, لقد بثت الطائرات والاسفلت فينا شيئا من كسل ولذا كانت هذه الرحلة مبعث تجديد في حياتي.
وصلنا المخيم فوجدنا في استقبالنا ابني الامير (نايف وسعود) بما نعهده من هذه الأسرة من حسن استقبال واستضافة.
ودخلنا فقابلنا الامير سلطان ببشره وببشاته المعهودة واشهد بأني وجدت فيه خلق الاميرين الراحلين - رحمهما الله - أبي محمد وجده سعود الكبير وهل الشبل الا من ذلك الاسد كما يقولون.
اخلاق ورثها فنشأ عليها ابناؤه ومن شابه أباه فما ظلم.
واستقر بنا المكان الرحب وكانت الدعوة (جفلاء) وهل ينتقد مثل الامير سلطان؟!
وكانت احاديث فردية وشبه فردية وذلك في البداية، حتى اذا ما (انقطعت السابلة) اخذ الامير الآخذة (الميكرفون) وافتتح اللقاء بكلمات طيبة فيها ترحيب معهود من مثله.
ثم اعطى حمد القاضي الآخذة فكان اول متحدث الشيخ عثمان الصالح فالقى قصيدة قال: انه نظمها في الطريق، وفيها شيء من وصفه وفيها ثناء على الامير سلطان وما يتمتع به من خلق نبيل.
ثم طلب مني انا والدكتور ابراهيم العواجي القاء شيء من شعرنا فكان عذري كعذر الدكتور العواجي وهو عدم حفظ شيء مما طلب منا القاؤه.
والواقع اني لم اكن عالما بطبيعة اللقاء والا لأعددت شيئا مما يمكن ان يقال في مثل هذا المقام.
ثم دارت احاديث والقيت قصائد مزجت بشيء من القصص والشعر العامي فلما حان وقت صلاة العصر اذن لها ثم اقيمت.
وبعد الصلاة دارت احاديث فردية جمعتني ببعض من اخواننا الذين لم ارهم من زمن فكنت اسأل كل واحد منهم عن احوال الادب والفكر في حياته، فعرفت من الدكتور العواجي انه يعد لاعادة نشر دواوينه الخمسة في مجموعة وانه ايضا يعد لنشر ديوان جديد.
وعرفت من الدكتور عبدالرحمن الشبيلي انه يعدُ لاصدار كتابين اولهما: في الاعلام في المملكة العربية السعودية وهو اطروحة الدكتوراه التي ترجمها الى العربية واضاف اليها كثيرا من المعلومات والوثائق عن هذا الجانب في حياة امتنا.
والثاني: مجموع مقالات نشرها في مناسبة المئوية.
وبعد ان نودي على مائدة الغذاء وفرغ منها استؤنفت الجلسة الادبية التي ختمت بقصيدة القاها الامير سلطان وقال عنها: ان الشيخ عثمان الصالح كان قد فرض عليهم حفظها ايام ان كانوا طلابا في معهد العاصمة.
واثناء القاء الامير قال لي جليسي: (لغة الاميرة الفصحى جيدة) فقلت: لا عجب في ذلك فهو قارىء متميز.
وبعد توديعنا الامير اخذنا بطريقنا الى الرياض ونحن نحمل من هذا اللقاء صورة طيبة لا تنسى ذكراها لاول لقاء في هذا الجو الطلق الذي اعاد لي ذكريات لو اني اخذت بأطراف الحديث عنها ما فرغت منه لكونه حديثا عن ايام الصبا والشباب واين مني ايام الصبا والشباب؟!
تلك التي كنا فيها نسير كيفما نشاء لا كما تشاء اوضاع المسؤوليات التي تحاصرنا اليوم فتسيّرنا راضين او ملزمين - فيما ليس لنا بد من ان تؤديه بأمانة واخلاص وعلى الوجه الذي تفرضه امانة العمل.
ان تذكر تلك الايام يظل اجمل متنفس لنا نعيش لحظات تذكره بين الفينة والفينة لنعود الى شؤون حاضرنا وقد زودتنا تلك الذكريات بشيء من نشاط وفي طريق عودتي الى الرياض الى حيث معتكفي او ورشة عملي كما يحلو لبعضهم تسمية هذات الركن من حديقة منزلي هذا الذي يسمونه مكتبا وفيه كثير من بقايا المكتبة التي ضاقت بما فيها فلفظت بقيتها لتحاصرني بها في هذا المكان المنزوي في ركن الحديقة وان كنت سعيدا بهذا الحصار.
في طريقي ذلك كنت افكر فيما سوف يكون بعد هذه الرحلة اتراها ستقوى على اخراجي مما انا فيه وان كنت به سعيدا.
اتراها سوف تعيدني الى ايام التنزه في مثل هذا الجو الطلق الذي ذكرني - ولا ادري لماذا ذكرني - بقول ابن زيدون مخاطبا حبيبته (ولادة).
إني ذكرتك بالزهراء مشتاقا
والافق طلق ووجه الارض قد راقا
وللنسيم اعتلال في اصائله
كأنما رق لي فاعتل اشفاقا
إلى آخر القصيدة التي صور فيها شيئا من طبيعة الزهراء بالاندلس.
لكن شتان ما بيني وبين ابن زيدون وان التقينا في كثير.
غير ان بيتين من ابيات قصيدة ابن زيدون المشار اليها سلفا يلحان على اللسان باملائهما وهما قوله:
والروض عن مائه الفضي مبتسم
كما حللتِ عن اللبّات اطواقا
يوم كأيام لذات لنا انصرمت
بتنا لها حين نام الدهر سراقا
وآه من انصرام اللذات بذهاب ايام الصبا والشباب,, انه انصرام لا اتصال بعده وذهاب لا اوبة منه ، انصرام وذهاب كانصرام ايام شباب الاستاذ عبدالله بن ادريس الذي القى في تلك الندوة قصيدة رجع فيها الشيخ الى صباه يغازله ويراجعه فكان كصاحب جبل (التوباد) راجع فيه ايام الصبا فأبت ايامه ان ترجعا، على ان قصيدة الاستاذ عبدالله اشبه بالفاكهة بين ما قيل وبخاصة انها كانت موضع تعليقات وابتسامات وهمسات استحسان فشدتنا الى ما كان ولن يكون من ذكريات ملاح ذهبت (كذهاب حمار أم عمرو) ومع ذلك فما تزال تدغدغ المشاعر والاحساسات وتلح باستعادتها تفكيرا وتذكرا.
لقد نزعت بي الذكرى الى بعيد، بعيد جدا زماناً ومكانا ولكنه التفكير الذي لا يعترف بالحدود والمسافات، وكيف يعترف بالحدود والمسافات والكون كله قديمه وحديثه مدركه وما وراء المدرك كل ذلك ميدان له حقيقته ومتخيله.
لقد طوحت بنا الفكَر وهي طبيعتها فلنمسك بعنانها الى حين.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
محاضرة
منوعــات
ملحق الغاط
عزيزتي
ساحة الرأي
المحرر الأمني
الرياضية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved