كان الأمير خالد بن أحمد السديري - رحمه الله - من أبرز جيل الرواد الذين تبنوا هذا المجتمع وشاركوا قيادته في ترسيخ دعائم الأمن ورد أطماع الغزاة وتثبيت قواعد التعامل في الحكم الاداري وفق شريعة الله وفضائل اخلاقيات المجتمع العربي.
عاش حياته شاباً فرجلاً ثم شيخاً دون ان يعرف فرصة للراحة أو المتعة بل وطن كل طاقاته لخدمة بلاده ومجتمعه من خلال تعليمات قيادته فكان واحداً من أبرز القواد الذين أوكل إليهم استتباب الأمن وصيانة توحيد البلاد وكذلك المهمات الدقيقة ذات العلاقة بصيانة الحدود أو معالجة المشاكل الناتجة بين القبائل.
وكان يرحمه الله يواجه جميع التحديات بصبر المتمرس وحكمه المتأني عازفاً عن الظهور رغم تحمله الكثير من المشاق.
ولقد ترك آثار شخصيته الجادة على تربية أبنائه عندما علمهم الاعتماد على أنفسهم دون أن يتخذوا من نجاحه طريقاً لنجاحهم بل غرس فيهم حب العمل والسعي الجاد نحو التحصيل العلمي والتفوق.
كما كانت انسانيته سامية كبيرة فما يبرق بارق خير الا وسعى إليه عطوفاً حنوناً وكانت اخلاقه كريمة عالية طاهر الضمير عزيز النفس أبي الفؤاد حلو السجايا، شهماً كريماً يكرم الرجال الكرماء ويعظم الرجال العظماء.
وتعود نشأته الأولى إلى أنه سليل أسرة لها مكانتها في مجتمع الجزيرة العربية وفاءً وإباءً، فجده الأول كان رئيس قبائل الدواسر بوادي الدواسر ثم استقر في منطقة سدير تسنمت أسرة السداري رئاسة مدينة الغاط وتوارثوها وجاهة وسماحة وبلاء حينما يكون للقوة شرف القدوة.
ولد أميرنا عام 1333ه، وبدأ تعليمه في كتاب الغاط وكان ينقب ويبحث ويلتهم ما تيسر له من مكتبة أبيه الذي توسم فيه النجابة وحب العلم,, وهكذا تمت ثقافته فاستقدم والده عام 1346ه معلماً من القصيم لتطوير الكتاب إلى مدرسة تعنى بالمعارف الدينية والعربية وعاد المعلم إلى بلده بعد عام واحد.
عزم الشاب المتوقد خالد السديري على مواصلة الدراسة وانتقل إلى الرياض ودرس على أيدي علماء نجد الاجلاء، ثم درس في الطائف على يد استاذ مصري استقدمه الملك عبدالعزيز رحمه الله لتعليم أبنائه.
ثم التحق بالجيش السعودي المتجهه إلى عسير رئيساً لمجموعة معدودة فيه وبعد فترة وجيزة كلف وكيلاً ثم معاوناً لأخيه تركي الذي كان أميراً هناك, ثم عين أميراً لجيزان, وأخمد فيها فتنة كبيرة بجبل صعب المسالك ضيق المعابر ثم نقل في أواخر الحرب العالمية الثانية إلى الظهران حاكماً ادارياً, وفي عام 1366ه نقل إلى الرياض كعضو في مجلس المستشارين ثم انتدب أميراً لتبوك عام 1367ه وحتى عام 1375ه، وتوجه بأمر الملك عبدالعزيز إلى العلا لحل مشكلة كبيرة بين بعض القبائل, وبعدها عين وزيراً للزراعة في عام 1375ه، ثم مشرفاً على امارة نجران عام 1382ه حيث كانت الحرب الأهلية شديدة في اليمن، وقاد القوة السعودية في موقعة الوديعة ورغم انه عانى في أخريات حياته لمدة عقدين من الزمان من أمراض خطيرة متكررة فإنه لم يضعف أو يتوان ولم يؤثر ذلك على قدرته واتخاذه للقرار الحكيم خدمة لمليكه ووطنه وتوفى غفر الله له عام 1399ه.
وقد كان أديباً شاعراً يقرض الشعر بنوعيه: العربي الرصين والشعبي المتين فقد برع في اللغة وآدابها وقواعدها والتواريخ وحوادثها.
وتنوعت مجالات أشعاره بين الحماسة والحرب، والغزل الرقيق العذب، الوصف، الحكمة والنصيحة، الرثاء، ففي الحماسة والحرب نظم عن الفتن والمشاكل التي يخمدها وأشاد بالملك عبدالعزيز، وزيارة الملك سعود إلى تبوك عام 1374ه، وعن مغادرته خارج البلاد للعلاج وعن ضرورة تحرير الأراضي العربية المحتلة.
ومن الغزل والوصف: يكمل قصائداً أو يعارض أخرى وينظم غزليات ومعاتبات رقيقة عفيفة.
ووصفيات في المحيط العائلي لحفيداته مها بنت سعد ناصر السديري وعهود بنت عبدالعزيز خالد السديري ولاما أحمد السديري وكذلك سامريات عذبة ومحاورات شعرية مع شعراء آخرين, كما وصف السودة والطائف والأشياء كالطائرة ويصف مشاعر الوداع وشجونه ووجوده خارج البلاد.
وفي الحكمة يتضرع إلى الله ينصح ويوصي بالجار والضيف ويحذر من الصفات الذميمة كالغيبة والنميمة والشح وغيرها, ويدعو إلى التحلي بالصفات الحميدة كالأمانة والشجاعة وغيرها ويوجه إلى حسن اختيار صاحب وشريك الحياة وينهى عن شرب الدخان, ويتحدث عن قيمة الوطن للانسان وتشوقه إليه.
ومن الرثاء: رثى الملك فيصل، وأخاه تركي السديري وبعض الأمراء مثل خالد وعبدالله أبناء محمد بن عبدالرحمن آل سعود وبعض أصدقائه ومنهم زبن بن عمير العتيبي.
وبعد: كانت هذه عجالة عن الرجل الذي كان لآخر لحظة في حياته - غفر الله له - محباً لبلاده بلا حدود حريصاً على متابعة أحداثها حتى بعد إصابته بمرضه الأخير بالجلطة وعلينا أن نطرح لشباب الجيل الحاضر نموذج حياة هذا الرجل وأمثاله ممن عاشوا حياة الصحاري القاسية، وعانوا مهمة تطويع البداوة والتخلف بإرادة صلبة حتى يتحقق المجتمع الحضاري دون أن ينالوا من الترف أو ينال منهم الإمتاع شيئاً من رجولتهم وعظمة مواجهتهم للمتاعب وحتى لا ينسى هذا الجيل ماضيه فيضيع خط بدايته ويأخذه الترف فينسى أصوله فيهدر كفاح الأوائل.
وما زال عطاؤه مستمراً - رحمه الله - حتى بعد رحيله - فما الجائزة التي نحتفل بها اليوم الا دليلاً على تواصله مع العلم والعلماء، جعل الله ذلك في موازين أعماله الصالحة وأسكنه فسيح جناته وغفر له.
مديرة مكتب الاشراف التربوي بمحافظة الغاط
منيرة عبدالرحمن الزومان