Wednesday 28th April, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الاربعاء 12 محرم


في يوم المهنة
مثاليات الطرح,,, أمثولات التطبيق
حمّاد بن حامد السالمي

تحتفل بلادنا- المنصورة بإذن الله- هذا العام بيوم المهنة، للعام الثاني على التوالي، وذلك في اطار الحملة الوطنية الوثابة لتوطين وسعودة الأعمال والوظائف في كلا القطاعين العام والخاص، وهذه الجهود المبذولة على أعلى المستويات في الدولة بقيادة الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية، تراقب باهتمام كبير من قبل كافة أبناء الشعب، الذين يعلقون على نتائجها الآمال الكبيرة، والشباب والشابات وكافة الأسر في الدولة، الجميع يستبشر بكل خطوة جديدة وبناءة في هذه الحملة الوطنية التي أصبحت بمثابة مشروع وطني واجب التنفيذ، والعمل فيه ومن خلاله، والسعي لتحقيق أهدافه ومقاصده من أوجب الواجبات التي تنتظرها منا بلادنا في هذه المرحلة، بعد أن اتسعت دائرة الطلب على العمل من قبل أبناء وبنات الوطن، وفي المقابل ضاقت فرص الإيجاب، وتركز الحل بالضرورة في إحلال السعوديين محل الآخرين من المتعاقدين الذين تنتهي عقودهم، وهذا حق وطني ووضع طبيعي لا غبار عليه.
وفي يوم المهنة الذي ينفذ على مستوى المناطق في المملكة، يجري التركيز على مزايا حرفية ومصنعية في متناول أيدي شبابنا السعوديين الذين يجب عليهم الانخراط في معاهد ومراكز مهنية وفنية وصناعية لكي يكتسبوا الخبرة الكافية، من أجل أن يكون منا الخباز والنجار والحداد والكواء والخياط والحلاق,,, إلى غير ذلك مما كان يعد -ذات يوم عند البعض- عملاً وضيعاً، وهذا جزء واضح في الطرح- المثالي- الذي يقوم عليه برنامج يوم المهنة، وللعلم فإنه لم يعد في سنواتنا هذه وجود لحرفة وضيعة يمكن أن توصم صاحبها بالعار إلا ماكان عاراً في ذاته، والطرح الذي يجري بهذه الطريقة لأبنائنا- خصوصاً في المدارس حيث تنهض وزارة المعارف بحمل كبير في هذا الشأن- لاأجد له تفسيراً إلا أن يكون امتداداً لثقافة مترسبة عبر أجيال مضت، وهي ثقافة تمتد إلى ثقافة من كان قبلنا، وكان حرياً بنا أن نتوقف عند هذا الحد، فلا نمد لها جسوراً مع الأجيال القادمة التي نتوقع أن تكون مدفوعة أكثر إلى المهن الحرفية بعامل الثقافة العلمية المعاصرة، وعامل الحاجة فالحاجة مثل ماهي أم الاختراع، فهي أم الاكتفاء الذاتي والقومي في ميادين العمل، وفي ميادين الإنتاج أيضاً.
واضح إذن,, أننا نخطئ عندما نستنجد بالعامل الثقافي البحت في مسألة نتلمس من خلالها مخرجات سليمة- منقذة- لحالة تدق على أبواب المستقبل بقوة وعنف، وعندما نستحضر هذا العامل الثقافي، نأخذه من زاوية سلبية مظلمة، ثم نرفع هذا السواد شعاراً لطرح مستقبلي يتعامل مع جيل جديد في عصر جديد لظروف جديدة.
كان يمكن أن نتجاوز العيبية المهنية ونعتبرها جزئية ثقافية بائدة- هناك أمم بادت وهي التي تصنع الثقافة- لأن مجرد التذكير بما هو بائد هو في حقيقة الأمر احياء لهذا البائد بطريقة ما، وأن ننطلق لبلوغ أهدافنا ونحن ننظر إلى الأمام دائماً، ويمكن أن نصل إلى مثاليات في الطرح المبرمج الذي يخدم أهدافنا بتقديم أمثولات من الواقع، وهي أمثولات حية، وأصحابها يعيشون بيننا، وينهضون بأدوار حرفية ومهنية غاية في الجمال الذي يناسب طرحنا في يوم المهنة، وهم سعوديون، وهم كثير، والكثير منهم أخذ الشهادة من مدرسة الحاجة، ومن مدرسة الثقافة العلمية المعاصرة، فلم يقف في طريقه عار حرفي ولا عيب مهني, والبعض الآخر ممن أسعفه الحظ فوجد مكاناً في مؤسسة تعليمية مهنية ذات يوم، فكان هو أحد المخرجات التي ننتظرها بفارغ الصبر, هذه صورة أولى فيها شيء من الإشكال الذي جاء بوجه ثقافي من مخزون قديم بعض الشيء.
الصورة الثانية التي تشكل- من وجهة نظر خاصة- اشكالية بين مثاليات الطرح وأمثولات التطبيق في يوم المهنة، هي المصداقية التي يجب أن تكون عاملاً مشتركاً بين الطرح والتطبيق، ما نقول وما نفعل، ما ننادي به وما هو موضوع شكوى من الطرف الآخر، نعرف جميعاً أنها كانت وما زالت حجر عثرة لابد من إزاحته حتى نصل بالمستهدفين من البرنامج إلى أسلم النتائج وأفضلها.
ولتقديم-مثاليات- على الطرح المبرمج هنا فقد أخذت المعاهد والمراكز المهنية والصناعية وما في مستواها انموذجاً يزوره الطلاب ليروا زملاء لهم يتعلمون كافة المهن والحرف,,, شيء جميل! لكن غاب عنا هنا أننا بهذا نزيد من عدد طوابير الطلاب الذين يرغبون دخول هذه المؤسسات ثم لا يجدون أماكن لهم لشدة الطلب عليها، وهذا يقودنا إلى نتيجة مهمة: مادام الطلاب يتجهون بهذه الأعداد الكبيرة إلى هذه المؤسسات العلمية المهنية فأين المشكلة إذن؟ وماذا نقول غداً لهؤلاء الطلاب الذين جعلنا منهم أدوات في دائرة الطرح المبرمج ليوم المهنة، إذا جاءوا غداً راكبين أحلامهم وما صورناه لهم عن التعليم في هذه المؤسسات المهنية، ثم لايجدون أماكن كافية؟ وما قيمة الأمثولة إذا كنا لم نحسن اختيار المثالية؟ ولماذا لم نفكر في مثاليات بديلة تكون المصداقية فيها أوضح ومنها الوصول الذاتي إلى اكتساب الخبرة، ومخرجات هذه المدرسة يعملون في الميدان وعددهم يفوق اصحاب الشهادات المهنية.
جانب آخر في الإشكالية الثانية هذه تصب في التوظيف ومنه سعودة الوظيفة وتوطينها، إذ لا مناص من الربط بين التأهيل للوظيفة- سواء كانت حرفية أو غيرها- ثم شغل هذه الوظيفة بعنصر سعودي داخل القطاع العام أو الخاص, ومن الواجب في هذا الخصوص أن تكون المصداقية أيضاً عاملاً مشتركاً بين الطرح المبرمج والواقع المعيش والفعلي الذي يعرفه الصغير والكبير، ويعرفه بالذات الطلاب المستهدفون من الحملة، ففي وزارة المعارف- على ماأظن- أربعون وحدة مدرسية موزعة على المناطق، ويتبع كل وحدة فروع لها إن داخل المنطقة أو داخل المدينة الواحدة، وهذه ادارات عامة فيها وظائف وفيها موظفون، وهي لا يمكن أن تكون مستثناة من السعودة لأنه لا استثناءات هنا، ولكن الحاصل أن معظم هذه الوحدات وظائفها مشغولة بمتعاقدين، وأنا لا أتحدث هنا عن وظيفة طبيب مثلاً، مع أنه يمكن تطعيمها بأطباء سعوديين كما هو حاصل في وزارة الصحة، ولكني أتحدث عن وظائف صغرى لا تتطلب شهادات ولا خبرات، مثل كاتب صادر ووارد، وموظف استقبال لحوالات الطلاب والمعلمين، وفني أشعة، ومحضر مختبر، وما في مستواها مما يمكن شغله بمن يستحق من السعوديين الذين يطرقون الأبواب في كل مناسبة للحصول على مثل هذه الفرصة.
ضربت هذا المثال لأنه الأقرب إلى ميدان التطبيق في يوم المهنة، وإلافإن هناك جهات كثيرة تتحدث عن السعودة والاحلال، لكنها لم تتخذ من الاجراءات العملية ما يكفي لتحقيق مثالية الطرح الذي تتبناه، وإذا كان هذا في القطاع العام، فماذا ننتظر من القطاع الخاص؟
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
محاضرة
منوعــات
ملحق الغاط
عزيزتي
ساحة الرأي
المحرر الأمني
الرياضية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved