حينما هاتفتني مسئولة مكتبة الملك عبدالعزيز مشكورة لحضور الامسية الشعرية النسائية التي اقيمت هناك يوم السابع والعشرين من شهر ذي الحجة 1419ه كنت حقا في شوق لسماع القصيدة، وحينما قرأت في فاكس الدعوة الكريمة اسماء المشاركات خامرني شعور بالزهو والجذب اذ اني ايقنت ان الامسية ستكون مخصصة للشعر العربي الفصيح تلك العملة التي باتت نادرة هذه الايام اذ ان الشعر الشعبي (او العامي) كما يحلو للبعض تسميته قد ملأ البر والبحر وغزا كافة وسائل الاعلام المقروءة والمرئية والمسموعة ولست ضد الشعر الشعبي على اني ارى للفصيح هيبة وحرمة وندرة لاتضاهى, ولو انه افصح بلسان عربي مبين لشكا الجور وسيطرة اخيه الذي نما حتى جاوزه قامة لا مقاما والغلبة غالبا ما تكون للكثرة فشكرا لمن انصفه ورد له اعتباره واني لارجو ان يحذو القسم النسائي بمركز الامير سلمان الاجتماعي حذو مكتبة الملك عبدالعزيز فيعدل بين الشقيقين.
اعود الى لب الموضوع وهو ذو شجون اغرتني بالتوغل في شعابه شأن استاذنا الجليل الشيخ علي الطنطاوي اطال الله في عمره والبسه تاج الصحة والعافية وقد كان يشط به - احيانا - المزار فينأى فينة عن الدار قبل ان يعود الى موضوعه باسما معتذرا وكلما اوغل في الجزئيات زادنا ارتواء وظمأ وهل لمناهل الشريعة والادب من قرار! اقول بدت القاعة هادئة شاعرية الرؤى تناثرت فيها مدعوات عدة وكلما وفدت زائرة جديدة شكرتها في سري,, وازدانت القاعة بحضور ضيفة الشرف سمو الاميرة ريمة بنت عبدالله بن عبدالعزيز.
كان قارب الشعر يضم اربعاً دكتورة فوزية بريون وكلا من الاستاذة فاطمة القرني ولاول مرة الاستاذة بدرية السحيباني - شاعرات - والصحفية المعروفة ناهد باشطح مديرة لفعاليات الامسية وبعد ان ألقت الاستاذة الخلوقة نورة الناصر مديرة المكتبة كلمتها التي رحبت فيها بالحاضرات كانت بشوشة رائعة كعادتها تنتقل في ارجاء المكان والزمان تصافح هذه وترحب بتلك وتحاول جاهدة ان تلبي كل الاحتياجات وبدأت الوقائع الفعلية شرعت مديرة الحفل في التعريف بالشاعرات فاستهلت بالدكتورة الشاعرة فوزية بريون وكان سجلها التعريفي حافلا بوقائع الجد حقا انجازات ومشاركات.
بدأت الامسية بقصيدة (رجوع) للشاعرة المبدعة د, فوزية بريون ثم ترنمت الشاعرة الرقيقة بدرية السحيباني بقصيدة (عشقك يا وطن) تلتها الرائعة فاطمة القرني بقصيدة (اختيار) وكانت علامات الامل والترقب ترتسم على ملامح د, فوزية بريون كلما لمحت قدوم وافدة جديدة لركب الحاضرات وافصحت عن كدرها صراحة حين قالت بان عدم امتلاء القاعة لهو دليل على غلبة الشعر العامي الا ان الاستاذة ناهد باشطح كانت تخالفها الرأي مصرة على ان للفصيح جمهوره وان القاعة ستمتلىء ولو بعد حين.
وحينما قرأت الشاعرة بدرية السحيباني قصيدتها التي كتبتها في والدتها حينما كانت على فراش الموت بكت وابكت كانت مؤثرة ومقنعة حقا فقد سطرتها بمداد من نجيع على طرس الفؤاد وكانت تبكي مع كل حرف وهي تستعيد ألم الماضي ومعاناته حتى اخرجت الحاضرات طرا مناديلهن, وبدت الشاعرة فاطمة القرني اكثر روعة ونبلا وهي تحاول التخفيف عنها بتعديل السماعة احيانا والابتسام حينا اخر وان عكست تعبيراتها غير اللفظية ومنديلها الذي اضطرت الى اخراجه لتمسح ما تسلل من دمعات قلبا كبيرا ونفسا خيرة تبدت جلية في شكر الشاعرة بدرية السحيباني لها على ما قدمته لها سالفا من دعم,, وتلت ذلك قصائد منوعة عدة تبارت المشاركات في القائها الا ان الهرج والمرج الذي ساد الصفوف الاخيرة للمدعوات حدا بالدكتورة فوزية بريون الى لفت الانتباه لضرورة حسن الانصات ويبدو ان القديرة فاطمة القرني ملمة بتفاصيل الدراما مأساة وملهاة وبعامل ارخاء التوتر المعروف مسرحيا بال (camic relief) والذي يعمد اليه المؤلف المسرحي حينما يورد حدثا محزنا مؤثرا فيأتي بمقطع كوميدي يؤمن نقلة مريحة الى فضاءات نفسية ارق,, تغسل ما اعتمل في الذات من ألم ومعاناة فقد اوردت الشاعرة القرني قصيدة تمنت فيها ان ترى مسئولة متعجرفة لديه معلقة بهلع بين الاضاحي جزاء ما اقترفت من قسوة وتجريح واذا بالقاعة وقد امتلأت بالضحك,, وان احتجبت دموع ربة المعاناة لاجل مسمى,, على ان الزمن - وهو خير مؤسٍّ - كفيل بدمل الجراح طرا:
اختلاف النهار والليل ينسي اذكرا لي الصبا وأيام أنسي وسلا مصر هل سلا القلب عنها أو اسى جرجها الزمان المؤسي |
وعودا على بدء اقول بان تلك الامسية الرائعة كانت ناجحة بكل المقاييس وان كان انضمام اكثر من ثلاث شاعرات مثريا,, ومولدا لتفاعل اكثر وحيوية اشد دفقا رغم اني لا ارى مانعا في الدمج بين شاعرات الفصيح والشعبي (النبطي) ان صحت النسبة ارضاء لجميع الاذواق وضمانا لامتلاء القاعة واثراء للفكر,, وايقادا من ثم لمزيد من روح التنافس بين الشاعرات وكم تمنيت لو كانت الرائعة د, ثريا العريض ضمن طاقم الابحار بنا في محيط الشعر الرومانسي المتفجر شاعرية وجذلا ورقة احساس ودفق عواطف فشكرا لراعية الحفل سمو الاميرة ريمة بنت عبدالله وللداعي,.
مكتبة الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه وللشاعرات والحاضرات والى مزيد من ألق الشعر في رحابك السامية ياوطني.