Saturday 24th April, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,السبت 8 محرم


يارا
خبز التميس
عبدلله بن بخيت

استمراراً لتأملاتي اللندنية عن التميس حيث وجدت نفسي في فخ البعاد عنه, استأنف اليوم للمرة الاخيرة نتيجة هذه التأملات, وأولها ما يمكن ان يلاحظه المرء من ارتباط التميس في دماغ جيل اليوم بالفول, الغريب في الامر انه لا يمكن ان تشاهد سعوديا يأكل باميا بتميس او يلف الكباب في التميس, لا اعرف من المسؤول عن مثل هذا الارتباط الذي ادى مع الاسف الى تحجيم دور التميس الى هذا الحد، ولكن ارجو الا يفهم القارىء الكريم انني اقلل من قيمة الفول والقلابة ولكن هناك مشروعية خلف هذا السؤال, فطالما ان التميس يؤدي دور المغرفة فليس من المعقول حصره كمغرفة فول وقلابة وبالتالي تضييق وقته بين الصباح والمغرب، الأمر الذي ادى الى حرمانه التام من التواجد في الزواجات والعزائم الرسمية خاصة تلك التي تتوفر حول تباسيها الايدامات.
بصراحة علينا ان ننظر الى المستقبل ولا يمكن التنبؤ بما يمكن ان يكون عليه المستقبل بسبب هذا الترابط, فكل منهما له تاريخه المنفصل وله تقاليده فالربط بينهما غير مبرر، يمكن ببعض التسامح الربط بين التميس وبين القلابة, لان القلابة لا تأخذ ثقل الفول وعراقته ويمكن تركها تدور في فلك التميس لتكتسب عراقتها الخاصة فهي اساساً تجتذب الشباب بخلاف الفول الذي يسيطر على اسر بكاملها.
بعد قرار البلدية منع القنوات الفضائية من المقاهي، فلا شك ان سكان الرياض سيعودون الى متعتهم الاصلية: الفول والتميس, فما يمكن ان يفقده الشباب من حرمانهم من القنوات الفضائية في المقاهي هو بعض الاغاني والرقصات المرحة واذا دققنا في المتعة الناشئة من الفول والقلابة سنرى ان الفول سيحل محل محمد عبده وطلال مداح لثقله وعراقته والقلابة ستحل محل الفيديو كليب لانها تتسم ببعض المرح والخفة, وأظن ان الفول سيبقى لوقت طويل اساس الحفلات العائلية، فالاب لا يعرف اين يأخذ عائلته فيمتعهم بحفلة فول مع خبزتين تميس واعتقد ان القلابة اسهمت بدور كبير في تنويع المتع والحفلات العائلية، لأن الاب مرة يجيب تميس مع الفول ومرة تميس مع قلابة, ومن مغامراتي الفاشلة قررت في يوم من الايام ان ادخل على نظام الحفلات الوطنية هذا تعديلاً ترفيهياً.
كان تفكيري ان اجيب لعيالي فول وقلابة في نفس الوقت فطالما سأشتري فول بخمسة ريالات فلماذا لا اشتري فول بثلاثة ريالات وقلابة بثلاثة ريالات وفي غمرة مخططي الثوري هذا نسيت شيئاً واحداً يتعلق بعنصر البهجة وهو التفريق بين اسبابها, ففي لندن بامكانهم مثلاً ان يجعلوا المسرح صالة سينما وصالة السينما مسرحا في الوقت نفسه, ولكن هذا سيجعل الناس تطفش بسرعة, فالناس تريد ان تذهب اليوم الى مسرح وغداً الى سينما وهذه النظرية افشلت فكرة المتعة المزدوجة التي طرحتها فالأفضل ان نأكل اليوم فول وتميس وغداً نأكل قلابة وتميس لأنك بعد ان تسترخي بعد الأكل لا تكون المقارنة بين الفول وبين القلابة حاضرة بقوة, فالافضل ان تكون المقارنة بين الفول والقلابة متباعدة لكي يلعب الخيال والتعصب وحب الجدل دوره في اذكاء الحوار العائلي, ففي لندن عندما تذهب الاسرة الى مسرحية وفي يوم آخر تذهب الى متحف سيكون الجدل ممتعاً خاصة اذا كان الأب من النوع المناكف, فسينتظر حتى تقول زوجته (لقد احببت المسرحية اكثر من المتحف) عندها سيقول ان الفن الحقيقي في المتاحف يا حبيبتي وهذا بالضبط ما يحدث عند تفريق الفول عن القلابة, فالزوج السعودي المناكف سينتظر رأي زوجته فاذا قالت ان القلابة كانت احلى من الفول سيقول لها (اصلا انتم يالنسوان تحبون الخفة وهل يتساوى الفول العريق مع القلابة الشبابية) وتبدأ مناقشة ممتعة يمكن مشاركة الاطفال فيها, حتى يحين موعد النوم والانخراط في الاحلام السعيدة.
لكن المشكلة مع التميس انه آني ومحدد بالدقائق التي يخرج فيها من التنور فطعمه ولذته يتصلان بعامل الزمن فحلاوته عندما يكون للتو خرج من التنور وهذا هو الشيء الوحيد الذي حرمت منه المرأة السعودية, لأن محلات الخبز التميس لم تضع حتى الآن زوايا خاصة بالعائلات مما يعني ان المرأة يجب ان تأكل الفول والتميس في بيتها, والمسافة الزمنية بين خروج خبز التميس من الفرن وبين وصوله الى البيت تفقده كثيرا من جماله ومتعته ولذته, واعتقد انه يجب ايجاد حل عملي للمسألة باختراع آلة حافظة لطزاجة خبز التميس, وهذا ممكن فعندنا ولله الحمد مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية - والتي لم نسمع لها شغل الا بعد ان جاءت الانترنت - يمكنها ان تخترع لنا جهازاً صغيراً مثل القدر الكاتم خفيف الوزن وسعره مقبول يخصص لنقل خبز التميس من التنور الى المنزل, فلو تم اختراع مثل هذا الجهاز لحصلت المرأة السعودية على مرح اضافي في حياتها المليئة بالمرح المتدفق.
واذا تم اختراع هذا القدر فلن اواجه اي مشكلة مع التميس في لندن ففي رحلتي القادمة الى لندن قبل الاقلاع سأمر على اقرب مخبز وأعبىء القدر بالتميس والله يرحم حالي وحالكم.
لمراسلة الكاتب:
E-Mail:albakeet@suhuf.net.sa

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved