ونحن اذا ما استطلعنا جانبا من أساليب المحاولة التي يقصد بها بعضهم إقامة صلة بينه وبين فئة من الناس، نرى أن العامل الذي يحرك محور الرغبة في تلك الصلة المزمع اقامتها هو محض الود وإظهار الاخلاص وتقريب المسافة بين المتجانس في الرأي، وتحاذي المفاهيم, لكن هناك من يندفع بسرعة نحو إقامة تلك الصلة وربطها بفئة لا يعرف طويتها ولا ما جبلت عليه اخلاقها فيصطدم وده وإخلاصه بسلبيات من لدن من كان يحاول مصادقته فيحصل لعمله الاعجابي هذا إحباط وانتكاس بل ربما قوبلت إيجابياته بعامل مسيء تتمحور عليه سلبيات بعيدة في واقعها عن الأخلاقيات الفاضلة.
وحول مفهوم مقابلة إيجابية المصادق بسلبية من المرغوب في صداقته قرأت شعرا للشاعر مصطفى متولي يصف فيه ذلك الواقع,, ففي قصيدته وادي السعير التي استهلها بقوله:
قضيت الليل أنظر ما شجاني وأبحث في تصاريف القضاء وأعجب كيف ابذل محض ودي لأقوام تغالوا في عدائي |
وبعد ان تحقق له أنهم يبطنون له خلاف ما يظهرون وصفهم بالثعالب المراوغة والأفاعي السامة
فهذا الثعلب الواشي يداجي وذاك الماكر الأفعى يرائي |
ثم يظهر أسفه على ما قدمه من فعل جميل لمن لا يقدر الجميل ولا يعرفه
وكم قدمت من خير عميم لخلّ راح يسعى في فنائي يحدثني حديث الأصفياء ويمطرني بأسباب الشقاء فما لي إن منحتك ياصديقي رضاي منحتني سوء الجزاء وإن ضحيت أيامي فداء لاسترضيك لم تقدر وفائي |
ثم يعطف القول على نفسه في أسلوب مناجاة تبعث على تهوين الأمر عليها وتوطينها بأنه يقابل السلبيات بالمسامحة عن عمد لا عن غباء او عجز لأنه لو اراد الانتصاف لبادل الجفاء بجفاء وذلك بقوله
ولو أني انتصفت لكان ردي على طاغي جفائك بالجفاء |