قال محمد بن الحنفية يرثي أخاه الحسن
غريب وأكناف الحجاز تحوطه ألا كلّ من تحت التراب غريب |
قلت: تزيد قيمة هذا البيت في حسن توظيف دلالاته ، ألا ترى ذلك في ألفاظ الشاعر في صدر بيته، وبخاصة، ألفاظه : غريب، أكناف، تحوطه فهذه اللفظة الأولى تشير الى حال من الغربة الحقيقية، والوحشة الأكيدة، لم تخصص بتعريف ولم تحدد بمخصوص، وإنما هي صالحة لك رهين بواقع الاغتراب وظروفه، وهذه لفظة أكناف بسعتها وشمولية مدلولها فهي عريضة الرحاب، واسعة الأطراف، وكذا قوله تحوطه، اذ هو رهين ذو فوات، ادركه الموت، ونالته يد المنون فلا حول له ولا قوة.
اندفع حزن هذا الشاعر في رثاء أخيه فوازى ألمه مقدار فراق أخيه، حيث ضمته أرض الحجاز بأكنافها، ومنعرج أحوازها فهو اسيرها ورهين ترابها، وزاد:,,ألا كلّ من تحت التراب غريب .
بلى! كل من مات فات، أيام متتالية وليل موحش متعاقب، ودهور تكرّ وفوات غير راجع، وازن الشاعر بين شطري بيته فبدأ بلفظ غريب في شطره الأول وختم بها في عجزه وكأنه يحقق مفهوم هذه الغربة التي امتلأ جوفها بموت أخيه، ليحمل هماً عريضا لا يزول ولايقصر مده فكأن فقده لأخيه يمثل منبسط أرض الحجاز وتلولها، ولله الأمر كله، وهو العليم الحكيم.