يعتبر العلم والمعرفة من اهم الجوانب المجتمعية التي تركز عليها الامم في تنمية شعوبها والرقي بها، وقد اهتمت حكومة خادم الحرمين الشريفين بالتعليم اهتماما كبيرا لدرجة اننا قد انتقلنا من امية عالية جدا وجدلٍ كبير حول مدى اهمية التعليم الى ان قفزنا والحمد لله الى اعلى مستوى ممكن حتى ان الانسان المنصف يعجز ان يصدق ما حدث من تنمية شبه خيالية وهذا لم ينتج الا من خلال التخطيط السليم للتعليم عبر خطط التنمية الوطنية الجبارة المتوالية وقد شمل الاهتمام والرعاية كل مستويات التعليم ومن بينه التعليم الجامعي وتفعيل دور الجامعات في بناء وتنمية المجتمع من خلال ادوارها ووسائلها المتعددة ومن بين ذلك البحث العلمي وبخاصة البحث التطبيقي الذي يدرس الواقع المعاش ويحاول ان يحلله للوصول الى الوضع الامثل لكل ما يخضع للدراسة من مواضيع وهموم مجتمعية فلا يمكن لاي مجتمع ان يعالج القضايا المجتمعية معالجة ناجعة بدون تسخير الباحثين في تطبيق البحوث التي تقدم التوصيات الفاعلة لمعالجة اي امر يحتاج لتقويم او تطوير,, فهل تسعى جامعاتنا لعمل مثل هذه البحوث والدراسات الميدانية الفعالة وتقديمها للجهات ذات الاهتمام والتي تأخذ بما يمكن تطبيقه وفق الظروف والامكانات المادية والبشرية؟ آمل ذلك ولا يمكننا الاجابة بشكل قاطع بالنفي او الايجاب ولكن من الممكن ان نعترف على اقل تقدير بأن الواقع يظهر الكثير من المعوقات التي من الممكن ان تواجه البحث العلمي ومدى الاستفادة الحقيقية منها بحيث يُقتصر في حالات كثيرة بكل اسف على تنفيذ مثل هذه الدراسات والبحوث والاكتفاء بحفظها على رفوف مغبرة دون الاستفادة منها كما يجب ان يكون, فمن خلال تجربتي البحثية المتواضعة فانني قد مررت بتجارب متميزة استفدت فيها والحمد لله من بعض اساتذتي والذين ما زلت اعتز بالعلاقة الشخصية الجيدة مع البعض منهم الى يومنا هذا الا ان هناك كذلك تجارب سلبية لا يمكن ان تصدق على الاطلاق,, فقد عملت كباحث ميداني لاكثر من بحث تطبيقي ايام دراستي الجامعية في احد اقسام علم الاجتماع في جامعة من جامعاتنا السعودية وكذلك كباحث بعد المرحلة الجامعية في بحوث اخرى فما زالت محفورة في مخيلتي الى يومنا هذا حيث كانت سعادتي غامرة بالمشاركة في مثل هذه البحوث والدراسات الميدانية في المناطق المختلفة من وطني العزيز ولكنني - بكل اسف - لا اعلم هل ظهرت التوصيات الختامية لهذه الدراسات ولا اعرف المصير الحقيقي لمثل هذه البحوث الجبارة التي صرف عليها الكثير من المال والجهد والتي امل ان يكون قد تحقق منها الفائدة والمردود الايجابي المفترض,, ولكن الواقع يقول ان كثيرا من هذه البحوث الميدانية لم يستفد منها كما يجب بل ان مصير معظمها قد اصبحت من المعلقات الاثرية في الاقسام العلمية بل ان الامر قد يتعدى ذلك بحيث وضعت هذه الدراسات والبحوث العلمية في ادراج حديدية مغلقة بالشمع الاحمر ووضع عليها الكثير من التحذيرات غير المبررة لدرجة عدم الاستفاة منها في الجانب العلمي البحت وقد كان لي في هذا المجال تجارب مضحكة ومبكية في نفس الوقت ومن بينها انني كان لدي تطلع في تطبيق دراسة اجتماعية في مجال علم الاجتماع الطبي ايام دراستي الجامعية وقد شجعني على موضوعها استاذ جامعي فاضل وموضوع الدراسة حول دراسة الاسباب الاجتماعية المؤدية للاصابة بمرض السكر,, فكما نعلم ان هناك متغيرات ربما يكون احدها او بعضها او كلها سببا في الاصابة بهذا المرض الذي بدأ ينتشر في وقت معين ومن بين هذه العوامل التي يفترض ان تكون من العوامل التي يمكن ان تكون من اسباب الاصابة بمرض السكر مدى مزاولة الفرد للرياضة من عدمه ونوعية الغذاء والسمنة والعوامل النفسية والجانب الوراثي وطبيعة العمل وغيرها من العوامل المتوقع ان تكون من المتغيرات التي من الممكن ان تكون من بين الاسباب للاصابة بمرض السكر,, وقد كان استاذي الفاضل يشجعني على تطوير فكرة هذا البحث الذي يعتبر ضمن تخصص جديد واستمر يدفعني على تطوير هذا المشروع البحثي ليصبح مخططا لدراسة الماجستير وقد حاولت الحصول على الدراسات الميدانية لطلاب الدراسات العليا والموجودة في قسم الاجتماع في جامعتنا والتي لها علاقة بموضوع البحث حتى تصبح من ضمن الدراسات الميدانية السابقة ولكن المفاجأة التي لا يمكن تصديقها ان الرفض القاطع هو ما ظهرت به بسبب الشمع الاحمر على مثل هذه الدراسات!! كما قد خرجت بتبريرات غير معقولة ولم احصل على اي دراسة ميدانية من القسم رغم انني قد فعلت ما طلبوا مني بالحرف الواحد والتي اشتملت على كل ما يمكن ان تتخيله من معاريض وتوسلات وتوسطات الا اني مع كل ما سبق لم اخرج الا بخفي حنين!! وقد استدعاني الامر الى ان ابحث عن مثل هذه الدراسات الميدانية من بعض الدول العربية المجاورة ومن المخجل حقا ان الكثير من البحوث غير المسموح بالاطلاع عليها في بعض الاقسام في جامعاتنا توجد بشكل ميسر في مجتمعات اخرى الى درجة ان بامكانك الحصول على نسخ منها بوسائل متعددة ومن بينها طلبها عبر الانترنت,, وهنا فاننا نقول بأن الجانب التراكمي هام للغاية في الجانب العلمي والعملي وليس من المنطق ان تبدأ كل دراسة ميدانية من الصفر فلابد من الاهتمام بتراكم العلوم والمعرفة لكي نصل للنتائج المتوخاة من الابحاث,, فهل نعي مثل هذه الحقائق ونعطي للدراسات والبحوث الميدانية الاهتمام الكافي ونستفيد من توصياتها على ارض الواقع ام انها تبقى بين مهب الريح وخلف الشمع الاحمر,, ما نأمله جميعا ان نعطيها حقها من الاهتمام.
والله من وراء القصد والهادي الى سواء السبيل
عبدالله بن ابراهيم المطرودي - واشنطن