الزمن - بقدرة الله - هو نتيجة دورة الأفلاك، والانسان كائن حي يتأثر بعامل الزمن وعامل المكان، لكنّ عامل الزمن هو اشد تأثيرا فيه! والنمو و الطاقة المتفاعلة الصاعدة في كينونة الكائن الحي، وللزمن باذن الله تأثير فعال على هذه الطاقة فهو الذي يعطيها الوقت وهو الذي يحدد لها معاييره.
والانسان طاقة حية متفاعلة نامية داخل عاملين، عامل المكان وعامل الزمان، المكان هذه الارض المتنوعة والتضاريس التي يعيش عليها، والزمان هو الليل والنهار، الفصول الاربعة والسنون التي تتتابع.
والمكان شيء ثابت بالنسبة للإنسان ومسيطر عليه وملموس، ويمكن رؤيته والتعامل معه بدرجة محسوسة ومشاهدة!! لكن الزمن شيء مغيّب عن الانسان لا سيطرة له عليه، ولا قدرة له على ايقافه ولا التدخل في حركته، فهو خارج ارادته تماما، ولا شيء يُري الانسان ضعفه وهزل امكاناته مثل الزمن، فهو الذي بإذن الله يؤكد عجز الانسان ويحدد قدراته!
واذا كانت الارض - بقدرة الله وبديع صنعه - تدور حول نفسها فيتميز الليل والنهار، وتدور حول الشمس فتتميز الفصول، وتجري الشمس بتوابعها السيارة الى مستقر يعلمه رب العالمين، فان كل هذه الحركات المتداخلة تصنع باذن الله الزمن، فهو إذن حركة خارج نطاق قدرة الانسان، وعلى امتداد تاريخ الانسان على الارض كان بامكانه ان ينتقل من مكان الى مكان ومن قارة الى قارة، وان يختار المكان الذي يريده، وان يصنع الموقع الذي يرتضيه، وان يبني كوخا او ان يشيّد ناطحة سحاب.
لكن عامل الزمان بقي مستقرا على نمطه سائرا على دورته، جاريا على جريانه المعتاد، غير عابىء أبداً بالانسان الذي تطويه السنون فيشيخ ويهرم ويموت، لكن الزمن بقي جديدا لا يهرم أبداً!.
وعلى طول تاريخه ذم الانسان الزمان وعابه وهجاه، وهو بلاشك حيلة العاجز وإسقاطاته، ذلك لان الزمن جديد لا يبلى، وحديث لا يقدم والانسان كائن لم يُمنح الخلود على الارض واذا كانت حركة الزمان هي حركة مبنية على السير والعمل فان على الانسان بدلا من اضاعة العمر في ذم الزمن ان يقتدي به فيعمل اكثر ويتحرك اكثر ويستفيد من الفرصة التي يتيحها الزمن للعمل، فانه بهذه الصفة سيحقق لنفسه نجاحا وربحا وتقدماً يجعلانه ينسى مشكلاته النفسية مع الزمن، ذلك لأن التفكير في رصيد ايقاع الزمن هو الذي يزيد من وطأة الزمن، لكن التفكير في ايقاع خطواتنا على صعيد العمل هو الذي يجعلنا نحظى بزمن آخر هو تلك الفترة التي استغرقها العمل وتحقق عبرها ذلك المنجز الذي نعتبره غنيمتنا من الزمن.
عبدالكريم بن صالح الطويان