Thursday 22nd April, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الخميس 6 محرم


قضية للنقاش
الوقوف على خط المواجهة
رضا محمد لاري

يرتكز التفكير على المقومات الشخصية عند الانسان، الفطرية بالعقل والذكاء، والمكتسبة بالتجربة والتعليم وهذا يدعونا الى استخدام عقولنا وذكاءنا، وتوظيف تجربتنا وتعليمنا، لنصل الى معرفة ما يدور من حولنا ضد وجودنا بجرائم الابادة للانسان المسلم في داخل أرض وطنه.
لا يكفي ان نفكر فيما يحدث لنا، وانما لابد ان يهدينا تفكيرنا الى سبل الخلاص من المؤامرة علينا دون انتظار فالفكر السليم سريع في انجازه بما يمتلكه من اضافة الى القدرات المتاحة قدرات جديدة تبدل المفاهيم وتغير الموازين بجعل القوي ضعيفا، والضعيف قويا عن طريق الايمان.
عفوا نحن لا نتغلف بترديد افكار غير قابلة للتطبيق، وانما نعكس شعورا عاما مريرا في الشارع الاسلامي بجناحيه العربي وغير العربي يمكن من خلال التفكير الجاد تحوله الى بركان في وجه المعتدين على الاسلام.
ولما كان التفكير ليس نبتا شيطانيا، وانما هو زرع يسقى بماء زلال تجد منابعه في الدين وروافده في الانسان وتربته في التجربة التاريخية، فان معطيات التفكير الذي نطالب به يجد مصادره في التحول الخطير للانسان العربي من جاهلية التناحر الى فردوس الايمان بعد نزول رسالة السماء على سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نحن في غنى ان نذكر بأن الالتفاف حول الاسلام حوّل الفوضى الى نظام،والعجز الى قدرة، والضعف الى قوة، والخوف الى أمان، حتى اصبحت الفئة القليلة تغلب الفئة الكبيرة في بدر، وحتى اصبح تجار رحلة الشتاء والصيف يصلون الى أركان الدنيا ويقيمون فيها حضارة كبرى تستند الى الاسلام، قدمت للبشرية فكرا انسانيا مؤثرا في حقبة التفوق، وغير مستغنى عنه بين الناس حتى بعد الوصول الى مراحل الأفول التي بدأت في الأندلس بسبب توقف التفكير واللجوء الى اجترار أمجاد الماضي دون فتح قنوات التواصل بين الماضي والحاضر والمستقبل، فضاع علينا الماضي بالنسيان والحاضر بالضعف والمستقبل بالخوف.
المؤامرات الدولية التي نشاهدها اليوم ضد المسلمين تجد جذورها في مؤامرة المسلمين على أنفسهم حتى وصلوا الى الدرك الأسفل من الضعف، وجعلوا غيرهم من الأمم والشعوب تستخف بهم واطاعوهم بالارتباط معهم حتى أصبح العالم الاسلامي عديم الاستقلال بذاته ببحثه عن القوة لنفسه من خلال الارتباط بغيره من قوة عالمية معاصرة، واهملوا الاسلام الذي كان سببا في قوتهم وتفوقهم في الماضي، واحدى الركائز الأساسية في قوة وتفوق غير المسلمين في الحاضر بعد ان اخذوا من الاسلام دون ان ينسبوا له أسباب بنائهم الحضاري المعاصر.
عبر عن هذه الحقيقة بوضوح الرحالة المصري المشهور رفاعة الطهطاوي بعد عودته الى المحروسة القاهرة من مدينة النور باريس بقوله وجدت هناك مسلمين ولم أجد اسلاما للدلالة على ان سبل الحياة عندهم قائمة على المبادىء الاسلامية، على الرغم من عدم ايمانهم بالاسلام.
وقد حذرنا الله سبحانه وتعالى من مغبة الطاعة للمستخفين بالناس بقوله الذي جاء في الآية الرابعة والخمسين من سورة الزخرف (فاستخف قومه فاطاعوه انهم كانوا قوما فاسقين) ولما كان الله سبحانه وتعالى يضرب الأمثال للناس ليتعظوا، ولما كانت أحكام القرآن صالحة لكل زمان ومكان فإن تفكيرنا يجب ان ينصرف اليوم الى التمرد على الدول القوية التي تستخف بالمسلمين، حتى لا نكون من الفاسقين كبني اسرائيل في عصر موسى عليه السلام، حتى لا تكتب علينا مثلهم الذلة والمسكنة، وحتى نحمي أنفسنا من غضب الله علينا.
التمرد على حلف الناتو الذي أخذ يستخف بالمسلمين في كوسوفا باخراجهم من ديارهم وتوطينهم في الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، يفرضه علينا الواجب الديني الذي يأمرنا بعدم طاعة من يستخف بنا ويدفعنا اليه التفكير السليم الذي يدرك أخطار الناتو القوة الضاربة على الدول الضعيفة.
لا تبهرنا الأضواء التي تركز على الجوانب الانسانية من تدخل الناتو ضد عدوان الصرب على مسلمي كوسوفا، لأن الجوانب المظلمة من الصورة يتضح فيها حركة الابادة الجماعية للمسلمين على يد الناتو ليس بالمشاركة فقط في ضرب الاقليم بطائرات الحلف، وانما جاءت ايضا بالفرعة الشامية التي شلت حركة كوسوفا ومكنت بلجراد بانزال الضرب المبرح على أهل هذا الاقليم من المسلمين تعجز كل التقديرات لعدد الضحايا عن الوصول الى عدد من اغتالتهم آلة الحرب الصربية وطيران حلف شمال الاطلنطي، ولكن ذلك لا يمنع من القول بأن عدد الضحايا من مسلمي كوسوفا يصلون على أقل تقدير الى عشرات الألوف من المسلمين والى مئات الألوف من المشردين خارج أرض وطنهم.
دعوني أقول لكم بعض الحقائق عن اقليم كوسوفا الذي يدور عدد سكانه حول المليون نسمة منهم 10% فقط من محتد صربي غير مسلم مما يجعل عددهم يدور حول المائة ألف نسمة، والعدوان الذي قامت به بلجراد يستهدف تبديل التركيبة السكانية في هذا الاقليم فتهجير المسلمين الى خارجه وتهجير المسيحيين الارثوذكس الى داخله استنادا الى منطق عقيم يقرر ان بريشتينا عاصمة الاقليم هي أرض مقدسة عند المسيحيين الأرثوذكس ولا يقبل ان تكون هذه الأرض المقدسة تحت امرة المسلمين الذين جاءوا اليها بالفتح العثماني لها قبل مئات السنين.
هذا الدافع الديني الذي يرفعه سلوبودان ميلوسيفيتش جعل الجنرال اركان يخرج من مخبأة كصاحب بقالة في بلجراد ليقود عصابات الميليشيات والتي أخذت تهاجم اقليم كوسوفا تقتل الرجال وتستحي النساء وتسحب من الأطفال والشيوخ هوية الانتماء الى الاقليم لتطردهم منه بلا رجعة اليه أما الخوف على النفس والعرض وإما بانعدام دلالة الانتماء اليه.
أقول لكم ان ما يحدث اليوم في كوسوفا هو حرب صليبية ضد المسلمين في نهاية القرن العشرين، وان الجنرال أركان المجرم المطلوب مثوله أمام العدالة الدولية لمحاسبته على جرائمه في حرب البوسنة والهرسك يقوم اليوم بدور ريتشارد قلب الأسد في الحروب الصليبية السابقة قبل مئات السنين التي كانت تستهدف اخضاع المسلمين وديارهم لسطوة نفوذ الكنيسة الكاثوليكية في روما، وتستهدف اليوم الحرب الصليبية الجديدة اخضاع المسلمين وديارهم في أوروبا الى سطوة نفوذ الكنيسة الشرقية في موسكو.
من الغباء وضحالة التفكير ان نتصور وقوف أوروبا وأمريكا الى جانب المسلمين لحماية أرواحهم وأوطانهم في أوروبا الشرقية أرض البلقان لأنهم جميعا يتوجسون خيفة من الفكر الاسلامي فأخذوا يحاربونه بالصاق العمل الارهابي به ليعطوا لأنفسهم بهذا الأفك الحق في محاربته والقضاء على طرحه الفكري الذي استقطب دخول العديد من المسيحيين في دين الله أفواجا، والتزامهم بأحكامه دون الخروج من ملتهم باعتباره فكرا انسانيا راقيا يجد الحلول لكل المشاكل المعاصرة القائمة على الأرض.
اذا نظرنا الى ما يحدث في كوسوفا من زاوية أخرى لوجدنا بها ملامح واضحة لما حدث في فلسطين على يد العصابات اليهودية بمؤازرة العالم الذي مثله في تلك الحقبة بريطانيا العظمى التي لا تغيب الشمس عن أراضيها، ويحلو لنا تسميتها اليوم بريطانيا الصغرى التي لا تشرق الشمس على أراضيها.
يبدو ان حلف الناتو اليوم يقوم بدور بريطانيا بالأمس بوقوفه الى جانب التقسيم لاقليم كوسوفا بصورة مجحفة عن طريق اعطاء الجزء الغربي الشمالي للصرب وهو الاقليم الغني بالتجمعات الصناعية والثروة المعدنية، واعطاء الجزء الشرقي الجنوبي الفقير الى السكان المسلمين الاصليين في اقليم كوسوفا.
لا نجافي الحقيقة لو قلنا بأن حلف الناتو استفاد من تجربة الاستعمار الاستيطاني اليهودي في فلسطين بدليل فتحه لأبواب الهجرة للفارين من كوسوفا الى أوروبا وأمريكا للاستيطان بهما تجنبا لتكرار حالة اللاجئين في المخيمات.
غلف دعاة الهجرة الى أوروبا وأمريكا دعوتهم بالسوليفان الانساني بينما هو في حقيقته عمل عدواني يرمي الى تصفية سكان كوسوفا عن طريق ابعادهم عن أرض الوطن من خلال اعطائهم هوية جديدة تربطهم بأرض بعيدة وأناس لا ينتمون اليهم،فيغيب بذلك الطلب في العودة الى أرض الوطن، وتفتح لاستقبال مواطنين جدد من الصرب يبدلون هوية الأرض الاسلامية الى الهوية المسيحية تماما كما بدلت هوية الأرض العربية الى الهوية الاسرائيلية في داخل فلسطين.
دعونا نفكر سويا لنهتدي الى السبل التي تصد العدوان الصربي على المسلمين في كوسوفا، بشهر السلاح في وجه المعتدين بتسليح المهجرين ليحاربوا في سبيل استرجاع وطنهم المسلوب، وبفتح الحوار مع العالم بمنطق وعقلانية لاقناعه بحق المسلمين في الأرض التي أخرجوا منها.
محورا العمل بالسلاح القوي في ميدان القتال، والكلام المقنع في ميدان الجدال، يعطيان المسلمين الحركة التي تفتح طريق العودة الى أرض الوطن كوسوفا، بدلا من الثبات بلا قتال أو جدال الذي اغلق طريق العودة الى أرض الوطن فلسطين.
أطالب الاسراع في فرض الوجود الاسلامي الواعي على خط المواجهة مع المؤامرة الدولية حفاظا على النفس والأرض والأجيال المسلمة الصاعدة.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved