قراءة لواقع اجتماعي د, فهد حمد المغلوث |
إذا كان الانسان منا ليس سويا بمفهوم السواء المجرد، واذا كان ليس كاملا بمفهوم الكمال الشامل، فهو من باب اولى ليس بمنأى عن المشكلات التي تقتحم عليه حياته دون سابق انذار، ليس بمنأى عن ألسنة الناس المغرضة التي لا ترحم دون ان تتأكد بنفسها عن صحة ما تسمعه، وليس بمنأى عن حقد الاخرين له وتطاولهم عليه.
واذا كان الانسان منا ليس بهذه الصورة من السواء والكمال، فإنه عرضة لكل التوقعات والمفاجآت وما لم يكن واعيا لمثل هذه الامور ومهيأ لمثل هذه التوقعات والمفاجآت فإنه سوف يتعب كثيرا وتتأثر نفسيته ويصبح كل شيء عنده سواء, وهذا اشد ما نخشاه لأنها بداية مرحلة التشاؤمية والسوداوية التي نتمنى الا نصل اليها في يوم ما لأن الشعور بالالم والمعاناة والقهر والظلم شيء قاس جدا على النفس ويصعب تصوره او مجرد تخيله ولو للحظات!
ان كلا منا يتعرض للمشكلات بكافة انواعها ودرجاتها في كل يوم وبنسب متفاوتة ولكن الاهم هو كيف ننظر لتلك المشكلة في نهاية المطاف؟ فالمشكلة هي المشكلة طبعا لا يمكن تغيير اسمها، ولكن يمكن تغيير مفهومها بالنسبة لنا، وهذا التغيير في المفهوم لا نستطيع تغييره في بداية احساسنا بالمشكلة، اي في المرحلة الاولى منها وفي ذروة صدمتنا بها وقوة تأثيرها علينا, ولكننا نستطيع تغيير مفهوم تلك النظرة بعد مرور فترة قصيرة عليها ربما بعد ايام مثلا.
وحتى هذا التغيير في مفهومنا الايجابي للمشكلة لا يمكن ان يكون مؤثرا وعمليا ما لم نهيئ الاجواء المناسبة لذلك وما لم يكن لدينا العزيمة الاكيدة لتغيير تلك النظرة الضيقة والقاصرة للمشكلة وما لم يكن حولنا اناس يقفون بجانبنا ويشدون من ازرنا ويضعون ايديهم في ايدينا.
وهذا الكلام صحيح الى حد بعيد، ولكن ماذا لو لم تتوفر الاجواء المناسبة ولم يهيئها لنا غيرنا وماذا لو لم يكن حولنا من يشعرنا بأنه معنا وبجانبنا؟ ترى كيف نتصرف؟ هل ننتظر لمجيء مثل هذا الانسان؟ والى متى؟ واذا لم يكن موجودا في حياتنا اصلا فماذا نعمل؟
ان الحاضر الذي نعيشه مرتبط بالماضي الذي ربما نعاني من صدماته وخبراته السيئة التي بدورها تجعلنا في حالة قلق وخوف من المستقبل, وتوقف نمو تفاعلنا او تغير نمط حياتنا,, مرتبط بكثير من النعوت والصفات التي يكون مصدرها اربع جمل مرضيّة تصدق بها انت كما يشير الى ذلك صاحب كتاب مواطن الضعف لديك وهذه الاربع المرضية هي:
1- هذا هو انا.
2- انا دائما كذلك.
3- لا استطيع ان اغير اي شيء من ذلك.
4- هذه هي طبيعتي.
وهذه الاربع جمل قد تكون صغيرة كما هو ملاحظ ولكن تأثيراتها السلبية علينا اكثر مما نتوقع! فبعض الاشخاص حينما يسأل عن سبب تصرفه السيء السلبي مثلا امام اي موقف يعرضه يقول لك هكذا انا او (هذه هي طبيعتي) وربما يستخدم كل الجمل المذكورة لتبرير القيام بعمل ما ولو تأملنا في اجابته او رده لوجدنا انهما اعتراف مسبق منه بأنه من الاستحالة ان يتغير للافضل او انه ليس عنده حتى مجرد التفكير في ذلك او انه ليس لديه الرغبة في مناقشتها اصلا!
وللتخلص من الماضي الذي الصق بك على شكل صفات مثلا فهناك خطوات عملية ومفيدة لا نريد التطرق اليها والخوض فيها لأنها ليست موضوعنا الاصلي ولكن من الضروري التنبه لتأثيراتها علينا وربما اتينا عليها في وقت آخر.
ومثال آخر يجبرك على ان تغير مفهومك للمشكلة هو ثقتك بنفسك وصدقك معها، فأحيانا قد تشتكي من مضايقة الاخرين لك بشكل لا تستطيع تحمله وقد تتخذ قرارات مجحفة بحق نفسك وتسيء اليك انت قبل ان تسيء الى غيرك دون ان تشعر وهذا ما يريدك الاخرون ان تقوم به كي يتخلصوا منك او على الاقل يبعدوك عنهم او ينتقموا منك باساليب اخرى عن طريق مواطن الضعف لديك او من خلال اقرب الناس اليك.
بل قد تشعر بفتور في العلاقة بينك وبينهم لدرجة انهم لا يبادولونك الفرحة بالشيء الذي لديك وشاهدوه معك, هذا ان لم يئدوا تلك الفرحة في مهدها بنظرات مغرضة او عبارات جارحة او اهمال ولا مبالاة وهنا كيف تتصرف؟ هل تذهب لغرفتك وتغلق عليك بابها وتجهش بالبكاء؟ من حقك ذلك طبعا بل احيانا يعتبر هذا التصرف مفيدا طالما انه يريحك لفترة معينة ولكن هل هو الحل الامثل؟ هل سوف تقوم بذلك مع كل تصرف من هذه الشاكلة والى متى؟ وهل ستظل حياتك بهذه السلبية؟ لابد من مواجهة الموقف ومواجهتهم، وابسط صور المواجهة تلك معاملتهم بالمثل حينما يتكرر منهم هذا السلوك بشكل مزعج ومؤلم لك!! ولكن قبل ان تقوم بهذا الرد تأكد من استنزاف بقية الحلول الاخرى معهم ولا يعني معاملتك لهم ان تبادلهم نفس الاساليب الدنيئة الرخيصة فأنت ارقى من ذلك بكثير ولكن المقصود هنا ان تتجاهلهم وتشعرهم بأنك اكبر بكثير من مستوى تفكيرهم واسلوب تعاملهم.
ان حياتنا بما فيها من رغبات واحلام وطموحات وحتى السعادة مرهونة بعد الله سبحانه وتعالى بكيفية تفكيرنا للامور والاشياء والاشخاص المحيطين بنا ونظرتنا اليها واليهم وكيفية تفاعلنا وتعاملنا معها ومعهم، ودعوني لو سمحتم ابسط الموضوع اكثر وبشكل اوضح, ان ابسط شيء يملكه الانسان منا هو تلك الرغبات والاحلام والطموحات والاماني، ولا يستطيع احد منعه منها او مصادرتها لأنها حق من حقوقه ولكن ما يحدث اننا - انا وانت وهو وهي - نحرم انفسنا من تلك الرغبات والاحلام والطموحات والاماني لمجرد شعورنا او احساسنا ان هناك من يضيّق علينا الخناق لعدم التفكير بها لاننا اقل من ان نفكر بها او اننا لا نستحقها او لاننا مررنا بتجربة او اكثر جعلتنا نستبعد شيئا اسمه رغبة او حلم او طموح او امنية مهما كان مشروعا وحقا من حقوقنا، لأن ما نريده هو ان نعيش في هدوء بعيدا عن الاماكن التي تعودنا العيش فيها وعن الاجواء الملبدة بالمشاحنات والمملوءة بالمشكلات التي لا تنتهي ولا يبدو ان لها نهاية.
بل الاكثر من ذلك اننا قد نحرّم على انفسنا ما اباحه الله لنا في كل امور الحياة اما خوفا من ألسنة الاخرين او نقدهم لنا او التفكير في عواقب ونتائج مبالغ فيها.
وهكذا فإن مستوى تفكيرنا في المشكلة ونظراتنا اليها يعوق من حلنا لها وتعاملنا معها بشكل ايجابي وعملي.
ومقاييس التفكير في المشكلة التي تحدثنا عنها مهما كان نوعها او حجمها تختلف من عقلية لاخرى، ولكنها يجب ان تكون موجودة ومنها على سبيل المثال هل ما نواجهه او نخاف منه او نتحدث عنه هو مشكلة بالفعل؟ وهل تهمني انا شخصيا وانا المعني الاول بها؟ ام انها تهم غيري؟ واذا كانت تهم غيري فمن هم هؤلاء الغير؟ وما مدى علاقتي بهم؟ فما يحدث اننا في كثير من الاحيان والمواقف نحرق اعصابنا ونتلفها في مشاكل ليست لنا اصلا ولا تعنينا ولكننا نجد انفسنا متورطين فيها بشكل او بآخر.
والامر الاخر كأحد مقاييس التفكير في المشكلة هل التوقيت في اتخاذ قرار بحل المشكلة: او مواجهتها مناسب الان؟ وما حجم تأثيرات الحلول المتخذة بالنسبة لحجم المشكلة العام, والاهم من ذلك كله هل يستحق كل شخص تربطني به مشكلة مهما كانت بسيطة ان ارد عليه واعطيه اكبر من حجمه الذي يستحق؟
واعتقد انه من الضروري جدا الاجابة على مثل تلك التساؤلات وغيرها في بداية المشكلة كي تتسع دائرة فهمنا للمشكلة وتتضح ابعادها المختلفة لنا.
اذن فالمشكلات التي تواجهها من حين لاخر والحالة المتعبة التي وصلت اليها الان يمكن ان تكون بمثابة نوافذ مشرعة نرى من خلالها حقيقة ما حولنا ونعرف من خلالها حقيقة من هو معنا او ضدنا, بل اننا نعرف من خلالها حقيقة انفسنا وكيف نفكر, ما هي مقاييس التفكير لدينا؟ ما هو اسلوب التعامل الذي نتعامل به مع غيرنا؟
وما هي حدود تقبلنا لافكار وآراء الاخرين مهما كانت جارحة بحقنا؟
والشيء الآخر والذي هو على درجة كبيرة من الاهمية هو ان نظرتنا للمشكلات غالبا ما تكون مرتبطة وإلى حد كبير بنظرة اولئك المتضررين منها والذين قد يكونون اقرب الناس الينا من حيث صلة القرابة مثلا بمعنى انها حتى لو لم تكن مشكلة فإنني سوف اعتبرها كذلك لان قريبي يراها كذلك ايضا, ومن هنا تكون الحلول غير موضوعية ومتحيزة لانني متعاطف معه وبجانبه ليس عاطفيا فحسب ولكن حتى في مستوى تفكيره للمشكلة وتعريفه لها وتشخيصه لابعادها واصراره على وجود او اتخاذ حلول محددة تتفق مع ميوله وتفكيره ورغباته حتى لو كانت غير منطقية في نظري ولا تخدم المشكلة على المدى الطويل.
واذا كان الوضع كذلك فلا غرابة اذن ان تتغير خطواتنا نحو ايجاد علاج ناجع وعملي او ان يكون لدينا علاج مؤقت او مفروض على الطرف الاخر مثلا ايا كان هذا الطرف.
قد يكون ما نتحدث عنه امرا فلسفيا في نظر البعض ولكنها نظرة تحليلية اجتماعية فاحصة لماهية ما يدور حولنا من قضايا وطريقة تعاملنا معها واسلوب حلنا لها.
قد نختلف في نظرتنا للامور والمشكلة ولكننا من المؤكد نتفق ان اسلوب حياتنا بحاجة لمعالجة حضارية شاملة تتناسب مع العصر الذي نعيش فيه والقرن الذي نحن مقبلون عليه.
|
|
|