أخيراً قدّم المدرب الوطني خليل الزياني استقالته من تدريب فريق الهلال عقب خسارته المباراة النهائية على كأس سمو ولي العهد.
او,, أقيل.
او انهم طلبوا منه ذلك.
لافرق,, فقد تعددت الاساليب والاستقالة واحدة!
فأراح الزياني واستراح، وكان لابد لليل الطويل ان ينجلي، بعد ان فرض أبغض الحلال -كرويا- ان جازت التسمية- نفسه كحل وحيد لاخيار معه.
وهو خيار وحيد يفرض نفسه في كثير من الاحيان وفي الحالات المشابهة,, مهما كانت قدرات وامكانات اطراف العملية الثلاثة.
ولأنه من الصعب التضحية بالفريق,, او بالادارة,.
ولأن المدرب (فرد),, ومن السهل البحث عن بديل,, وهو في الواجهة,, دائماً فعادة مايكون هو الضحية!
وعموماً فليست هذه حالة هلالية,, ولكنها عامة في معظم او كل الاندية,, والمنتخبات,, حتى الاندية العالمية,, والمنتخبات ذات الاسم الكبير والتاريخ العريق في كرة القدم تلجأ لمثل هذه الاساليب,, وهذه احدى طرق التعبير عما في النفس.
ومعروف انه في الاعلام هناك ثلاث عمليات معروفة يدافع الانسان من خلال استخدامه لها عما في نفسيته وهي:
-التعرض الانتقائي.
-الفهم (الاستيعاب) الانتقائي.
-التذكر الانتقائي.
وهي سلسلة فكرية مترابطة,, او عملية فكرية يقوم بها لحماية مبادئه.
ومنها ننطلق الى ان هناك طرقا للتعبير اي يعبر بها الشخص عما في نفسه,, اهمها اربع:
-التبرير
-الابدال.
-التعويض.
-الانسلال او الاسقاط.
وما يهمنا هنا هو الثانية اي (طريقة الابدال) وتعني( الاجتهاد في الحصول على رغبة ما بدلاً من رغبة اخرى فشل في الحصول عليها قبل ذلك) ومثاله: الفوضى والشغب الذي يحدث من بعض الجماهير عند الخسارة,, او انهاء عقد مدرب الفريق.
اي ان المقصود هو تحويل وسخط غضب الجمهور على الفريق في حالة خسارته الى سخط على المدرب او الفريق الآخر.
كما يحصل في كثير من الاندية,, او كما حصل في مباراة الاهلي والزمالك الاخيره في الدوري المصري.
وثمة اندية قد لاتلجأ لهذا او ذاك,, ولكنها تتجه الى لوم التحكيم وان كانت هذه تندرج احيانا تحت (الانسلال او الاسقاط) وهي (تبرئة النفس من اعمال صدرت عنها ونسبتها للغير).
عموماً لا أود ان اطيل لان الحديث عن هذا الجانب يحتاج لمقال مستقل,, فهو شائق وجذاب وخصوصا مع طرح امثلة حية من الواقع، لكنني اعود الى الموضوع المهم,,وما بدأنا به المقال.
فقد انتهى عقد الزياني,, وحضر البديل وهو المدرب البرازيلي لوري ساندري,, وتم ذلك كله في زمن قياسي لايكاد نصفه يكفي لوري لترتيب اموره الشخصية والحضور عبر رحلة طويله يحتاج بعدها لمدة مشابهة من الراحه اذا كان ممن لاينامون في الطائرة!
وحتى لايغضب الهلاليون ويرمونني بما انا منه براء,, فإنني اقول: انه بصورة عامة لا اعتقد ان مدربا يحترم نفسه وتاريخه يرضى ان يتحمل مسئولية كهذه,, في زمن كهذا,, لفترة محدودة كهذه!!
استثني حالتين:
-اما ان يكون المدرب على ثقة كاملة بقدراته وامكاناته مبنية على معرفة دقيقة بحال الفريق والفرق المنافسة من خلال متابعة عن كثب لاتستند على الاشرطة وآراء الآخرين.
- او ان يحضر حاملا شعار (المجتهد فإن اصاب فله اجران وان اخطأ فله اجر واحد).
وهذا يعني انه لو حقق الهدف الذي يتطلع اليه النادي,, فهو صاحب الفضل,, وان لم يتحقق فهو بريء منه! وفي كلا الحالين يظل المستفيد الوحيد.
ولو افترضنا ان فاز الهلال بالكأس على يد لوري ساندري,, فإن الذي علينا ان ندركه من وجهة نظر شخصية,, ان هذا الفوز لم يأت بسبب التعاقد مع لوري,, بقدر ماجاء بسبب انهاء عقد الزياني!
ان ما سيحدث في الفترة القادمة هو نوع من التحدي مع الذات بالنسبة للهلاليين لاثبات شيء ما,,! اكثر مما هو نوع من الانقلاب الفني في تركيبة الفريق واسلوبه وطريقته.
لست هنا في مجال الدفاع عن (ابي ابراهيم) ولا أتحفظ او اعترض علىقرار الاستغناء عن خدماته بل انني من المؤيدين لهذا القرار في ظل هذه الظروف ولان مصلحة الجميع ومصلحة الهلاليين هي في هذا القرار.
واعتقد ان الخطأ الذي ارتكبه خليل واظن انه يدرك ذلك ونادم عليه انه لم يتخذ مثل هذا القرار في وقت مبكر,, خصوصا بعد نهائيات آسيا في العين بعد ان اتضح ان هناك خللا ما يعيق الانسجام بين الاطراف المعنية,, خاصة بينه وبين اللاعبين.
واذا كانت الادارة الهلالية قد اخطأت في نظر البعض في تعاقدها مع الزياني,, او في تأخرها في اتخاذ قرار ما حتى وصلت الامور الى ماوصلت اليه,, فإنني اعتقد ان الخطأ الاكبر والحقيقي هو في ان التعاقد مع خليل كان قراراً فردياً.
ان الزياني ليس مدربا عالميا (وارجو ان يفهم مقصدي الدقيق من هذا المصطلح),, ومن ثم كان المفترض استشارة (مراكز القوى) ان صح التعبير في النادي قبل الاقدام على خطوة كهذه كان المفترض اخذ رأي اللاعبين الكبار في الفريق لاشراكهم في مسئولية قرار كهذا.
هذا اولاً.
واخطأت ثانيا بان قدمت له فريق عمل (معلب)! دون اخذ رأيه.
واخطأت ثالثا,, في عدم حمايته واعني المساعدة في فرض احترامه وشخصيته على اللاعبين.
والاولى تتحملها الادارة، والثانية خليل سواء في عدم اشتراطه لمساعديه,, او فريق عمله,, اوفي موافقته ان كانت الادارة عرضت عليه ذلك.
اما الثالثة فالخطأ مشترك,, وجزئية الزياني التي يتحملها في عدم ابتعاده لتبرئة ساحته,, او فرض احترامه وشخصيته اذا ما ارادوا استمراره.
ان المشكلة -سادتي الكرام- ليست في المدرب,, ايا كان هذا المدرب,, ولكن في تهيئة المناخ المناسب الذي يعينه على اداء عمله.
واذا كان البعض يرى ان الزياني لن ينجح حتى لو لعب معه ابرز نجوم العالم,, فإنني -وانا اعز واقدر اصحاب هذا الرأي كوجهة نظر شخصية- اقول,, انه حتى لو تم تشكيل هيئة استشارية من كبار مدربي العالم فلن تنجح مع الهلال اوغيره,, مالم يتم توفير الغطاء القانوني لها واعني توفير عوامل النجاح واهمها فرض احترامها على اللاعب,.
لان اللاعب الذي يستهتر بالتمارين,, ويلجأ الى الضرب,.
والذي يفقد اعصابه رغم خبرته الطويلة في الملاعب,, ورغم ما تعوله عليه الجماهير من مسئولية.
واللاعب الذي يقدم مصالحه الشخصية على مصلحة النادي وهو في احلك الظروف.
واللاعب الذي يتخلى عن المسئولية ويتخوف من المشاركة,.
والذي لاينفذ تعليمات المدرب.
كل هؤلاء,, خاصة الاخيرة لن تجدي مع اي مدرب مهما كانت قدراته وامكاناته,, وما عهد (يوزيك) عنا ببعيد.
ذلك المدرب الذي يتفق الجميع على انه افضل مدرب مرَّ على الهلال.
قدم الهلال في عهده كرة راقية متوازنة وولج مرماه اقل عدد من الاهداف.
فاز على الرياض وقد طرد الحكم منه اثنين مؤثرين وامام الاتحاد وقد طرد منه ليتانا.
وفرض احترامه على الجميع في مباراته امام الاهلي المصري على استاد القاهرة امام مائة الف متفرج وخرج على يد الحكم جمال الشريف.
ذلك المدرب,, تحوّل بين عشية وضحاها الى عاجز عن الاستمرار بعد ان اصبح الفريق يتخبط في مستواه! وكان لابد ان يرحل دون دراسة عميقة لاسباب ذلك,, وبتر المشكلة من جذورها.
ان قصة خليل مع الهلال تذكرني بذلك المدرس الذي عينوه معلما لصف من ثالث متوسط كله من كبار السن الذين اعادوا عدة مرات وينتظرون التخرج بأي وسيلة للالتحاق بأحد المعاهد الفنية,, وطلبت منه الادارة مهادنتهم لسبب او لآخر.
حاول تطبيق اساليب التربية الحديثة فلم تجد,,، وفكر في رفع العصا فلم يقدر,, وحتى عريف الفصل لم يكن معينا له,, لا يكتب اسماء المشاغبين على السبورة,,!! ولا,,! فهو جزء منهم على طريقة بهجت الاباصيري في مدرسة المشاغبين.
واذا كان خليل اخطأ في المباراة الاخيرة على الكأس,, وهي القشة التي قصمت ظهر البعير,, في عدم دخوله بتشكيلة مثالية او عدم تقديره لظروف واجواء المباراة,, فإن كل مدرب معرض لمثل ذلك,, ثم لاننسى ان الفريق المقابل ليس فريقا عاديا,, ولاننسى اسباب فوز الفريق المقابل وابرزها نجاحه في ادارة المباراة,, وتكييف الظروف لصالحه,, عكس الهلال الذي ذهب اليها عريسا محفوفا بالدفوف والمزامير,, لدرجة نسوا معها بعض الامور والاغراض الاساسية للرحلة في الرياض! ربما لانهم كانوا مشغولين بالترتيب للزفة!
واذا كان خليل اخطأ,, فهذا لايعني تجريده من كل قدراته وامكاناته كما يفعل البعض الآن,, فخليل هو الذي اوصل الهلال هذا الموسم لرقم قياسي لم يصل اليه من قبل,, وقدم في عهده كرة راقية في كثير من المباريات.
واذا كان ذلك اجتهادا من اللاعبين كما يسميه البعض,, فأين اجتهاد هؤلاء في مباراة الحسم؟!.
خليل حقق مع المنتخب انتصارين لايمكن نسيانهما وبينهما اخفاق في لوس انجلس لم يمنع من الانتصار الثاني مما يلغي الصدفة ودورها عن الاول.
وخليل حقق مع الاتفاق انتصارين بينهما رحلته مع المنتخب,, وتوج الانتصارين المحليين بانتصارات خارجية.
وخليل حقق مع القادسية وهو فريق لم يكن يحلم ببطولة محلية، انتصاراً محلياً,, أوصله للقمة الآسيوية.
ولايمكن ان تأتي كل هذه الانجازات من فراغ,, لكن الوضع كان مختلفا.
في المنتخب هناك نوعية معينة من اللاعبين في ذلك الوقت مدركة لمسئوليتها,, ومعها ادارة حازمة.
وفي الاتفاق والقادسية,, فإن التقدير الشخصي لخليل,, والنظرة اليه تفرض احترامه.
اما الهلال فالوضع يختلف، وقد يكون خليل اخطأ التقدير في نظرته لهؤلاء اللاعبين وتقديره لنوعية العمل معهم,.
لقد قلت في مقال كتبته بعد التعاقد مع خليل,, وقلت لبعض المقربين,, ان جميع الظروف مهيأة لينجح خليل,!! ولكن اخشى عليه من ظروف لم يعمل لها حسابا او ممن لايعينه على النجاح.
وعندما تعاقد الهلال مع خليل الزياني احدث ذلك ضجة كبرى,.
وصفه البعض بأنه (صفقة العصر) وآخرون ب(ضربة معلم),, وما الى ذلك,, وذهب آخرون الى امتداح الهلال وان ذلك يأتي في سياق (السعودة).
ومالبث بعض هؤلاء ان تحولت مفاهيمهم بمقدار 180 درجة,, (وإذا طاح الجمل كثرت السكاكين),, وهذه مشكلة كثير من الصحفيين للاسف في تعاملهم مع الاحداث والوقائعمرة اخرى,, انني لا أدافع عن خليل فهو ليس بحاجة لذلك.
ولا ابرئه من الخطأ فهو بشر.
ولكنني فقط اطلب ان نتعامل مع الأمور بالمنطق وبنظرة واقعية.
وعلى الهلاليين ان يدركوا ان القضية ليست قضية مدرب فقط,.
وغير الهلاليين ايضا,, ولكن الموضوع اكبر من ذلك.
والمهم هو البحث عن مواطن الخلل,, واصلاحه من جذوره,,اما (الترقيع) و (الطلاء الخارجي) فكلها امور لاتلبث ان تكشف المستور,, ولايمكن ان تصلح الوضع على المدى البعيد,!
والله من وراء القصد
عبد الله الضويحي