Wednesday 21st April, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الاربعاء 5 محرم


محطات من مفكرة العمر
لنجعل منهجنا الاحتساب في كل أمر

عزيزتي الجزيرة:
نظرت في أمس فإذا هو يوم من عام 1419ه وفي غدٍ فإذا به يوم من عام 1420ه وإذا باليوم الذي أكتب فيه فإذا هو يودع عاما ويستقبل عاما، وتأملت في عامي المسافر فإذا هو يحمل بين جوانحه آلاما وآمالا وأحلاما وحزنا وفرحا وسعادة ونكداً وراحة وتعباً، وكل ذلك لا أشعر منه الساعة بشيء ولا أذكر لذته ولا ألمه إلا طيف من خيال.
ثم انقضت تلك السنون وأهلها
فكأنها وكأنهم أحلام
وتأملت عامي القادم وهو يحمل لي كل جديد او لا يحمل شيئا فلا ادري كم اعيش منه ولو قيل لي اني سأعاني فيه ما لا أطيقه لما وجدت من ذلك الالم شيئا هذه الساعة إذن فهي ساعة من نهار، لذلك فإن المجرمين يوم الساعة يقسمون ما لبثوا غير ساعة (ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة) وصدق الله تعالى (كأنهم لم يلبثوا إلا ساعة من نهار).
قال أحد المعتوهين لجماعة من العقلاء متى تشعرون بلذة النوم فقال احدهم قبل ان ننام فقال وهل يشعر الانسان بالشيء قبل ان يحصل فقال آخر بعد ان استيقظ فقال المعتوه وكيف تتلذذ بشيء قد انقضى فقال ثالث: وأنا نائم فرد المعتوه وهل يشعر النائم بشيء فقالوا: ما هذا بمعتوه.
ما الدهر إلا ليلة ويوم
والعيش إلا يقظة ونوم
يعيش قوم ويموت قوم
والدهر قاضٍ ما عليه لوم
كم مات في هذا العام وكم ولد ولا أحد يشعر إلا بما يمسه من فرح وترح!
كم شُيّعت من جنائز حملت على الاكتاف ووريت في التراب ولو ردت إلى الحياة لكان لها فيها شأن آخر وكم عزينا من اناس في أحبابهم ثم خرجنا إلى حياتنا كأن ليس يأتينا يومنا أبداً.
خليلي كم من ميت قد حضرته
ولكنني لم انتفع بحضوري
وكم من ليال قد ارتنى عجائبا
لهن وأيام خلت وشهور
وكم من سنين قد طوتني كثيرة
وكم من امور قد جرت وأمور
ومن لم يزده السن ما عاش عبرة
فذاك الذي لا يستنير بنور
أيام تترى يطوى بعضها بعضا ويشيع اولها آخرها ويطلب ليلها نهارها حثيثا.
دهر يشنع سبته أحده
متتابع ما ينقضي أمده
والحال من سعد يساعدنا
طورا، ونحس معقب نكده
يوم بكينا وآونة
يوم يبكينا عليه غده
نبكي على زمن ومن زمن
فبكاؤنا موصولة مُدده
ونرى مكارهنا مخلدة
والعمر يذهب فانياً عدده
فليس يستقر لنا حال ولا يستقر لاحد غيرنا.
تأتي ليال مسفرات ببدرها
وتعقبها اخرى ظلام حوالكا
وصدق الله إذ يقول: (وتلك الأيام نداولها بين الناس), جاء فلان وذهب فلان، ومرض فلان، وولد فلان ودفن فلان,.
والحقيقة التي لا مراء فيها انه يقال مات فلان كل يوم بل كل ساعة فيا من كانت ساعته تلك! ماذا لو عدلت عنك الى غيرك,, ها هي قد عدلت عن غيرك لك!
ماذا أنت صانع!
كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها او موبقها إن حادي الموت وراءنا كظلنا إن قمنا قام وإن قعدنا قعد وإن جرينا جرى فمتى نخلص منه؟ حين يكون الزوال!
التاريخ بالهجرة
كنا في شهر محرم في بلد غربة جمعت بيننا وبين بعض الاخوات من جنسيات مختلفة,, وفي لقاء أخوي مسائي تساءلت جارتنا وكانت تنوي صيام (تاسوعاء وعاشوراء): متى سيكون عاشوراء يوم ستة عشر او خمسة عشر؟
أدركت ان صاحبتي تؤرّخ بالميلادي ولا تعرف الهجري, فعاجلت بالاجابة: لا هو خمسة عشر ولا ستة عشر هو تسعة وعشرة!
ضحك الجميع وأدركوا المراد.
وحينها احببت ان اغتنم الفرصة لأبين لها خطر نسيان التاريخ الهجري وخطر الاعتماد على التاريخ الميلادي فحسب,, مستشهدة بهذه الحادثة فنحن نصوم رمضان, ونحج في شهر الحج ونصوم عرفة وهو التاسع من ذي الحجة ولنا شعائر في شعبان، شوال، ولنا مواسم نعرفها بالتاريخ الهجري فيا ترى إذا نسينا الهجرة وتاريخها وأشهرها القمرية وعرفنا يناير وفبراير ومارس,, نصوم الرابع عشر أو السادس او العشرين من ابريل ثم بعد عام يكون صيامنا في يوم آخر وشهر آخر وصوم رمضان كل عام له شهر مختلف,, فأي رابط يربطنا بتلك الشعائر وبماذا نحدث اولادنا وكيف نقنعهم!
ان عمر بن الخطاب نظر فإذا بالهجرة انتقال من دار الذل إلى دار العز ومن دار الضعف والمهانة إلى دار النصرة والقوة وما هي إلا الهجرة حتى قويت الشوكة وغيّر الله الحال فكان الصوم في السنة الثانية من الهجرة والفتح في السنة العاشرة وهكذا ارتبطت احداث بتاريخ إذا نسيت تلك الاحداث، ونسيت معها شعائر كثيرة وبقينا في ثوب لم يفصّل لنا وتركنا ما فصّل لنا ظناً منا ان عدونا الذي غلبنا انما غلبنا بثوبه فلبسنا ثوبه فعثرنا وازداد الضعف ضعفا والطين بلة.
ما هكذا تورد الإبل يا سعد
عدنا من عزاء لبعض المعارف في فقيدهم الذي داهمه الاجل وهو صحيح شحيح، فكانت حادثة مروّعة وسكتة قلبية فاجعة نقلته من دار الى دار,.
وبعد ايام فجئنا بعزاء شاب في ريعان الشباب اثر حادث مروري وقبل اسابيع قليلة كان احد الاقارب قد جهز أضحيته وذهب ليشتري ثوب عيده وفي الطريق سقط رأسه على صدره وما هي إلا دقائق ليغادر الحياة بجلطة قلبية,, وكثرت هذه الايام المنايا تتخطف من ليس له في عام 1420ه نصيب وعادت صاحبتي متأثرة بتلك الاحداث لتقول لي: أليس هذا هو طريقي ولا أدري متى أجلي!
لماذا اركض في هذه الدنيا وحتى متى وأنا على هذه الحال؟ لماذا لا أدع عملي واقنع بما عندي وأجلس على سجادتي أقرأ القرآن وأصلي وأذكر الله واستغفر حتى يدركني اجلي وأنا على هذه الحال.
قلت: مهلا مهلا! لو ان كل واحد فكّر هكذا ما ارتفع علم الجهاد ولا حققنا لديننا نصرة والله تعالى يقول: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم).
وكانت صاحبتي مستشارة في الطب وقد بلغت فيه شأواً كم من مريض داويت وكم من مشرف على موت احييت -بإذن الله- والله تعالى يقول: (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا).
إن الامام أحمد كان يكتب العلم ويجلس لطلابه ليملي عليهم مسائل الفقه ويسافر للقيا اخوانه وأصحابه ويدارسهم ويناقشهم ومع ذلك قيل فيه: لو قيل للإمام أحمد انك تموت غداً لما استطاع ان يزيد على ما يعمل شيئا , وذلك انه احتسب كل اموره,.
وهكذا ينبغي ان نكون يا أختي نحتسب اعمالنا ونحتسب خدمتنا ونحتسب تربية اطفالنا ونحتسب حسن عشرتنا لازواجنا، بل نحتسب طعامنا وشرابنا ونومنا وضحكتنا وحينئذ مرحباً بالموت فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، انه ينبغي ان نعمل جاهدين قبل ان يفجؤنا الاجل وقبل ان تنقطع بنا القوة والصحة، فإذا انقطعت بقيت لنا الظنون الحسنة بالله تعالى وحينها يصدق فينا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أنا عند ظنّ عبدي بي .
إنه لم يصب المسلمون بشيء كإصابتهم بالدعة وحب السكون وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا وما دروا أن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف وفي كل خير , وانه لا يغيظ العدو ذاك الصوفي الذي قد علّق قلادة مسبحته على رقبته ولكن الذي يغيظهم ذاك العالم الفقيه او المهندس الذكي المستقيم على الاسلام او الطبيب البصير بمهنته!! إن هؤلاء شوكة في حلوق اعدائنا فلنكن سباقين إلى ما يغيظهم متفانين فيما ينال منهم نيلا ليكتب لنا به عمل صالح (ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم) وحينئذ نكون قد أوردنا الإبل مواردها ولم نبال على اي حال وافانا فيه الاجل.
ولست أبالي حين اقتل مسلما
على اي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في جنب الإله وان يشأ
يبارك على اوصال شلو ممزع
د, رقية المحارب
أستاذ مساعد بقسم الدراسات الإسلامية - كلية التربية للبنات بالرياض

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved