أوضحت يوم أمس الاول ان التميس هو ابداع أفغاني ولكن هناك اشكالية لم أتطرق إليها في سياق تأملاتي اللندنية.
هل التميس اكتشاف أم اختراع؟ أي هل اخواننا الأفغان عندما فكروا فيه فكروا فيه على اساس انه موجود في الطبيعة وانتزعوه منها؟ أم انهم ركبوه من موجودات في الطبيعة عبر عمليات تصنيع معقدة؟
تساءلت كيف طرأ على اخواننا الافغان اختراعهم الذكي هذا؟ كيف تفردوا به وتفرد بهم؟ اي لماذا لم تساهم الشعوب الأخرى في الاضافة إلى ابداع التميس وتركوا شقاء التفكير كله على الافغان؟ ثم لماذا اكتفى اخواننا الافغان بهذه الاضافة الوحيدة في الحضارة الانسانية ولم يعملوا على تطوير مزيد من الابداعات المشابهة؟
أسئلة معقدة تتعلق بجوانب كثيرة من العلوم الانسانية المختلفة وتحتاج إلى بحوث واطروحات ليس هذا مجالها.
ولكن السؤال الذي يمكن ان نطرحه مع بعض التحوط هو: هل التميس فكرة فردية من عبقري أفغاني؟ أما انه تطور مع الزمن ووصل إلى ما وصل إليه الآن؟ كما فعل الالمان مع الطائرة, هل الافغان هم من بدأ الفكرة من الصفر أم أنهم أخذوها بشكلها الاولي من شعب من الشعوب وطوروها حتى وصلت إلى هذا المستوى من التعقيد كما فعل الالمان عندما اخذوا فكرة الطيران من عباس بن فرناس وطوروها.
مرة أخرى علينا ان نسأل: هل نعتبر الشعب الافغاني مخترعا ام مكتشفا؟ أي هل التميس اختراع أم اكتشاف؟
إذا أردنا ان نعرف يجب البحث اولا عن الفرق بين الاكتشاف وبين الاختراع, وإذا تأملنا سنلاحظ ان هناك تداخلا كبيرا بينهما فالالمنيوم مثلا يعد اكتشافا ولكنه ليس اكتشافا بالكامل, لانه وصل إلى هذه الصورة التي نراه عليها اليوم عبر عمليات (تصنيع) عديدة مما يدخله جدلا في باب الاختراع, والسيارة بالمقابل هي اختراع لا جدال فيه, ولكنها مركبة من مجموعة من الاكتشافات, فتاه في ذهني السؤال: هل اخواننا الافغان مكتشفون ام مخترعون؟ فازداد احساسي بقيمة التميس, إذاً علي أن أجد خبز تميس الآن في لندن حتى أتأمل فيه عن قرب وأنمي تجاهه نظرية واقعية تجعلني اضع تحديدا واضح عن ماهيته, فذهبت الى شارع آخر تكثر فيه المأكولات العربية وواجهت نفس الخيبة وكان الليل قد انتصف فكان علي الانتظار حتى الصباح.
وفي صباح اليوم التالي اثناء تناولي الفطور داهمتني مسألة التميس مرة أخرى, الساعة الآن التاسعة والنصف في لندن فالساعة الآن في الرياض الثانية عشرة والنصف, مما يعني ان محلات التميس قد أوصدت أبوابها في الرياض, فكدت ان اصاب بالفزع لان هذا يعني حتى لو كنت في الرياض الآن فعليّ ان انتظر اكثر من ست ساعات لتبدأ عجلة انتاج التميس في الدوران مرة أخرى, فتساءلت كم واحد الآن في الرياض تشتهي تميسا ولا يستطيع الحصول عليه, هذا يدلك بأن طبيعة الحياة تفرض الشح والممانعة, ففي قلب مدينة التميس العالمية يمكن ان يواجه الانسان مشكلة مع التميس.
لك ان تتخيل انك في لندن: مسارح ودور سينما ومكتبات وملاهي وحدائق غناء ومتاحف وتشغلك عن كل هذا فكرة خبز التميس, ولمقاومة هذا الاستحواذ قررت ان اذهب الى صالة سينما لعلي انسى حكاية التميس, فذهبت لصالة مجاورة وبدأت اندمج مع احداث الفيلم ومغامراته وكذلك استمتعت بأداء الفنانين وخاصة ام فستان ازرق, وانتابني احساس في لحظة ما أنني بدأت استغني عن دسم التميس, كان الفيلم مليئا بالمغامرات والمشاهد الابداعية الرائعة, فغابت فكرة التميس من رأسي وبدأت انتقل من مشهد إلى آخر ومن نكتة إلى حزن إلى سعادة حتى اصبحت اجوب في مشاهد الفيلم فرحا جذلا إلى ان وصلنا إلى مشهد مائدة طعام (حسبي الله عليهم) فتسلل التميس إلى دماغي مرة أخرى, وبالتدريج عاد التميس لينتز عني من متعتي, فتركت الصور والمشاهد الجميلة وأم فستان ازرق وعدت بكل تفكيري إلى مسألة التميس, فغادرت الصالة قبل ان اتم مشاهدة الفيلم, وقررت ان اجد حلا لا يتسم بالهروبية والمراوغة تميس يعني تميس ولا شيء آخر غير التميس.
إلى اللقاء يوم السبت لنمضي قدما في مغامرة التميس اللندني,,.
لمراسلة الكاتب
E-mail:albakeet@ suhuf. net.sa
|