زمن أصحاب الأيادي الطويلة د, عبدالله ناصر الفوزان |
لقد تخيل الانسان قديما شيئا من ذلك، فقد كنا نرى في الأفلام السينمائية تلك اليد الخفية التي تمتد وتصفع فارس الفرسان ذلك الشجاع المغوار، فيتطاير الشرر من عينيه من شدة الغضب وينتفض ويتلفت يمينا وشمالا باحثا عن المعتدي ليقطّعه إرباً، وبينما هو كذلك في أوج انفعاله يفاجأ بصفعة اخرى فيتطاير الشرر من عينيه مرة اخرى ولكن ليس بسبب غضبه هذه المرة، بل من قوة الضربة، فيصرخ من الغيظ والقهر، فهو يريد الانتقام ويشعر بالقوة والقدرة، ولكنه لا يرى أحداً حوله,,, ,,, وهذا ما يحدث الآن، فقد تحول الخيال الى حقيقة ولكن ليس بيد خفية كما تصورت آنذاك خيالات بعض المؤلفين السينمائيين، بل بأيادٍ طويلة جداً، سريعة جداً، فالولايات المتحدة الامريكية كما رأيناها ونراها الآن تمد يدها الطويلة وتصفع بها الرئيس الصربي بعنف، ثم تقبض تلك اليد بسرعة فائقة لا تمكِّن الرئيس الصربي من الثأر لنفسه، وهذا يصيبه بالقهر الشديد، ولا يكاد يستعيد شيئاً من توازنه حتى تعود تلك اليد الطويلة لصفعه من جديد بأسلوب باهر يوضح بجلاء كيف ان العقل سدّد الضربة القاضية لكل عوامل القوة الاخرى في النفس البشرية كالشجاعة والصلابة وثبات الجَنان وغير ذلك من الخصال الاخرى التي كانت تنازع العقل وتتغلب عليه احيانا.
عندما ضربت الطائرات الامريكية بغداد قبل رمضان الماضي اصدر الرئيس العراقي بيانا نعت فيه الأمريكيين بالجبن وقال مخاطبا الشعب العراقي إنهم - أي الامريكيين - لا يواجهون، وما ذكره الرئيس العراقي صحيح في ظاهره، فأمريكا لم تكن تواجه صدام ولكن لا نستطيع القول ان ذلك كان جبناً منها، لكن نستطيع الجزم بعدم حاجتها اصلا لذلك بعد ان تكفلت تلك اليد الطويلة بصفع صدام المرة تلو الاخرى بتلك الصورة التي تجعل صدام يتمزق من القهر ولا يستطيع ان يفعل شيئا، وهو قد يكون شجاعا لدرجة التهور وقد يكون من بين حرسه الجمهوري عشرات الألوف من الفرسان الشجعان المغاوير الذين لا يوجد لهم ولا ربما مثيل واحد في الولايات المتحدة على اتساعها ولكن ما فائدة ذلك في ميدان قتال تسيّد فيه العقل لتلك الدرجة التي جعلته يبتكر تلك اليد الطويلة التي تحول الشجاعة إلى مجرد موقد للجمر تشوي داخله قلوب الصناديد الشجعان,؟!!
كنا سابقا نعزي انفسنا نحن اصحاب الألسنة القصيرة بالقول ان العبرة بالافعال لا بالاقوال، فماذا بقي لنا الآن بعد ان طالت أيادي الآخرين على ذلك النحو المذهل وازدادت ألسنتنا وأيادينا قصراً,,,؟؟؟ طبعا لم يبق لنا شيء نعزي به أنفسنا سوى التمسك بالفضيلة او إطالة ألسنتنا ,,,, وعلى أي حال فأنتم وشأنكم إذ تستطيعون إطالة ألسنتكم ان شئتم كما فعل صدام وتستطيعون ان تكتفوا بالفضيلة، أما أنا ف(سأحاول) إطالة أحرف مقالاتي بمد حروف المد فيها لأشعر بالانتماء لهذا الزمن الذي هو بحق زمن أصحاب الأ,,, الطويلة.
|
|
|