عاش د, حسن ظاظا باسما، وأدعو الله ان يبعث باسماً, لم أره إلا باسماً، فهو يبتسم لكل من يراه، فالبسمة صارت صفة له، إنه يبتسم قبل ان يمد يده مصافحاً، فتشعرك بسمته عن بعد بما بين جنبيه من طيبة واريحية.
اعتاد كثير من الاكاديميين ان يتظاهر بالصرامة وخصوصا امام طلابه، لموروث في النفوس، وهو ان ذلك ادعى للهيبة من الطلاب , اما الدكتور ظاظا فيقابل طلابه بالابتسامة كما يقابل بها أصدقاءه ولهذا صار طلابه اصدقاء له، وصار هو الاستاذ الصديق، ولم يقلل ذلك من مهابته، بل زاد إجلال طلابه له!
إذا دخل د, ظاظا مجلسا ابتسم وسلم فسارت البسمة على وجوه الحضور، وكأنه يطبق فعليا تحية الاسلام حين امر بالبدء بالسلام، وإذا بدأ يقرأ مقطعا من ملحمته التي عنونها بالبهلول ضحك السامعون قبل القراءة، ثم قهقهوا بعدها، فهي نقد اجتماعي ساخر، وزادت ابياتها عن عشرة آلاف بيت، كان يكتبها في دفتر صغير يضعه في جيب معطفه، وعسى ان ترى طريقها للطباعة، وان كنت ارى ان جزءا من جاذبيتها كان في إلقائه وفي ابتسامه قبل ان يقرأها.
تنقل د, ظاظا بين جامعات في الرباط وبيروت والموصل والبصرة وبغداد والخرطوم وأمدرمان ثم استقر في الرياض وأنس بها، وأصر على البقاء بها بعد ترك الجامعة بالرغم مما كان فيه من ظروف الوحدة، ولكنه وجد من طلابه ومحبيه ما رغبه في البقاء في الرياض، ولم يذهب إلى باريس حيث درس هناك وعاش سنين كثيرة، وفيها ابنه وبنته وأطول ما بقي فيها حين احتجزه المرض, فما ان شفي حتى عاد إلى الرياض ليعيش في البرج كما كان يعبر، وهو يقصد العمارة التي كان يسكن فيها.
تعمق في دراسة الفكر اليهودي وألف فيه حتى صار فريد عصره، وكان مهدداً من الصهاينة لانه عرف من خبايا وخزايا هذا الفكر مالم يصل إليه الآخرون، وآخر ما نشر عنه المقالات النفيسة التي كان ينشرها في مجلة الفيصل، فلعل مجلة الفيصل تنشرها في كتاب كمانشرت له ذلك الكتيب النفيس عن القدس.
عاش حسن ظاظا في آخر حياته حياة الوحدة ولكنه لم يعش حياة العزلة، فقد وجد من محبيه ما أنساه وحدته، وتنقله من عاصمة لعاصمة، وكأنه بذلك يجسد حياة الشعب الكردي الذي تنتمي جذوره إليه قبل ان يفد جده إلى مصر كما شرح ذلك في احدى حلقات كشكوله في جريدة الرياض.
ومن حق الاوفياء ان يذكر وفاؤهم ليس مدحا، ولكن اشاعة لهذه الفضيلة لئلا تموت بين الناس، ولهذا أذكر ما قام به الاستاذ الدكتور راشد المبارك من خدمة له في آخر حياته، وهو لا تربطه به صلة سوى الاسلام وتقدير العلم، فقد كان راعياً له في سكنه، بل عرض عليه ان ينتقل الى منزله، وعندما سوّف استمر في خدمته يوميا، ولهذا كان جديراً ان يستقبل المعزين فيه في منزله حين احتار محبوه من يعزون فيه وفي اي مكان فكان منزل د, المبارك ملتقى المعزين، كل يعزي فيه الآخر.
رحم الله د, ظاظا وبعثه يوم القيامة باسماً كما عاش باسماً.
د, عائض الردادي