تتجه انظار العالم اليوم إلى كوسوفا حيث يشهد التاريخ البشري مأساة انسانية مفزعة وأليمة يتعرض لها شعب مسلم مسالم دونما ذنب اقترفه او جريمة اجترحها بحق احد أيا كان,,! فهذه القضية التي باتت موضع اهتمام العالم اجمع، ومادة رئيسة تتصدر أحداثها مخرجات وسائل الاعلام العالمية المختلفة، هي قضية اسلامية صميمة - شئنا أم أبينا - تمس شعبا مسلما بعينه تستهدف طمس هويته الوطنية والاسلامية وإلغاء وجوده من على الخريطة إلى الابد، فما نسمعه ونشاهده من جرائم غير مسبوقة هو دليل قاطع على مشروع الابادة والتصفية الذي ينتهجه الصرب بدوافع العصبية الدينية والعرقية التي ما فتئت تغذي ممارساتهم الانتقامية بدم بارد، إلى ان غدت مأساة مسلمي الاقليم فوق رؤى التصور والخيال.
ولم يعد من المقبول ان يقف مسلمو العالم اليوم صامتين إزاء ما يحدث من ابادة وتصفية لمسلمي إقليم كوسوفا، فالصمت في حالة كهذه نوع من الضعف والهوان فنصرة المسلم لاخيه المسلم واجبة في كل حالة يتعرض فيها المسلم للاعتداء والبغي دون وجه حق، فالمسلمون هم احق الناس بنصرة بعضهم بعضا ودفع ما قد يحيق ببعضهم من ظلم، وليس هذا فيما بينهم وبين اعدائهم فحسب، بل ينسحب عليهم انفسهم وفيما قد يصيب به بعضهم بعضا من ظلم أو عدوان، وهذا ما دعت إليه رسالة الاسلام العادلة العظيمة (والذين إذا اصابهم البغي هم ينتصرون,,,) الشورى39، وقول الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: إذا رأيت أمتي لا يقولون للظالم انت ظالم فقد تُوُدِّعَ منها مسند أحمد، فنصرة المسلم لأخيه المسلم تقتضي رفع الظلم عنه، وإعانته بكل ما يستطيع من جهد او مال او كلمة (إن تنصروا الله ينصركم) محمد7، ولا أقل من ان يرفع المسلم صوته عاليا رافضا ما يقع من ظلم او عدوان على اخيه المسلم، فالمسلمون بعضهم اولياء بعض، ومن الولاء ان يناصر المؤمن اخاه المسلم ويرفع ما يقع عليه من بغي، يقول الرسول الكريم محمد عليه السلام: من أُذِلَّ عنده مؤمن فلم ينصره وهو يقدر على نصره، أذله الله على رؤوس الاشهاد يوم القيامة مسند أحمد.
مأساة مسلمي كوسوفا تستدعي منا ان نقف مليا امام هذا الحدث الكبير المفجع، وأن نراجع الكثير من خططنا ومنهجياتنا، وان نعمل على صياغة استراتيجية جديدة لنصرة المسلمين المضطهدين والدفاع عنهم في اي بقعة من بقاع العالم التي ما انفكوا يتعرضون فيها بين فينة وأخرى لمؤامرات تصفوية وتهجيرية مخططة استهدفت ولا تزال تستهدف القضاء على كل صوت اسلامي فيها مهما بدا ذلك الصوت هادئا خافتا.
وإذا كنا اليوم امام حدث كبير بحجم مأساة مسلمي كوسوفا فإن الواجب الاسلامي والانساني يفرض علينا وقفة اكثر فاعلية وقوة في نصرة إخواننا في الدين على مختلف الجبهات المادية منها والمعنوية، والامر يستدعي منا بداية، دورا إعلاميا فاعلا يشخص ابعاد القضية ويحلل مراميها وأهدافها، ويجلي حقيقة المأساة التي تعصف بهؤلاء المسلمين شيبا وشبابا، رجالا ونساء وأطفالا، ويأخذ باعتباره ان يمسح الدماء والدموع والاحزان من على الاجساد والوجوه القلوب او يخفف من وهجها على الاقل، من خلال استنهاض همم المسلمين وربط مشاعرهم بمشاعر اولئك المتعبين المضطهدين التي ما فتئت آلة القتل الصربية تعمل في اجسادهم صباح مساء.
إننا نتطلع الى دور فاعل ومتميز لوسائلنا الاعلامية المختلفة يكون بحجم المأساة والحدث، ويعبر تعبيراً صادقا وأمينا عن الرؤية الاسلامية للقضية بمنتهى الوضوح والجرأة والموضوعية، ويسهم اسهاما بارزا في مناصرة هؤلاء المستضعفين بكل السبل الممكنة، وأنا من على هذا المنبر اقترح ان تتبنى وسائل الاعلام خطة اعلامية اسلامية محددة لنصرة مسلمي كوسوفا، واقترح ان تكون ضمن الرؤى التالية:
أهداف الخطة :
- توجيه انظار العالم إلى خطورة ما يجري في كوسوفا، واستقطاب التأييد العالمي بكل الاتجاهات لصالح القضية.
- تنوير المسلمين في كل مكان بخطورة المجازر التي يرتكبها الصرب بحق اخوانهم مسلمي كوسوفا وحثهم على رفع اصواتهم بالمناداة برفع الظلم عنهم وتقديم كل عون ممكن.
- استنهاض الهمم وشحذ العزائم، وبث الحماس في النفوس لاستقطاب اهتمام العرب والمسلمين وتوحيد مواقفهم تجاه هؤلاء المستضعفين.
- حث الدول والهيئات العربية والاسلامية على اغاثة مسلمي كوسوفا، وتشجيعها على جمع التبرعات والزكوات لصالحهم.
- تشجيع تنظيم الحملات الخيرية التطوعية والتنسيق فيما بينها لنصرة المشردين واللاجئين من مسلمي كوسوفا وايوائهم.
- التركيز على القضية المحورية في القضية - عقب الضربات الاطلسية ليوغسلافيا - وهي ضرورة عودة كافة المهجرين واللاجئين الى ديارهم وضمان امنهم وسلامتهم وتقرير مصيرهم في إطار حكم مستقل عن الصرب.
الوسائل والآليات:
يمكن تفعيل النشاط الاعلامي عبر كل وسائل الاعلام المتاحة، واقترح ان يتم تنظيم حملات اعلامية منظمة ومكثفة تشارك فيها مختلف الاطراف ناهيك عن الجهات المعنية بشكل مباشر والتي ما فتئت تسعى وتبذل قصارى جهدها لاغاثة المسلمين المنكوبين في كل مكان من هذا العالم، ولعل الدور الاعلامي هنا سيكون من اكثر الادوار ضرورة وأهمية باعتباره الوسيلة الاكثر فاعلية في بلورةالموقف وتجلية الصورة بوضوح سواء أمام الراي العام الداخلي العربي والاسلامي او الرأي العام العالمي، وهي مسألة في منتهي الاهمية نظرا للبعد الدولي الذي اتخذته القضية، وما آلت إليه من تفاقم وتعقيدات.
الموقف إذن يستدعي تكريس كافة الوسائل الاعلامية المتاحة في إطار الخطة الاعلامية المطلوبة وما تتضمنه من مدخلات وبرامج، ويمكن ان يكون ذلك على النحو الآتي:
* مركز كوسوفا الاعلامي: إنشاء مركز اعلامي مؤقت يتولى تنظيم الحملات الاعلامية ومتابعتها والاشراف على تنفيذها، ويتولى إدارته والعمل فيه نخبة من الاعلاميين المتطوعين البارزين، ويتم تزويده بكافة الامكانات والتجهيزات اللازمة.
* الوسائل الاعلامية المقروءة من صحف ومجلات ونشرات ومطبوعات مختلفة: يتم تنظيم حملة صحافية مركزة تتناول القضية بالصورة والخبر والتحليل والتعليق، وتبرز المأساة بشكل دقيق وواضح ويمكن تحقيق ذلك من خلال:
1- تنظيم مؤتمر اعلامي على مستوى الدولة والهيئات الاقليمية يدعى لحضوره رؤساء تحرير الصحف والمجلات ورؤساء الاجهزة الاعلامية الاخرى، يوضح من خلاله موقف الدولة من الحدث، وحث الوسائل والاجهزة الاعلامية على دعم ومساندة الموقف والقيام بدور فاعل لنصرة المسلمين المنكوبين في كوسوفا.
2- تنظيم جولة اعلامية جماعية لمنطقة الحدث يشارك فيها مندوبون عن كافة وسائل الاعلام الموجودة الرسمية وغير الرسمية للاطلاع على طبيعة الاوضاع التي يعيشها المهجرون، والوقوف على حجم المأساة الانسانية المزلزلة.
3- حث الصحف والمجلات على نشر اعلانات اغاثة غير مدفوعة كنوع من المساهمة العملية في الحملات الاغاثية التي تقوم بها الاجهزة والهيئات الاخرى.
4- الاتصال بكافة كتاب الاعمدة والزوايا الصحفية اليومية والاسبوعية وحثهم على الاهتمام بقضية كوسوفا، والكتابة فيها ويمكن تزويدهم بالمعلومات التي يطلبونها لهذا الغرض.
5- اصدار نشرات وكتيبات تبحث في القضية وتكشف فصولها ومراحلها وجذورها، وتكون مدعمة بالمشاهد والارقام التي تبين حجم المأساة وفظاعتها.
* الوسائل الاعلامية المرئية والمسموعة من إذاعة وتلفاز: وهذه الوسائل يعول عليها الكثير نظرا لتأثيرها الكبير على الرأي العام ووصولها الى معظم شرائح المجتمع، ويمكن ان تقوم بدورها في الخطة الاعلامية على النحو التالي:
1- بث نداءات اغاثية مؤثرة من حين إلى آخر تتخللها لقطات لبعض فصول المأساة التي يمر بها مسلمو كوسوفا، ويمكن إدخال هذه النداءات ضمن البرامج الاكثر استحواذاً على اهتمام المشاهدين والمستمعين.
2- عقد ندوات متخصصة يشارك فيها متخصصون وخبراء سواء من الداخل او الخارج لمناقشة قضية الصراع في البلقان ومستقبله والتحديات التي تواجه المسلمين هناك.
3- عقد ندوات دينية بشكل مستمر يستضاف للمشاركة فيها كبار العلماء لتجلية الموقف الديني الاسلامي من الصراع في كوسوفا.
4- تنظيم حوارات مباشرة يشارك فيها مفكرون وصحفيون وقادة الرأي العام في الداخل والخارج حول هذه القضية ومستقبلها، ومصير الشعب المضطهد فيها.
5- إشراك رؤساء الهيئات الخيرية والاغاثية في برامج مختلفة من حين إلى آخر، للحديث حول ما وصلت إليه المأساة، ولالقاء الضوء على انشطة الحملات الاغاثية وحجمها، وعرض ما يحتاجه المسلمون المنكوبون هناك.
6- تخصيص يوم لبث برنامج تلفزيوني لجمع التبرعات المباشرة لمسلمي كوسوفا عبر ما يسمى بالتلسيثون بحيث يقوم بادارته اعلاميون اكفاء، وتتخلله لقاءات مع مفكرين ومحللين وخبريين بارزين، واقترح ان يسبق بثه اعلانات للكافة لتشجيعهم على المساهمة المباشرة، والافصاح عن اسماء المتبرعين الراغبين لتشجيع غيرهم على التبرع.
* الوسائل التكنولوجيا الحديثة شبكة الانترنت : واقترح في هذا المجال ان يتم صياغة رسالة اعلامية للعالم اجمع تبث عبر الشبكة، تكشف ابعاد قضية كوسوفا وتفضح ممارسات الصرب ضد مسلمي الاقليم منذ ما يزيد على تسع سنوات، ويجب ان تكون هذه الرسالة مركزة وواضحة ودقيقة مدعمة بالارقام والحجج القانونية، كما يمكن ايضا حث كل الهيئات والافراد الذين يملكون وسيلة الاتصال عبر الانترنت بث رسائل مشابهة إلى الاشخاص والهيئات عبر العالم.
* الانشطة المنبرية كخطب الجمع والمحاضرات والندوات وغيرها: ،هنا لابد ان يقوم خطباء المساجد وبخاصة ايام الجمع بالتركيز على قضية مسلمي كوسوفا وحث المسلمين على الاهتمام بها، وبذل كل ما باستطاعتهم من اجل تقديم النصرة المطلوبة في هذه الحالة واقلها الدعاء لهم بالخير والغلبة والجود لهم بالمال, كما لابد من تشجيع الجمعيات والاندية والمراكز الثقافية والخيرية والاجتماعية على تنظيم ندوات ومحاضرات ومؤتمرات لشرح ابعاد القضية ولحث الجميع على مد يد العون والمساعدة لنصرة اخوانهم المنكوبين على ارض البلقان.
وبعد : فهذه - في تصوري - ابعاد الدور الاعلامي المطلوب في هذه المرحلة لمناصرة اخواننا المسلمين المنكوبين في كوسوفا، ويجب ان نضع باعتبارنا ان انجاح الدور الاعلامي مرهون بالارادة القوية وبالعزيمة التي لايشوبها تراخ اوتردد، كما يجب ألا نقلل من اهمية الدور الاعلامي في القضية فهو دور محوري ورئيس، يخدم القضية في احسن صورة ممكنة من خلال تفعيله للدور الاغاثي العملي وتحريكه للقضية في كافة المحافل وهو ما يحتاجه المسلمون هناك وما يتطلعون إليه وهكذا تكون تصرتنا لهم، (فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه، اولئك هم المفلحون) الاعراف 157، (والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون، وجزاء سيئة سيئة مثلها، فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لايحب الظالمين، ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل، إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الارض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم) الشورى 39 - 42.
مدير المركز الإعلامي للهلال الأحمر السعودي