Sunday 18th April, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 2 محرم


طباق وجناس
كيف نشأت هذه السمسرة؟!
محمد أحمد الحساني

يتحدث بعض الكتاب بحرارة عن مسألة قيام بعض بعثات الحج المكلفة باستئجار عمارات ومنازل للحجاج التابعين لها، بالحصول على نسب معينة من قيمة هذه الايجارات لصالحها ويقدرون ما تحصل عليه هذه البعثات بعشرات الملايين من الريالات وكان آخر من كتب حول هذا الموضوع بجريدة المدينة الزميل ابراهيم عباس، ولذلك فان هؤلاء الكتاب يطالبون بعودة وضع صلاحيات استئجار المنازل والعمارات المخصصة لسكن الحجاج في مكة المكرمة لمؤسسات الطوافة والمطوفين، لضمان عدم تحكم البعثات في مسائل التأجير وبالتالي الضغط للحصول على نسب غير مشروعة من الايجارات، وهم بالتالي يطالبون بتعديل او الغاء ما جاء في التعليمات الصادرة عن وزارة الحج بخصوص حرية اختيار السكن للحاج او من يمثله من بعثات الحج، باعتبار ان هذه الحرية هي التي اعطت البعثات هذه السطوة والصلاحيات التي تجعلها قادرة على الحصول على ما تريد!.
وهذه المسألة ان طرحت بالطريقة التي سبق تلخيصها في السطور السابقة، فان مثل هذا الطرح فيه قفز واضح على حقائق ومواقف عديدة لا يمكن لنا معرفة الواقع الذي ادى الى وصول الأمر الى هذه المرحلة الا بطرحها هي ايضاً كأسباب ادت الى هذا الوضع حتى يستطيع من يريد المعالجة ان يكون على بينة من امره ويكون قراره مبنياً على الواقع لا على العواطف الجياشة!.
ان للمسألة جذورا يعرفها المطوفون انفسهم وكان بعضهم وراء ظهور هذه الجذور التي يشكون من آثارها الاقتصادية الآن فعندما كانت الطوافة تقوم على مبدأ الجهد الفردي، كان هناك نظام السؤال وهو ان الحاج عندما يأتي الى جدة يسأل عن مطوف معين من مطوفي فئته فيحول اليه عن طريق مكاتب الوكلاء اي وكلاء المطوفين في جدة، وحتى يضمن المطوف ان يسأل عنه اكبر عدد من الحجاج، كان كل واحد منهم يستميت في سبيل ارضاء الحاج وخدمته منذ وصوله حتى مغادرته الأراضي المقدسة، وقد ادى هذا الامر الى وجود تنافس بين المطوفين بدأ شريفاً وفي مصلحة الحاج وانتهى الى تنافس غير شريف بينهم حتى ان بعضهم كان يسافر الى بلاد الحجاج ويدفع لرؤسائهم وعمدهم وكبارهم مبالغ طائلة في سبيل اقناع الحجاج بالسؤال عنه وكانت عوائد الخدمة التي تدفع للمطوف تقدر بخمسة واربعين ريالاً عن الحاج الواحد ولكن التنافس غير الشريف جعل بعض المطوفين يدفعون خمسين ريالا عن الحاج الواحد او الرأس الواحد على حد تعبيرهم،وهذا الوضع ادى الى وجود سمسرة خارجية وتحويل ملايين الريالات للخارج وتصاعد الشكوى من ذلك.
وقد نجح بعض المطوفين في الاستحواذ على الحجاج بما بذله من سمسرة واموال مقابل كل حاج يسأل عنه حتى بلغت اعداد بعض المطوفين في موسم واحد اكثر من عشرة آلاف حاج، بينما لم يُسأل عن آخرين من المطوفين وقد يكونون اكثر عراقة وقدرة على الخدمة والتزاماً، الا نفر من الحجاج بل ان هناك مطوفين لم يعد يسأل عنهم احد لا سيما الذين لم يشاركوا في معركة السمسرة عجزاً او تعففاً ولما تعالت الاصوات بالشكوى مما حصل عالجت وزارة الحج والاوقاف القضية بما سمي في حينه بنظام التوزيع وهو ان يوزع الحجاج القادمون من فئة معينة على مطوفي تلك الفئة وجعلت الوزارة ميزان التوزيع آخر ما حصل عليه كل مطوف عن طريق السؤال والسمسرة بحيث لا يزيد المتوسط عن ثلاثة آلاف حاج لكل مطوف مع شركائه من العائلة نفسها ولا يقل عن مائة حاج وبموجب هذه المتوسطات توزع عوائد الخدمة او ما يسمى المصلحة , وهذا التوزيع نفسه لم يكن عادلاً لأن الذي استفاد منه هو من ولغ في السمسرة بكل الوسائل والطرق ودفع الغرم من عجز او تعفف عن ذلك للاسف الشديد!!.
وفي تلك الأعوام رأت الوزارة ضماناً لعدم سكن الحجاج في الشوارع ان يدفعوا شيكاً بجميع عوائد الخدمات الخاصة بأرباب الطوائف وهم المطوفون بمكة والادلاء بالمدينة والوكلاء بجدة والزمازمة بأم القرى ورسوم الاركاب والخيام ونحوها اضافة الى اجور السكن في شيك واحد قبل الحصول على تأشيرة الحج وقد فعل الحجاج ما هو مطلوب منهم وسُلم المطوفون مقدماً شيكات السكن والخدمات التابعة لهم فاساء بعضهم استخدام هذه الصلاحيات وظلم الحجاج واسكنهم في اماكن غير مناسبة فتعالت صيحات البعثات ووصلت اصواتهم الى ولي الأمر الذي امر بمعالجة ما حصل بحزم وقوة بعد التحقيق فيه وقد نتج عن ذلك فكرة مؤسسات الطوافة كعمل جماعي وبالتالي اعطيت بعثات الحج حرية اختيار السكن للحجاج التابعين لها على ان تكون مهمة المؤسسات تقديم الخدمات المساندة من فرش ومياه وكهرباء ونظافة وخدمة عامة اضافة الى خدمات عرفات ومنى بموجب التعليمات والرسوم المقررة لكل خدمة بل واصبح من غير الجائز للمطوف ان يستأجر عمارة ويؤجرها بعد ذلك من الباطن على الحجاج او بعثات الحج الا اذا كان نفسه مالكاً للعمارة نفسها كأي مالك آخر.
ولما رأت بعض مؤسسات الطوافة وعلى رأسها مؤسسة مطوفي حجاج الدول العربية ان امر السكن قد افلت من يدها كلياً قامت بخطوة حمقاء ففرضت على الملاك الذين يؤجرون على البعثات ومنهم المطوفون نسبة عشرة في المائة مقابل توثيق عقود الايجار بين الطرفين فاذا امتنع المالك اخدت النسبة من البعثة التي تحتاج الى توثيق العقد من المؤسسة ثم من الوزارة حتى تقدمه لحكومة بلادها موثقاً، وكانت هذه النسبة تعني تحصيل حوالي اربعين مليون ريال, ارادت مؤسسة واحدة ان تلتهما مقابل ختم العقود فضج لذلك الملاك والبعثات ووصل الامر الى وليه فأمر بالتحقيق مرة اخرى في المسألة وقد نتج عن ذلك ارجاع جميع المبالغ المستحصلة بغير وجه حق لاصحابها مع اعادة التأكيد على حرية الحاج او من يمثله في اختيار السكن المناسب له دون تدخل اي جهة محلية في الموضوع وما على مؤسسات الطوافة الا تقديم الخدمة فقط مقابل العوائد الرسمية المقررة ومع مرور الايام اصبح للبعثات هيمنة تامة على سوق تأجير العقار للحجاج التابعين لهم مما ادى بالتالي الى ظهور المساومات والسمسرة الداخلية التي يتحدث عنها السادة الكتاب والمطوفون حفظهم الله تعالى!!.
انني لا اتحدث عن تاريخ الطوافة فذلك امر عظيم تصدى له غيري من قبل ولكنني اردت فقط ان اشرح بايجاز تطور جانب منها وهي مسألة الايجارات والسمسرة وما قيل ويقال عنها في الاوساط الاجتماعية المكية او على مستوى الصحف والمجلات، وما أريد تأكيده ان مهنة الطوافة مهنة شريفة ولها ابناء شرفاء كثيرون ولكن بعض من حمل الأمانة لم يرعها حق رعايتها حتى اوصل الأمور بتصرفاته الى ما هي عليه فاذا اريد معالجة الموضوع فان الواجب يستدعي الاحاطة التامة بجميع جوانبه وان تكون النتيجة النهائية في مصلحة الحاج نفسه اولاً والمطوف ثانياً، وما يحقق الحفاظ على سمعة الوطن فليس من المعقول ان تتصرف فئة من المطوفين حتى لو كانت نسبتهم محدودة وعددهم قليل تصرفات تحرج المسؤولين بل وتحرج اخوانهم في المهنة نفسها مثل تعاطي السمسرة الخارجية واستغلال الصلاحيات الواسعة كما حصل على توزيع شيكات الخدمات والسكن وفرض نسب على الايجارات كما حدث عام 1405ه فاذا ارادت الدولة النأي بنفسها عن الدخول في مشاكل السكن بين الحاج وبعثته صاحوا قائلين ان البعثات اضحت هي المستفيد الوحيد من هذا الوضع الفريد,, وسبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمدلله رب العالمين.
تشجيع الزيف
بعد ان كان الأمر يتم خفية او على استحياء، اصبحنا نراه معلناً وبخطوط عريضة ولامعة والمقصود به هنا قيام بعض المكتبات باعداد البحوث والدراسات لطلاب وطالبات الدراسات العليا بوساطة دارسين لديها قادرين على اداء هذه المهمة بكفاءة تامة مقابل مبلغ مالي يتفق عليه, وقد كان هذا الأمر مقتصرا على الطلاب والطالبات الكسالى في التعليم العالي الذين يفضلون قضاء الاوقات في متابعة برامج التلفاز والفضائيات والرحلات البرية والبحرية والجوية والمباريات العالمية والمحلية ومشط الاسواق ليل نهار والشواطىء - ان وجدت - ومعاكسة نساء خلق الله ولكن الأمر انخفض فوصل الى طلاب وطالبات التعليم العام بمراحله الثلاث الابتدائية والمتوسطة والثانوية التي اخذ بعض الرسامين والخطاطين يغرونهم بان لديهم رساماً لعمل اللوحات وخطاطاً لكتابة ما يريدونه من حكم واشعار وجمل مفيدة او غير مفيدة على الورق والقماش والالواح لتقديمها ضمن النشاط اللامنهجي والمعارض المدرسية وكوسائل ايضاح تعلق داخل الفصول الدراسية!.
والعجيب في الأمر ان السادة المعلمين في التعليم العالي او العام يسمعون ويعلمون بوجود من يقوم بالواجبات بدل طلابهم النجباء ولكنهم لا يقومون بالتأكد من حقيقة ذلك والتعرف على قدرة الطالب وهل قام بهذا العمل من بحث او دراسة او رسم او لوحة مخطوطة بنفسه او عن طريق مقاولين من الباطن بل يبصمون على ما يقدم له على اساس ان لهم الظاهر وانه ليس من حقهم السؤال عن اشياء ان تبد لهم تسؤهم مع تيقن بعضهم ان المليح الذي امامهم لا يستطيع ان يقدم مثل هذا البحث او الدراسة وقد انشغل بالغترة المنشاة المطوية بعناية وبالنظارة السوداء المهيبة والعطر الباريسي الغالي ويا ارض ما عليك غيري! او ان هذا الفتى البالغ من العمر تسع سنوات لا يمكنه رسم هذه اللوحات الرائعة او كتابة هذا الخط الجميل مع ان خطه في دفتر الواجبات مثل دحديرة بقشان في ريع الرسام ومع ذلك كله يقبل المعلمون هذه الاعمال ويضعون لمن قدمها الدرجات العليا وربما وجهوا الشكر لولي امره على ما انجزه ولده من عمل فني او بحثي رائع مع ان الاخير يعلم علم اليقين ان ولده خائب وان اللوحات المعمولة تكاد تتكلم الأردو او الملايو ولكنها جماد لا تنطق,, والا قالت ان صاحبها الاصلي هو اقبال او سدايو؟!.
ويقال ايضا ان هذه المسألة قد شملت بعض الكتاب من شعراء ونقاد وقاصين وباحثين وادباء، وان هؤلاء يستعينون بغيرهم من بلاد مجاورة لعمل دراسة نقدية او ديوان شعر او قصيدة او قصة او رواية ثم طبع الانتاج باسمائهم او نشرها في الصحف والمجلات ومن ثم التمدد لسماع كلمات الاطراء والمديح لعبقريتهم الفذة وانتاجهم الرفيع!.
اما قمة التزييف فهم بعض كتاب الاغنية الذين يكتب لهم غيرهم الكلمات بفلوس فيحملون ما كتب لهم ويقدمونه لمطرب مشهور ومعه شيك او سيارة ليغني لهم تلك الكلمات المكتوبة باسمهم حتى اصبح الكتاب الاصلاء للكلمة المغناة يدورون بكلماتهم على المطربين فلا يجدون من يقبل بها لأنها حاف وهل هناك من يرضى بالحاف وامامه الشحوم واللحوم والشيكات والرسوم؟!.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
حوار
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved