Sunday 18th April, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 2 محرم


القلم الأبيض
شبه جزيرة البلقان أرثوذوكسية بالكامل
عبدالعزيز المهنا

في صيف عام 1992م كنت أتجول ترويحا عن النفس في أحد الشوارع العامة في مدينة زغرب عاصمة كرواتيا، الجمهورية التي كانت يوما - ما - جزءا من الاتحاد اليوغسلافي الكبير,, وكان إلى جانبي صديق سوري هو الاخ مصطفى حمام مقيم في زغرب ومتزوج من امرأة من سنجق وهو احد الاقاليم التابعة لاقليم كوسوفو الذي تقطنه اغلبية ألبانية مسلمة بل ان القول الاصح ان 90 بالمائة من سكانه كلهم مسلمون.
تلك الاثناء كان الصراع بين المسلمين والصرب في البوسنة والهرسك صراعا داميا,, فقد كان الصرب يمثلون بالمسلم قبل ان يفارق الحياة، فقد اصبح بتر الاطراف قبل الاجهاز على القتيل مرحلة بدائية في الفنك الصربي, فالصورة الحديثة تم التقاطها من على شواطئ احد الانهار الصغيرة بالقرب من مدينة موستار، جندي مسلم تم قطع اعضائه التناسلية وفقء عينيه ووضع ذكره في موقع عينه اليسرى, هذا التمثيل البغيض والمقابر الجماعية التي نبشتها آلات الحفر تعطي دلالة على ان الحرب ليست حربا حدودية او اقليمية، وانما حرب تطهير وابادة شاملة تصبح الارض بعدها تحت سيادة عنصر واحد ومذهب واحد ودين واحد وعرقية واحدة.
قال لي الاخ مصطفى، وهو يحادثني اثناء سيرنا في الطريق: يبدو ان الدور علينا بعد البوسنة, انه يعني بذلك اهل زوجته وأولاده والذين هم الآن بمثابة اهله وذويه حيث يعيش هو مع اولاده في اقليم كوسوفو.
مصطفى حمام الآن في عداد المفقودين او الاموات او التائهين او المهجرين قسرا او الهاربين من موت يطاردهم عبر منحنيات الجبال الوعرة.
وليس مصطفى حمام وحده يعيش معاناة المجهول، بل يشاركه ابناؤه وبناته وزوجته واهله وذووه وجيرانه، وإذا كانت التقارير الاحصائية تشير الى ان هناك اكثر من مليون مهجر وهارب وأكثر من عشرين ألف قتيل، عدا المدفونين تحت الانقاض والمقابر الجماعية او الذين قتلوا في المعارك الدائرة بين جيش تحرير كوسوفو والقوات الصربية، فهذا يعني ان 90 بالمائة من السكان هم الآن خارج الاقليم.
واثناء وجودي في البوسنة والهرسك التقيت بأساتذة جامعيين خاصة من جامعة زغرب وتحدثت مع الدكتور عثمان الذي اشار إلى ان لدى الصرب اناشيد واهازيج يتوارثونها تدعوهم إلى تمكين الصرب من تحديد مستقبلهم على هذه الارض, ويتوارث الصرب هذه الاناشيد وكأنها ترانيم دينية تدعو للثأر من كل من ينال من أرضهم او حتى يدعي الانتماء إليها.
في احد الاناشيد التي يرددها اطفال الصرب في البوسنة والهرسك ترجمه لي الاخ مصطفى هذه المقومات اللفظية لاحد مقاطع واحد من الاناشيد تلك
منذ كون الخليقة الاول
ونحن هنا
ليس معنا شريك سوى الجان
والملائكة
والقادمون من بعيد راحلون
حتى يروا عن بعد انهم اموات،
إذا استعانوا بالتاريخ لنجدتهم
ليعلقوا الصليب على رقابهم كي
تصبح دماؤهم ذات حرمة
ومحتوى هذه الاناشيد يتحد على ان المسلمين يجب ان يعودوا من حيث جاءوا أو ان يدخلوا في المذهب الارثوذوكسي ليعيشوا بقية ايامهم تحت الولاية الاصلية للصرب.
أناشيد كثيرة تتوارثها اجيال الصرب من القرن العاشر الميلادي وحتى مشارف نهاية القرن العشرين,, ألف عام من الغليان الارثوذوكسي على المسلمين الذين لا يحيطون باحقاد مشابهة لاحقاد الصرب.
عندما تطلع على افئدة الصرب وما الذي يكنونه للمسلمين او المسيحيين الكاثوليك او البروتستانت تتضح كل الاشكاليات وتتجلى الحقائق بالوقائع التي تجسدها الصور والمشاهد التي تتكرر يوما بعد يوم في البوسنة والهرسك منذ عدة سنوات وفي اقليم كوسوفو حاليا.
تركيا تعلن الآن قبولها لاربعين ألف لاجئ وفي مقدونيا وألبانيا وعلى الحدود مع كوسوفو تقام الآن دول من الخيام, فالمليون ألباني هم الآن يشيدون مدنا وقرى من الخيام، بعد ان استظلوا السماء وافترشوا الارض اياما عدة, وكان اقسى منظر يندى له الجبين ويتحرك له الضمير الانساني، اطفال تحملهم النساء, عطاشى يدخلون اصابعهم في افواههم بحثا عن الماء وأمهاتهم لا يملكن سوى قبلات يرسلنها على اطفالهن مكللة بدموع حارة تتوقد من الهول المقيم والذي لن يبرح ذاكرة كل امرأة ورجل وطفل وفتاة وشاب وشيخ.
لماذا يتساءل كل كاتب عن قصف قوات حلف الناتو للمنشآت الصربية؟ ولماذا يسأل هؤلاء الكتاب انفسهم عن الغرب وموقف الغرب من الاسلام والمسلمين؟ ليس السؤال هنا، بل لا داعي لوجوده في الاصل، فالامور لا تحتاج إلى طرح مثل هذه الاسئلة.
ان اللوم يقع على الألبان انفسهم وعلى المسلمين في البوسنة والهرسك من قبل ومن بعد, ولن اوجه اللوم إلى الاتراك فيكفيهم شرفا نشر الدين الاسلامي في اوروبا الشرقية والوسطى، فهو جهد يصل الى مرتبة الاشادة.
ان ألبان كوسوفو ليسوا أقلية, انهم اغلب سكان الاقليم, اين موقع القوة منهم؟ وأين هم من موقع القوة؟ هل كل ألبان كوسوفو فقراء معدمون لا يملكون من امرهم شيئا؟ إذن فهذه ارادة الله لهم, أم انهم فيهم من القوة ما جعلهم يشعرون انهم اقوى من الصرب انفسهم فانجلت الحقيقة امامهم عن ضعف مستبد.
كان على المسلمين في كوسوفو ان يقيموا المؤسسات وان يمهدوا لوجود القوة، بل يباشروها بالرعاية والمساندة ليصبحوا شركاء لا دخلاء, ان ضعف ألبان كوسوفو هو الذي أكد للصرب ان بالامكان اجتثاثهم من الارض, ولو كان ألبان كوسوفو اقوياء لما حاول الصرب العبث بكيانهم ومحو وجودهم.
اما القصف الاطلسي للقوات الصربية فهو شأن سياسي ولقوات الحلف الحق كل الحق في الوقوف الى جانب الانسانية فكلنا بنو الانسان ومن حقنا الاستفادة من افرازات الانسانية وتسخيرها حسب التوجه والمراد.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
حوار
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved