تصور رجلا يقف في منتصف الطريق,, أو أمام متجره أو منزله,, أو حتى في مكتبه، ينثر النقود بلا مبالاة ودون اهتمام,,!!.
كما تصور أيضا ان تلك النقود المهدورة تذهب بعيدا تتطاير بسبب الرياح دون ان يستفيد منها أحد,,!
هذا التصور الخيالي الذي نعتقد جميعا أنه لا يصدر سوى عن رجل مجنون,, وان نقوده لا قيمة لها,,!!.
أقول هذا التصور المجنون يرتكبه الكثير منا ويرتكبونه يوميا وباصرار عجيب رغم علم ومعرفة أكثرنا اننا نمارس الجنون,,والغباء,, وحتى تدمير الذات,,!!
كيف,,؟!.
الذين اعتادوا الخروج من المساجد فجرا بعد تأدية صلاة الفجر، ربما شاهدوا كم من سائق آسيوي يحمل بيده خرطوم المياه وبيده الأخرى خرقة حمراء يمررها على السيارة والمياه تنساب على أسفلت الشارع متهادية على أرضيته راسمة خطا أسود يطول,, طول مدة قيام السائق بغسل سيارة أو ما معها من سيارات أخر,.
كم لترا من الماء استهلكه ذلك السائق,, وكم يعادل ذلك من رزم للنقود نثرت في الهواء دون ان يستفيد منها أحد؟!
الاجابة لدى مصلحة المياه,, ووزارة الزراعة والمياه، فهي تعرف كم يكلف لتر الماء الذي يصلنا معقما,, صافيا,, صالحا للشرب فننثره على غسل السيارات وسكبه على اسفلت الشوارع.
نثر للنقود وتبديد للمال,, ولهبة الحياة,.
الماء في صورة أخرى,, حينما تمر في الشوارع، وأزقة الأحياء وبالذات أيام الخميس والجمع حاول ان تتفقد وتراقب أبواب المنازل,,والفيلات بالذات تجد ان تسعين المائة من أبواب البيوت ينساح منها ماء أبيض يتلألأ كالفضة تحت أشعة الشمس,, والماء بكل بساطة يتسرب من خرطوم ترك على بلاط المنزل الذي يغسل من قبل عاملة,, أو شغالة أندونيسية,, فلبينية,, هندية,, سيرلانكية,, وحتى حبشية لا يهمها ان يظل الماء جاريا فبلدانهم يستقون من مياه الأنهار,,!!
أما نحن فكم يكلفنا لتر الماء,؟!.
سؤال أجزم ان الكثيرين لم يكلف أحدهم نفسه عناء التفكير به,, مثلما لا يكلف نفسه عناء مراقبة هدر الماء اليومي مع فجر كل يوم,, ومع نهاية,, أو بداية كل أسبوع!!.
يعرف الكثيرون ان المياه التي نشربها ونغتسل بها،ونطبخ أكلنا، يأتينا نحن - أهل الرياض,, وكل مدن المملكة - من سواحل الخليج العربي والبحر الأحمر ولا يعرف أكثرنا كم يكلف ذلك!!,, فبالاضافة الى تكاليف اقامة محطات تحلية المياه المالحة المستخرجة من البحر، وتكاليف التشغيل والطاقة التي تصرف لتشغيل المحطات وتكاليف النقل حيث تقطع المياه آلاف الكيلومترات - فالمياه المحلاة وصلت الى أعلى الجبال في عسير,, والى هضاب نجد وتخوم الصحراء,, - ووراء هذا الانجاز الذي يشيد به العالم أجمع كون المملكة أكبر دولة انتاجا للمياه المحلاة,, وراء هذا الانجاز والجهد قيادة لم تبخل بشيء ورجال تفانوا بعملهم,, جيش جرار من المهندسين والفنيين والاداريين وفروا لنا المياه بأسعار لا يحلم بها أي مواطن في أكثر الدول تقدما وتقنية ووفرة مياه.
مياه كلفتها عالية,, وعالية جدا,, مياه نقية صحية,, نهدرها ونبذرها في غسيل السيارات وبلاط المنازل,, أليس هذا شبيها بالذي ينثر نقوده في الشوارع,,؟!.
جاسر عبدالعزيز الجاسر
مراسلة الكاتب على البريد الإلكتروني
Jaser @ Al-jazirah.com