Thursday 15th April, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الخميس 29 ذو الحجة


حروف شفقية
العولمة، إلى أين!؟

ان تجلس مونيكا لوينسكي الى المكتب الذي جلس اليه ميخائيل غورباتشوف ونورمان تشوارسكويف (قائد قوات عاصفة الصحراء) وما رجريت تاتشر في متجر هارودز الشهير لتوقيع كتابها اسوة بالشخصيات العالمية، فان ذلك يخبرنا الكثير ليس عن لوينسكي فقط وقصة تفاصيل علاقتها الجنسية التي صاغتها في كتاب حكاية مونيكا بالتعاون مع الصحافي الانجليزي اندرو مورتن ولكن عن ظواهر عديدة ذات ابعاد ثقافية وفكرية واجتماعية يروج لها هذا العصر المتعولم بما يفرضه من قيم ومفاهيم وتداعيات.
كما ان النظر الى حكاية مونيكا في جانبها الاخر المتصل بقرار شيوخ مجلس الكونغرس الامريكي بتبرئة الرئيس كلينتون بطل هذه القصة الفضيحة التي عاش الشعب الامريكي فصولها وفرضت على العالم معه اكثر من عام، يحمل الكثير من المدلولات التي تكشف عن هوية اقوى دولة في العالم، وهوية العصر الذي تعيشه، او تمارس العيش فيه تأثرا وتأثيرا يتجاوزان حدوث الحدث ذاته, واذا اخذنا مونيكا، الطرف الاول في هذه الفضيحة، تبرز امامنا تساؤلات عديدة منها ما يتعلق بالصورة الفردية لمونيكا المرأة ومساحة الفضاء الاجتماعي الي تتحرك في اطاره، ومنها ما يتعلق بالمجتمع الامريكي وهواجسه التي تكشف عن شروخ داخلية تجلت في صورة فتاة مدللة عابثة غير مسؤولة عن سولكياتها الشخصية والاجتماعية.
في صورة الفتاة مونيكا التي اعتادت تصّيد الرجال، بمن فيهم رئيس الدولة نفسها، نرى كيف تحولت الى ضحية ثم الى فريسة مطاردة تفكر في الانتحار! وتغدو الفتاة الانموذج في المجتمع الامريكي التي قدمت نفسها كسلعة تخاطب شريحة كبيرة منه, فمعاناة الطفولة المحرومة من العطف والحنان الاسري، ادت الى اصابتها بالتوتر والاحباط النفسيين وهذا في حد ذاته مبرر لسلوكها فهي السلعة الاكثر رواجا عندما شاهدناها على كرسي الاعتراف، وحلت صيفة على برنامج تلفزيوني معبرة عن رغبتها في ان تعلّم ابناءها الدرس الذي تعلمته! واخيرا، عندما صدر كتابها الذي يحكي دقائق تفاصيل قصتها ولكي تكتمل صورة سيناريوهات مخطط اساطين الدعاية والاعلان، جلست الفتاة الضحية تغالب الدموع الى مكتب في متجر هارودز للقاء الجماهير العريضة التي اصطفت من اجل الحصول على نسخة موقعة من كتابها!
تساؤلات كثيرة تثيرها دراما هذا الحدث/ الفضيحة بشقيه المتكون من مونيكا، البطل الانثوي،وبيل البطل الذكوري كل في موقعه بما يملكه من معطيات وتأثيراتها التي تكاد في هيكلها التراكمي تؤرخ لعصر ديمقراطي او مرحلة جديدة لها دلالاتها السياسية والاجتماعية وربما الاقتصادية الخطرة، هنا يصبح من الصعب علينا ان نفهم كيف تطبّق قوانين العدالة والاخلاقيات في اكبر واقوى دولة في العالم وبدون ان نستثني دور المخابرات الاسرائيلية بعناصره المشوقة في قصة لوينسكي وكلينتون يحق لنا ان نتساءل : كيف يبّرأ سائس اكبر دولة في العالم بعد اعترافه بممارسته علاقات خاطئة غير شرعية ولا اخلاقية وآخرها في عقر البيت الابيض ويحنث اليمين، ثم يكذب على شعبه، ويحاول عرقلة مجرى العدالة عامدا وفي نهاية المطاف تطوى صفحات القضية وكأن شيئا لم يكن!.
صحيح ان عصر العولمة بمستوياته المتمثلة في التوحد الاتصالي والالكتروني والاقتصادي قد ساهم في الترويج لهذه القصة ومعايشة تطوراتها بدرامية احداثها المثيرة عن طريق الفضائيات والانترنت لكن ذلك لا يعفي ابطال القصة من مساءلة الممارسات الاخلاقية على المستويين الشخصي والرسمي، كما انه لا يعفينا من مواجهة اسئلة او احجيات العولمة بما تفرضه من مستجدات تكاد تكون مسلمات تترك بصماتها العميقة على البُنى الثقافية والحضارية التي تمس الشعوب قاطبة وتؤثر في تراثها ومفاهيمها فاذا ارتضى الشعب الامريكي سلوكا اجتماعيا معينا في عالم أحادي القطب فهل ترضى الشعوب ونحن خاصة ما تفرضه علينا الفضائيات! قد تكون الاجابة سهلة! ولكن ما لم نعدّ انفسنا ونحدد سلوكياتنا بثوابتها ومتغيراتها، ستكون العاقبة غير ما نرتجي، ان لم تكن وخيمة، وهنا يتحدد واجب المسؤول، ومسؤولية المثقف.
بديعة داود كشغري

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved