* الكتاب : صورة اليهودي في الادب الإنجليزي
* المؤلف : د, رمسيس عوض.
* الناشر: كتاب الهلال
يحاول الدكتور رمسيس عوض في كتابه صورة اليهودي في الادب الانجليزي تتبع الصور العديدة لليهود التي جسدها الأدباء الانجليز في اعمالهم الادبية على مر العصور، منذ القرون الوسطى حيث درج المسرح آنذاك وحتى العصر الأليزابيثي وما بعده على زراية اليهودي والاستهزاء به وقد ساعد على اتخاذ اليهودي مادة للتفكه والسخرية رغبة النظارة الانجليز في المرح والتسلية واستجابة كتاب المسرح لهذه الرغبة، وهناك الكثير من المسرحيات تحذو حذو شكسبير في تصوير اليهودي كمرابٍ جشع يسعى الى خداع المسيحيين وايقاعهم في حبائله,, ولعله أصبح تقليدا مسرحيا، كما يذكر المؤلف، اساسيا ان يشير الى كاتب مسرحي انجليزي حينذاك الى اليهود إذا اراد تثبيت اقدامه كمؤلف مسرحي,, إلا ان كتاب المسرح انصرفوا لمدة ثلاثة عشر عاما عن تناول اليهود في أعمالهم المسرحية وهي الفترة الواقعة بين اغلاق المسارح في عام 1642 والسماح بعودة اليهود الى انجلترا ايام حكم كرومويل,, وحتى بعد هذه الفترة وعودة اليهود فلقد استمر إعراض المسرحيين عن تناول اليهود,, ولا يستطيع احد من الدارسين ان يقطع بالاسباب التي دعت كتاب المسرح الانجليزي بعد عودة الملكية الى البلاد الى الاعراض عن الزراية باليهود والسخرية منهم.
ومع المؤلف المسرحي الكبير شيريدان تبدأ مرحلة جديدة اتسم فيها الحوار المسرحي بظهر لكنة او لهجة خاصة باليهود الانجليز وحدهم، حيث كان اليهود يتحدثون اللغة الانجليزية التقليدية السليمة,, ومع عدد من المسرحيين كانت اللهجات اليهودية تتخذ مساحة أوسع,, وكانت من بين التجديدات التي استحدثها بعض المؤلفين المسرحيين (جون أو كيف) اختراعهم لهجة خاصة باليهود الانجليز ليس لها معنى في حد ذاتها ولكنها تعبر عما يريده المؤلف منها,, وكانت هذه اللهجة تستخدم كنوع من الزراية باليهود,, ولقد شاع هذا الاستخدام بين جميع كتاب المسرح الانجليز الذين عالجوا اليهود في كتاباتهم مما زاد من شعور اليهودي بالغربة عن المجتمع الانجليزي,, وهكذا اصبح تقليدا مسرحيا الا تتحدث الشخصية اليهودية على خشبة المسرح بلغة الانجليز بل بلهجتهم الخاصة ولقد أصبحت فيما بعد هذه اللهجة اليهودية لازمة من لوازم اليهود في المسرح الانجليزي.
ولقد حظى اليهود بحضور واسع في الشعر الفيكتوري الذي ابدى تعاطفا مع اليهود وأوضاعهم,, إذ إن جانبا كبيرا من الشعر الانجليزي المؤلف في الفترة بين عامي 880/ و1900م يدور حول تعاطف الانجليز مع اليهود بسبب ما تعرضوا له من اضطهاد، ورغم ان معظم هذا الشعر يفتقر الى الموهبة الادبية فلا سبيل الى انكار اهميته الاجتماعية,, ولقد ظهرت في انجلترا شاعرة وروائية موهوبة اسمها آمي ليفي لفتت اليها الانظار بفضل قدرتها الفائقة على التعبير عن آمال وطموحات المثاليين من في جيلها,, اضافة الى كاتبة اخرى هي مسز هنري لوكاس التي نشرت مجلدين منظومين من الشعر العبري,, ولقد تحمس لها ناقد انجليزي فقال عنها: انه لا يستطيع ان يفهم سبب احتقار الكثير من المسيحيين للدين اليهودي في وجود مثل هذا الشعر الديني اليهودي.
اما بالنسبة لحضور اليهود في الرواية الفيكتورية، فقد صور تشارلز ديكنز في روايته المعروفة اوليفرتويست شخصية يهودي عجوز يتربع على عرش الاجرام اسمه فاجين ، وهو زعيم عصابة للنشل وأول من استقبل الطفل البريء اوليفر تويست ليعلمه النشل,, وتعطي الرواية الانطباع بأن ديكنز يعتبر اليهود طغمة من الاشرار والفاسدين والخارجين على القانون، إن صورة فاجين في الرواية قميئة ومنفرة للغاية,, غير ان انصار اليهود اغابوا على تشارلز ديكنز انه سمح لنفسه ان يجاري العامة في تميزاتهم وأحقادهم ضد اليهود دون فحص او تمحيص.
ولقد اعتبر فاجين ثاني اشهر شخصية يهودية مقيتة في تاريخ الدراما الانجليزية بعد شيلوك شخصية اليهودي في مسرحية تاجر البندقية لشكسبير,, ويرى بعض النقاد ان ديكنز لم يهدف بروايته الى شن حملة ضد السامية بل انه فقط استغل الشعور المناهض للسامية الراسخ في عقول الاوروبيين منذ القرون الوسطى وربما هذا ما يفسر كتابته لاحقا لرواية صديقنا المشترك حيث يرسم فيها شخصية يهودية اتسمت بالامانة والانسانية والاخلاص,, غير ان ديكنز كما يراه النقاد لم يحالفه التوفيق في رسم شخصية اليهودي الطيب القلب مثلما حالفه التوفيق في رسم شخصية فاجين الشرير,, إن تصوير اليهود بالجشع وحب المال لم يكن فقط قاصرا على الكتاب الانجليز بل تجاوز ذلك الى الكتاب اليهود الانجليز الذين انقسموا إلى فريقين في تعاملهما مع اليهود فإذا كان فريق منهم تعاطف حد التحيز مع اليهود وقضاياهم وحقهم في وطن فإن الفريق الآخر (مسز سيد جويك) مثال إذ حاولت ان ترسم هذه المؤلفة في روايتها نقود ايزاك إلير صورة يهود فرانكفورت المقيمين في لندن حيث يشكلون مجتمعا يضع المال نصب عينيه ولا يحفل بشيء قدر احتفاله بمصالحه المادية,, وحيث ركزت على وجود القيم الروحية حتى بين اكثر اليهود فقرا.
|