سبب ترحيبي بالكتاب قبل ان اطلع عليه هو موضوعه الشيق الذي هو ايضا من صميم اعمالنا واهتماماتنا اضافة الى ثقتي في مؤلف الكتاب الذي يعد المتخصص الوحيد في هذه القضايا النقدية، في المملكة العربية السعودية كما انه غير مندفع بحماس التجديد بل بحماس التروي والاعتدال في ايراد النظريات النقدية لاصحابها كما هي على حقيقتها لا كما تداولها بعض النقاد العرب بابتسار او تشويه او غموض .
هكذا قدم عبدالله بن ادريس، رئيس النادي الادبي بالرياض، لكتاب الدكتور ميجان الرويلي قضايا نقدية مابعد بنيوية ، وقد كان ابن ادريس محقا, فقد اعترف المؤلف في بداية مؤلفه بانه لا يرفض النظرية الفرنسية المعاصرة ولا يأخذ بها، وانما القصد من كتابه هذا هو تفسير او توضيح معنى المفاهيم او الاشباح الفرنسية التي جاء بها مؤسسو ما بعد البنيوية وهذه المفاهيم هي الكتاب، والنص، والقارىء، والتأويل،والمؤلف.
يبين الرويلي ان هناك ثلاثة مستويات للغة اولها انها ملكة الانسان وميزته، اي ان ما يميز الانسان هو قدرته على انشاء اللغة من اجل التواصل، وثانيها انها نظام من الاشارات يحكمها قوانين وقواعد منتظمة، وثالثها هو الاداء اللغوي الذي يحدث عندما يتكلم الافراد بلغة ما, ويبين الكتاب ايضا ان اللغة شيء مختلف عن الكتابة التي اصبحت تمثل تهديدا للغة فهي تطمس معالمها الحقيقية وتحجبها بالقناع التنكري الذي تلبسه، بل ان الاخطاء الشائعة في الدراسات التاريخية، كما يقول سوسير، ما هي الا نتيجة للطبيعة المضللة للكتابة.
اما في الباب الثاني من الكتاب والذي يناقش مفهومي النص والكتاب فنحن ازاء مشهد جنائزي، اذ يشيع فيه دريدا جنازة الكتاب وجنازة اللغة وجنازة المؤلف, يقول الرويلي ان النص لا يوجد بذاته وانما التركيز على مبدأ الاختلاف داخل النص الذي يعتبر نسخة غير اصلية لنسخة اخرى هي غير اصلية ايضا.
اغتيال المؤلف على ايدي القتلة فوكو وبارت ودريدا ولاكان هو موضوع الباب الثالث من الكتاب حيث كانت وسيلة هؤلاء في اغتياله هي فكرة غياب قصد او نية المؤلف لان الرأي الحديث يعلن ان المؤلف لم يعد المصدر الوحيد في فهم معنى النص.
المؤلف ليس دائما على وعي تام بقصده طالما هو يستخدم لغة ليست ملكه الخاص، فهو لا يستطيع الهيمنة على كل ايحاءات ودلالات المفردات والتراكيب التي يستخدمها، وهذا الغموض يحصل على مستوى ادق القوانين القضائية والتشريعية يقول الرويلي, وبعد القضاء على المؤلف كان لابد من وجود من يرث امتيازاته وحقوقه وممتلكاته وهو القارىء الذي جاء به بارث ولكنه اعلن عن وفاته في لحظة مولده, ويمضي الكتاب في مناقشة هذه الافكار المثيرة اذ يبين ان المؤلف ليس الا عنكبوتا تذوب في عملية نسيجها لبيتها لان النص قد تحرر بفعل تعدد التأويل وكثرة المعاني، الامر الذي ادى الى تقليص حرية الناقد وعجزه عن تفسير معنى النص فيتحول النقد بعد ذلك الى عملية كتابية حرة طليقة تماما كما هو حال النص.
هذه المراجعة المختصرة للكتاب رغم انها جاءت متأخرة املاها بعد الساحة الثقافية هنا عن وجود مراجعة للكتب التي تصدر، وكتاب الدكتور الرويلي يساعد المهتم في الادب على التحاور مع قضايا النقد الادبي الحديث؛ لكن يظل السؤال حائرا، من يجرؤ على القراءة بنيويا؟!
خالد العوض