Thursday 15th April, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الخميس 29 ذو الحجة


قصة قصيرة
ضجر اليباس
عبدالحفيظ الشمري

فيما مضى كانت اقواله لا تخرج عن رفض الانحناء,, فهو لا يكف عن هذا الايغال الانفعالي بذاته اذ يعتد بها وبافراط سافر حتى اصبح ضجراً من اهوال ما عاناه بين السفوح والقمم, عاش عقوداً, نجا من اهوال عطش، ومن اعتلال، ومجازر، ولج خباء الامان من الفاقة اذ دلل بافراط,, لتتحول هذه الهالات الى جمود مظلل يشبه الشموخ.
يروض كما يليق برجل أليف الا انه لم يتخل عن ادعاء شموخه بدربة متقنة,, ليمقتني، ويذلني آخره مرة رأيته لا ينحني حتى لشرب الماء,, بل يرفعه فوق جبينه ليتهادى منحنياً الى شفاهه.
اعرفه جيداً يتقزز مني، يمقتني، ويصفني بدود الارض لفرط ما يراني اكدح في طلب رزقي، لا يحب احداً فوق ارضنا,, بل انه يمقت من يلجها، ويؤاخي بين اهلها الطيبين واصغر المخلوقات, لم يتوان في توجيه مقته لاقرب من حوله,, ولم يقلع عن ازدراء دود الارض القرمزي, حذرته من مغبة هذا الاستخفاف,, ولم يأبه,, نهرني ولذت بصمتي تاركاً لمجده الكاذب فرصة ان يتسامق.
حفظ الاشياء عن ظهر قلب، حول العالم الى ما يشبه اغنية رخيصة يتقن ترديدها, التم حوله عالم يشبع زيف شموخه ويهادنه حتى يلج النهاية بسلام,, كنت لا ادعي امامه واوصل انحنائي لرزقي لاذكره - بالفعل- بدود الارض القرمزي الناغل.
ادلج كثيراً بعناد المكابر الى آخر المطاف لينبري في سديم الوهن,, لاراه ينحني، ويكف عن ايذائي,, يقاوم - ولشدة لواعجه- وعثاء الطرقة لتلوذ روحه بالمغيب لكنه يرمم وببقايا صوت اجش خافت واجهة العناد لديه.
بعد غروب يوم غارق برتابته انطفأ، وفارق الدنيا، لف بالبياض كما يليق برجل راحل بعد عناء,, اوغل في بروده، وتيبس الجسد بفعل ثقوب تبعث قارس الهواء في ارفف ثلاجة الموتى في قبو المستشفى المركزي.
حمل الى الفناء,, وتحت التراب العبق، وفي عتمة قصية نائية دفن قرب طفل دهس بالامس, تمدد كما يليق برجل هده العناء,, داهمته النهاية بلا مفاجأة,, سعت اليه حيوانات صغيرة، اخرجت مواهبها,, بعضها يتوالد من داخل جسده المتشامخ بصلابة الموات، وتأتي الاخرى من اوكار مجاورة تعمل قدراتها في نخل الجسد الهالك.
تضمخت ذرات التراب ببقايا دماء داكنة,, ديدان الارض ولكرم جسده تضخمت، اصيبت بالتخمة,, كأنه يحافظ على صمته,, اذ لم يكن بارداً حتى اليباس كما في الثلاجة المركزية,, وكأني به وبهياجه المؤذي وهو يصف من حوله بالديدان.
جف قارب جسده، ولحا العظم شيئاً من اليباس الهش,, ديدان الارض القرمزية النهمة تدخل وتخرج في ثقوب الهيكل الشامخ,, لم ينحن,, مات صلباً، وصبوراً بشكل يفجعني لكنه متطامن بالسكون والعتمة القصية,, تدخل الكائنات كهوف عينيه الخاوية الى عتمة الجمجمة فلا يأبه بشيء.
في رحيله الى وهاد التلاشي,, ولحظة ان التم الناس قرب ترابه ليدخلوا جسداً في اخاديد الارض,, رأينا جميعاً خروج الكائنات الصغيرة من ترابه محملة ببعض شموخه، وعناء ذاته الشقية تلك التي جعلته يتعاظم بشموخ محموم، ليكثر مقتي، واذيتي، ووصفي بدود الارض القرمزي.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved