Thursday 15th April, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الخميس 29 ذو الحجة


تأملات وتوقفات
د, فهد حمد المغلوث

الحياة لا تسير وفق أهوائنا او حسب الطريقة التي نريدها او نرسمها مهما كان لدينا من مقومات الحياة الناجحة والسعيدة من مكانة اجتماعية وثراء ونحوه، ومن يعتقد ذلك فعليه مراجعة حساباته من جديد.
فكل منا يريد ان يكون في منأى عن المشاكل والهموم، وعن كل المنغصات الحياتية التي تنغص عليه راحته النفسية وتفسد عليه حياته، وتجعل منه إنسانا آخر لم يعهده من قبل ولكن هل يتحقق لكل منا ذلك؟!.
ان ابسط الأماني والاحلام التي يريد ان يحققها الانسان هو ان يعيش في سلام وهدوء، ان يحقق رغباته الشخصية المشروعة دون ان يضر بمصالح الآخرين، وان يعيش تلك السعادة التي يحلم بها بعيداً عن أعين الحاسدين والحاقدين، وان يأوي الى فراشه ويضع رأسه على وسادته وهو قرير العين مرتاح البال لا يفكر بما سيحدث في الغد, يريد الانسان منا الا يلتفت لأقوال الناس ويدير لهم ظهره، يريد الا يعير بالاً لتفسيراتهم الحاقدة او اللامسؤولة لاي تصرفات تصدر منه وهو يعتقد انها خاصة به وحده دون سواه وهو وحده المسؤول عنها,, ولكن هل يستطيع الانسان منا تحقيق ذلك او جزء منه؟ هناك اشخاص لديهم القدرة على ذلك اقصد امتصاص تلك المشاعر السلبية نحوهم والتعامل معها بشكل يساعدهم على مواصلة حياتهم اليومية بشكل عادي جداً وكأن شيئاً لم يكن! ولكن كم نسبة هؤلاء من بين ملايين البشر؟
فأنت بالفعل تريد ان تتدارك نفسك وان تكون بعيداً عن كل ما يجلب لك القلق والتوتر والضيق والاحساس بالألم ولكنك تفشل مع الاسف حتى في اقناع الآخرين بأنك لست المسؤول عما يحدث من مشاكل لهم رغم صدقك مع نفسك اولا وثقتك بها واحترامك وتقديرك للآخرين!,, وهنا تكمن قمة الألم.
أحياناً تحاول ان تداري المشكلة وتمنع حدوثها حينما تعلم عنها ولكن ومن دون ان تدري تتفاقم المشكلة او المشاكل التي تنظر اليها على انها شيء بسيط لا يدعو للقلق، تتفاقم بشكل سريع جداً ودرامي لتصل الى ذروتها لدرجة لا يعود باستطاعتك احتواءها والسيطرة عليها والتحكم فيها او حتى توجيهها او تخفيف حدتها وتضييق هوة انتشارها.
ويزداد احساسك بالمرارة او المعاناة حينما تشعر بعجزك وضعفك وقلة حيلتك بل حينما تشعر انك تتحمل اخطاء وتبعات غيرك وتنسب اليك لدرجة تجعل منك كبش الفداء! لدرجة تتعبك نفسياً وتؤرقك وتصبح شغلك الشاغل وتمحو النوم من عينيك بل ربما جعلتك تبكي حزناً على الوضع المؤسف او المحرج الذي وضعت فيه او الحالة المتردية التي وصلت اليها!
ونحن حقيقة في مجتمع لا يرحم، مجتمع يترصد لك وكأنه يريد منك أي زلة او هفوة كي يحاسبك عليها وهذا ليس تعميماً بالمناسبة، ولكنك تلاحظ انك محاسب على كل شيء تقوم به او تتفوه به من قبل المجتمع رغم انه لا يهمه ولا يعنيه من قريب أو بعيد وبخاصة في الأمور الشخصية التي لا تعني سواك، ولأننا نعيش في مجتمع كهذا فلا بد ان نتأثر به الى حد كبير بل ان الكثير من تصرفاتنا وقراراتنا الشخصية جداً تجدها مرتبطة بما سوف يقول الناس وبما سوف يؤولونها ولذلك تجد انك تحرم نفسك من متع الحياة التي أباحها الله لك ومن الحقوق المشروعة لك لمجرد خوفك من الناس ومن ردود فعلهم إذا ما قمت بها او اقدمت عليها او مارستها بالفعل.
فالانسان منا في بعض المواقف ليس مسؤولا عن تصرفات غيره مهما كانت درجة قرابتهم منه او صلتهم به، وبالتالي ليس هو الملوم او من يوجه اليه اصابع الاتهام فالآباء والامهات - اطال الله في اعمارهم وحفظهم من كل شر - لا يلامون على كل تصرفات ابنائهم وبناتهم,, ليسوا مسؤولين عن كل ما يحدث لهم,, صحيح ان من حقهم الوقوف معهم ومؤازرتهم ومساعدتهم وقت المحن والشدائد والازمات ولن يبخلوا بذلك طول العمر وصحيح ان للتربية والتنشئة الاجتماعية دورا واضحا في تصرفات الابناء وتعاملهم مع غيرهم حتى بعد سن الرشد وما بعد الزواج ولكن هذا لا يعني بأي حال من الاحوال ان نسقط كل اخطاء الابناء او اغلب تصرفاتهم على الوالدين ابداً؟! الا يكفي هذين الوالدين ما قاما به طوال حياتهما من تضحيات؟ وما حملاه من هموم؟ وما افنوه من عمرهما في التربية؟ فهل نحاسبهما على اشياء خارجة عن ارادتهما وعلى تصرفات غيرهما؟!.
اننا هنا نتحدث عن تصرفات شخصية وفروقات بين الأجيال نتحدث عن اشياء لا علاقة للوالدين بها ابداً,, نحن نتمنى من كل قلبنا الا يتصرف الابن تصرفات غير مسؤولة دون الرجوع الى والديه او اقرب الناس اليه كي لا يستعجل ويسرع خصوصا في امور حساسة او مصيرية وتتعلق بوضع الاسرة وسمعتها فيسيء الى نفسه اكثر مما يسيء الى غيره ولكن هل كل ما نتمناه نحصل عليه؟ وهل كل ما نريده نجده؟.
ان اشد ما يحزن الانسان - انا وانت وغيرنا - ان نكون سببا في تعاسة الآخرين ومصدرا لشقائهم في الوقت الذي يمكن ان نقدم لهم فيه كل الدعم والتشجيع والمؤازرة والكلمة الحلوة, لأن الانسان هو الانسان اينما كان واذا كنت شخصياً اتمنى ان يحقق لي غيري اشياء جميلة احلم بها او ان يعاملني معاملة راقية ويراعي مشاعري ويقدر ظروفي فلا بد - من باب اولى - ان احقق له هذا الشي نفسه وان اعامله نفس المعاملة,, وان لم استطع ذلك فعلى الاقل ابتعد عن كل ما يسيء اليه ويهينه ويجرح كرامته.
والحقيقة اننا أحياناً نتصرف تصرفات لا ارادية لا نرضاها لانفسنا، تصرفات تجعلنا نتضايق من انفسنا، تجعلنا لا نصدق اننا نحن من يقوم بتلك التصرفات,, نتمنى لو لم يحدث لنا ذلك ولكن هناك اشياء بداخلنا تقاومنا وتدفعنا لتلك التصرفات التي تغضب الآخرين منا رغم انها تريحنا وتشعرنا بالسعادة احياناً ولاسيما اذا حدثت في الوقت المناسب وبالصورة التي نريدها وفي الأجواء التي نحلم بها.
نعم هناك امور تجبرنا على اتخاذ مواقف معينة لا يرضاها الآخرون منا، ومنها شعورنا بعدم الارتباح للوضع الذي نحن فيه او اكتشافنا لمعلومات جديدة او سماعنا لحقائق اضافية او شعورنا بالتسرع,, وكل أمر من تلك الامور له مبرراته وتعتمد من شخص لآخر ولكن السؤال هو كيف أفاتح بها غيري ممن يعنيه الأمر بها؟ ومتى؟ والأهم من ذلك هل اقابله للنقاش والأخذ والعطاء ام ان المفاتحة في الموضوع هي لمجرد اخباره بالموضوع وبالقرار المتخذ وكفى؟!.
ان مبدأ المصارحة لدينا مفقود في كل امورنا الحياتية تقريباً حتى بين الكثير من المتزوجين وهذه مسألة مرتبطة جذورها بعوامل التنشئة الاجتماعية التي ترسبت فينا مع مرور السنين وتركت بصماتها الواضحة على حياتنا وطريقة تعاملنا واسلوب تفكيرنا.
وانت هنا ربما تساءلت ترى هل البعد المكاني الذي نلجأ اليه ونُرغم عليه هو الحل لمشاكلنا المستعصية وهمومنا الأزلية؟ هل السكوت القسري الذي نُرغم عليه هو السبيل لعدم تأزم اوضاعنا الاجتماعية وحالاتنا النفسية وتفاقمها؟ بل هل مجرد ازالتنا لشيء اسمه حلم جميل من عقولنا ووأدنا لكل رغبة بريئة من نفوسنا هو الطريق للراحة النفسية وعدم التفكير في الأمور المزعجة المنغصة لنا؟.
نحن بشر يؤثر فينا كل شيء مهما كان بسيطاً ونتأثر به ولكن هذا لا يعني ان نحكم على انسان من خلال تصرفات الآخرين ومن خلال حكمهم عليه ولو اضطررنا لذلك فحبذا لو كان هذا الحكم وقتياً يعبر عن فورة الغضب ولا يتجاوز مرحلة زمنية طويلة لأن الانسان لا يستحق ان يخسر اخاه الانسان مهما كانت المسببات لان الانسان بحاجة لان يزيل من قلبه ترسبات الماضي البغيضة وخبراته السلبية الماضية او على الاقل يدفنها في اعماق سحيقة مظلمة ولو في اوقات معينة، تلك الاوقات التي يريد ان يعيش فيها الحياة ويستعيد فيها الأمل وروح التفاؤل، ويرى من تلك الحياة جمالها الحقيقي البسيط البريء والذي لا يمكن ان يرى بشكل ايجابي مشرق ونحن نحمل في قلوبنا بعض ترسبات الحقد والذكريات السيئة .
اعلم ان هذا قد يكون صعباً ان لم يكن مستحيلاً لدى البعض فهل حاولنا؟ مجرد محاولة هذا ما نتمناه وننتظر تحقيقه لانه بالفعل يستحق المحاولة ولأنها حقائق تستحق التوقف عندها والتأمل فيها.
همسة
حينما يكون قدرك,.
ان تتحمل اخطاء الآخرين,.
ان تلام لانك تنتمي اليهم
* * *
حينما يكون مصيرك,.
كدرة نفيسة مهملة,.
لا يعرف قيمتها الآخرون.
* * *
حينما يكون نصيبك,.
لا يتناسب مع تضحياتك,.
لا يمثل حقيقة من انت,.
* * *
فحينئذٍ
قد تُظلم الدنيا في وجهك,.
قد توصد الأبواب امامك.
قد يتملكك الاحباط
قد تهتز صورتك امام الآخرين!.
قد تفقد ثقتك بنفسك
بكل المحيطين بك,.
* * *
ولكن حينما نكتشف
انك لست بمفردك,.
ان هناك من هو بجانبك,.
من يقدر وضعك,.
من يمد لك يد العون,.
من يصر على مساعدتك,.
* * *
حينها,.
سوف تتنفس الصعداء,.
سوف تستشعر بشائر الأمل
سوف تستعيد روح التفاؤل,.
سوف تشكر الله,.
لانك سوف تدرك
أن الخير لا يولِّد سوى الخير
وان الحياة بدأت من جديد,.

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved