الثعلب الامريكي اغدق امواله على النمر الآسيوي الناشىء، وكلأه بالرعاية، ليوهم سلاحف العالم الثالث بأن الرفاه مرهون بالاقتداء بالنمر السريع، لا بالدب الروسي القوي وكادت الحيلة ان تنطلي.
فالدب الروسي يحتضر والنمر يتابع الانطلاق بأسرع مما يعدو الثعلب نفسه، والثعلب مضطر لقطع المؤونة وتصفية صديقه القديم.
اهي غابة اقتصادية تلك العولمة التي يطالعنا بها اعلام الغرب صباح مساء، ام ان العم سام يلعب الشطرنج باسلوب التضحية؟!
جاء في كتاب قراءة في ازمة دول النمور للدكتور سمير صارم سؤال مهم هو, هل كانت امريكا وراء عملية انهيار الدول الآسيوية؟!
ومن ثم، هل ذلك لان دور تلك الدول قد انتهى؟ ام لانها باتت تشكل خطراً اقتصادياً واضحاً على المصالح الامريكية؟ ام لانها بدأت تخرج عن نطاق السيطرة الامريكية؟ اذ هي تسعى من جهة لاقامة تكتل مستقل تكتل القوقاز الاقتصادي مثلاً ومن جهة ثانية نتيجة الدخول الكبير والقوي لمنتجات تلك الدول الى اسواق اوروبا وامريكا، بحيث باتت تهددها في عقر دارها.
وباعتراف الاوروبيين قبل الازمة، فان الاقتصاد الآسيوي سيكون معجزة القرن القادم.
وما دام النظام العالمي الجديد يتم تشييده بناء على مستوى الاداء الاقتصادي، فهذا يعني ان النمور الاسيوية كان يمكن ان تكون القوة الدافعة للاقتصاد العالمي.
وهو ما اكده المؤرخ ارنولد توينبي في كتابه حضارة رهن المحاكمة عندما قال: ان التأثير الآسيوي على الحياة الغربية سيكون اكثر عمقاً من روسيا الشيوعية، وان حالة المد سوف تحول قريباً لصالح آسيا.
كما اكد المؤلف البريطاني روبرت بانين في كتابه ثورة آسيا ان منطقة آسيا تتحرك بقوة.
والسؤال المهم مرة اخرى ماهي اسباب انهيار دول النمور؟!
ان دور الازمات الاقتصادية والبنيوية والفساد المستشري في بعض تلك الدول، قد يكون من اسباب الانهيار.
بيد ان سرعة الانهيار الذي وصل الى درجة التدمير، فاصاب الاقتصاد والمجتمع والقيم لا يمكن ان يكون امراً عادياً، فلابد من ان له اسبابه الاخرى غير المحلية.
وابرز هذه الاسباب الوضع الدولي الجديد الذي اصبحت فيه امريكا القوة الاولى المهيمنة.
كما باتت حرية التجارة وسهولة الدخول والخروج من الاسواق بعد اتفاقيات الجات وبروز ظاهرة العولمة، عوامل اخرى اسهمت في الوصول الى ما وصلت اليه تلك الدول.
ان الانهيار الذي بدأ منذ شهر يوليو 1997م والذي حول النمور الآسيوية الصاعدة الواعدة الى نمور مريضة، فاجأ المراقبين وجماهير الناس المعجبين بتلك المعجزة الآسيوية وبنمورها.
فقد تسببت تلك الازمة في الكثير من البلبلة حول حقيقة ما جرى وابعاده، حتى وصلت المأساة الى ذروتها، واكتوى المواطنون بنارها.
لقد حدثت الازمة في ظل ظروف دولية منها:
1- انتهاء الحرب الباردة وسقوط المعسكر الشيوعي.
2- انتهاء عالم ثنائية القطبية وبروز عصر القطب الواحد المتمثل في الولايات المتحدة الامريكية، رغم محاولات كسر احتكار القطب الواحد.
3- قيام منظمة التجارة العالمية wto والمطالبة بفتح الحدود، وتحرير الاسواق، وسطوة عالم الرأسمال.
4- التبشير بزمن العولمة او العالمية الساعية لفرض قيم وسلوك ومنتجات القوي على حساب الضعيف.
لذا، يؤكد كثير من المتابعين والمحللين ان بروز عالم القطب الواحد وتحرير التجارة، والعولمة والحلم الامريكي الاوروبي بالسيطرة الاقتصادية على العالم، عوامل مسؤولة بشكل ما عن انهيارات اسواق المال في جنوب شرق آسيا، وما تبعها على الاصعدة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
فمع نهايات القرن الحالي بدأت قضايا العولمة وتحرير التجارة تطرق بشدة ابواب العالم، وتسبب هزة شديدة للعالم النامي.
وللاسف، فان كثيراً من الاسئلة المهمة ستبقى دون اجابات مقنعة!
فهل انتهت عاقبة المعجزة الآسيوية كما تذكر بعض الكتابات الغربية، ام انها كبوة ستستعيد بعدها تلك النمور عافيتها وتنهض من جديد؟! وماذا يعني انهيار العملة الوطنية؟! وهل تفيد القروض الدولية في اعادة الاستقرار للعملات الآسيوية، ام تكون وبالاً عليها؟ وما الدروس المستفادة من تلك الازمة، الى غير ذلك من تساؤلات تفرض نفسها!!
وفي محاولة لالقاء الضوء على الاساليب التي ادت الى الانهيار المفاجىء لهذه الاقتصاديات الاسيوية، وفي محاولة لتقديم تفسير مقنع للحقيقة سرد بعض المحللين والاعلاميين والسياسيين العديد من القصص عن الفساد المستشري في كوريا الجنوبية، وسوء الادارة في اندونيسيا، والخداع التايلاندي.
وختاماً اقول ان الوضع صعب ويجب انهاؤه لذلك فالتضحيات مطلوبة، وينبغي ان يشارك بتقديمها الجميع، وينبغي ان تترافق تلك التضحيات باجراءات في الداخل تكملها حتى تتم المعافاة وتنهض النمور من جديد قوية صحيحة منافسة, فليست الصعوبة في ان تصل الى القمة بل الصعوبة ان تحافظ على وجودك فيها.
د, زيد بن محمد الرماني
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو الجمعية الدولية للاقتصاد الإسلامي
عضو جمعية الاقتصاد السعودية