في زمن تولّى زار أحد الحكماء ثريا من الأثرياء، فاستنصحه الثري، فقال له الحكيم مهونا عليه شأن الدنيا!
لو كنت في مظمأة يوم حر قائظ، وبلغ بك العطش مبلغا كدت تفقد فيه حياتك، ولم تقدر على الماء! وقيل لك:
هل تشتري كأس الماء البارد بنصف ما تملك؟ فهل ستوافق؟ فأجاب الثري: نعم، وأنقذ حياتي! فقال له الحكيم: ولو حصر هذا الماء في جسمك، ولم يقدر على التخلص منه بالبول، وكان ثمن ذلك ان تدفع نصف مالك الباقي فهل تبيع؟ فأجاب الثري: نعم، وأنقذ حياتي! فقال الحكيم: ما قيمة مال، يقوم بكأس ماء!.
إذا تذكرت الصورة الايضاحية لهذه الموعظة التي سبقت للتهوين في شأن الدنيا، وللتشجيع في التسامي عليها والزهد بها، تذكرت المعاناة التي تمر بها بعض مدننا وقرانا عند حاجتها للماء وعند التخلص من مياه المجاري والسيول.
لقد بُنيت معظم مدننا وقرانا على شواطىء البحار وحواف الأودية، ومعنى هذا ان مشكلتها الهامة هي من وجهين الحصول على الماء، والتخلص من فائضه!.
ولقد حققنا -بحمد الله وفضله- معجزات حضارية تنموية في شتى أنحاء الحياة المدنية في بلادنا الواسعة على مستوى الطرق، وتخطيط المدن وعمرانها، وأنظمة الاتصالات، ونجحنا -بحمد الله- ثم بالجهود المتواصلة من حكومتنا بتحقيق ضمانة وصول مياه الشرب المحلاة لكافة مدننا، ومحطات مياه التحلية على شواطىء بحارنا شواهد على تحقق هذا الانجاز.
لكننا على صعيد انجاز شبكات تصريف مياه المجاري وتصريف مياه الأمطار، لازلنا بحاجة الى مواجهة هذا التحدي الذي سيتفاقم شأنه مع تكاثر السكان وتوسع المدن.
ولقد نشطت شبكات تصريف المجاري بمدينة بريدة مثلا في فترة من الفترات، وغطت بعض الأحياء القديمة في المدينة، لكنها بعد ذلك انقطعت عن مرافقة الأحياء الحديثة ولم تشاركها الحياة!.
ولست أدري ما هي الأسباب التي جعلتها لا تشهد هذا النشاط الحضاري داخل الأحياء الحديثة؟, ومن غير المناسب ان يشهد المبنى العصري الحديث كل الخدمات العصرية الحديثة من طريق مسفلت، وخدمة كهربائية وهاتفية ومياه شرب، ثم تغيب خدمات تصريف المياه الصحية، وهي الأهم؛ لأن التخلص منها له أهمية كبيرة على صعيد سلامة منطقة الحي من الطفح وسلامة المباني من التصدع والسلامة الصحية من أضرار مياه المجاري!.
ومنذ سنتين ونحن نقرأ أخبارا تدل على حيوية ونشاط مصلحة مياه المجاري، ونقرأ عن عقود توقع لبناء محطات ضخ وتنقية، واتمام شبكات عامة في كثير من مدن ومحافظات بلادنا، ونأمل ان تكون هذه الحيوية دليلا على محاولة تلافي هذا التأخير الذي حدث في هذه الخدمة، وتعميمها لترافق النشاط المتسارع في مدننا، ولنراها دائما مع الخدمات الأخرى التي قلّ ان تغيب.
***
الحساسية الموسمية
نحن اليوم في منتصف ابريل حيث يوشك شهر الربيع ان يرحل، لقد أزهرت الحقول والبراري من حولنا، فهل هذا سبب رئيس للحساسية الموسمية التي دخلت هذا اليوم في كل منزل بمدينة بريدة، هذا على حد علمي ولا أدري ما الواقع في المدن الأخرى، أكتب هذه السطور وأنا أعاني من الحساسية، وقد عدت من المسجد فلا تسمع للمصلين فيه إلا سعالا ونشيجا ولا تستثني منهم إلا القليل! وان شكوت لغيرك وطأة الحساسية قال لك: إنني أعاني أكثر منك! حتى غير السعوديين يقولون لم نعرف هذا النوع من الحساسية إلا عندما أقمنا عندكم! إن العيون لتدمع، والأنوف لتنشج، والصدور لتئز! وترى مواقع الطوارىء في المستشفيات مشغولة أسرتها بالمراجعين المنومين على الأسرة ينتظرون أدوارهم لشهقة أكسجين نقية يستردون بها أنفاسهم! ومستشفى الصدر يعمل بكل طاقته، وتسأل الأطباء، فيقولون لك: إنه تغير المناخ، وجفاف المنطقة، وتلوث الهواء، وبعضهم يقول لك: إن السبب شجرة البرسوبس، لكن الرأي الراجح غامض مثل غموض الحساسية نفسها! ونتساءل ألا من موقف علمي عملي نكتشف فيه أسرار هذه الحساسية، أسبابها مسبباتها,, كيفية الوقاية منها وعلاجها!.
هل تنهض وزارة الصحة ممثلة بادارة الشؤون الصحية بالقصيم، فتدعو الى اقامة ندوة علمية تجمع بين التطبيق العملي والدراسات النظرية، يُدعى لها أفضل الاختصاصيين في أمراض الحساسية من داخل المملكة وخارجها لكي يدرسوا الحالة على الطبيعة ويقولوا كلمتهم العلمية لنتخذ قرارنا العلمي للقضاء على هذه الآفة التي تخنق الصدور وترهق القلوب، وتحرمنا من نعيم الهواء ونعمة التنفس.
وهل يتم تأسيس مركز علمي تخصصي لأمراض الحساسية بمستشفى الملك فهد التخصصي بالقصيم تكون مهمته بحثية تطبيقية لدراسة ورصد هذه الظاهرة، وان يدعم هذا القسم بالأطباء الاستشاريين وبالأجهزة الحديثة القادرة على اختبار الحساسية على أساس علمي حديث، ويتم التنسيق فيه مع أحدث الأقسام العلمية المشابهة بالداخل والخارج للتوصل الى أحدث الأساليب وأصح الفحوص والنتائج لضمان علاج فعال بإذن الله.
عبدالكريم بن صالح الطويان