Thursday 15th April, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الخميس 29 ذو الحجة


الفريسكو ,,أرق فنون تجميل البيئة الداخلية

اوضحت الرسوم التي عثر عليها في كهوف انسان ما قبل التاريخ ان انسان هذه المرحلة كانت لديه الرغبة في تجميل محيطه الخاص باضافة الالوان والرسوم الطبيعية لجدران الكهوف وكان التعبير الفني في هذه المرحلة جزءا لا يتجزأ من الطقوس والمشاعر العقائدية.
وحققت الحضارات القديمة تقدما حقيقيا في هندسة وتخطيط محال الاقامة ويمكن رصد ذلك بوضوح فيما تبقى من آثار الحضارات القديمة في بلاد الرافدين وفلسطين وحضارات حوض البحر الابيض المتوسط حيث تميزت الحضارة الفرعونية بتقنيات غاية في التقدم سواء من حيث الهندسة المعمارية او التصميم الفني خاصة التصميمات الداخلية في المعابد والمقابر او البيوت والقصور ومازالت هذه الآثار تشي بالاهتمام بالتصميمات الداخلية بحيث تتحقق الوظيفة عبر منظور جمالي وابداعات فنية راقية تحقق اشباعا روحيا.
ودعمت الكشوف الاثرية الحديثة اهتمامات الحضارة الصينية القديمة بالاعمال الفنية الوظيفية التي تحقق المتعة الفنية مع الممارسة والاستخدام اليومي للادوات والآنية والاماكن.
ومع ظهور الحضارة الغربية التي يؤرخ لبدايتها بالحضارة الاغريقية ظهرت اهتمامات عديدة بالبيئة الداخلية مازال الكثير منها باقيا الى اليوم وافتتن الفنانون الرومانيون - الذين قامت حضارتهم الرومانية على اكتاف الحضارة الاغريقية - بالاحتمالات غير المحددة لتنظيم البيئة الداخلية وتنميتها وتطويرها.
وقد اثرى تراث الحضارتين اليونانية والرومانية الحضارة الغربية الحديثة على مر السنين كما استفادت هذه الحضارة من المنتج الثقافي الشرقي وان كان هذا التأثير قد جاء متأخرا وتحقق بشكل غير مباشر عكس التأثيرات التي جاءت من الحضارتين الاغريقية والرومانية فقد كانت واضحة ومباشرة.
اخذت هوية جديدة في التصميم الداخلي تتشكل مع بدايات القرون الوسطى (القرن الخامس الى القرن الخامس عشر الميلادي) بعد ان اخذ الناس ينتقلون من الشكل البدائي الذي كانوا يعيشون فيه في بداية هذه المرحلة حيث لم تتعد منازل العامة كونها اكواخا متواضعة تمثل الشكل البدائي للحماية من تقلبات الطبيعة والطقس اما النبلاء والاقطاعيون فقد كانوا يقيمون في قلاع مبنية من الاجحار الصلدة لغرض اساسي هو الدفاع والحماية من غارات الاعداء وكان لابد مع النمو الحضري والحضاري ان تأخذ المساكن طابعا جديدا وتم تقسيمها الى مساحات مختلفة الاغراض ، ولأغراض التحكم في درجة حرارة البيئة الداخلية الجديدة بدأ البحث عن خامات مختلفة تؤدي هذا الغرض تغطى بها الجدران والاسقف والارضيات فأدى ذلك لاكتشاف دور الجبس (المصيص) في العزل الحراري حين تغطى به الجدران الحجرية ومع التطور والنضج الفني بدأ تلوين ورسم الجدران المغطاة بالمصيص فنشأ في الفريسكو.
والفريسكو تعبير مشتق من الكلمة الايطالية FRESCO ومعناها (الطازج) وهو اسلوب فني يعتمد على الرسم بالالوان المائية على الجبس قبل ان يجف ويطلق اسم الفريسكو على الاعمال الفنية التي انجزت بهذا الاسلوب الذي كان يسمى في عصر النهضة بالفريسكو الحقيقي BOUN FRESCO تمييزا له عن الفريسكو الزائف FRESCO SECCO.
وقد عرف قدماء المصريين الفريسكو كما عرفه الاغريق والرومان كذلك عرفه سكان جزيرة كريت وقد عثر على آثار فريسكو رومانية رائعة في هيركولينوم وبومبي كما عرف المسيحيون الاوائل هذا الفن واستخدموه في تزيين حوائط السراديب وأسقف المدافن المحفورة بباطن الارض حيث عثر على نماذج منه في مقابر (الكاتا كومب) وفي بعض الاقبية.
ويستخدم تعبير الفريسكو استخداما غير دقيق في تسمية رسوم التمبرا TEMPERA التي يقوم فيها الرسام بخلط الالوان المائية مع البيض او مواد غروية اخرى ليرسم بها مباشرة على الاسطح الجيرية.
في تقنية الفريسكو الحقيقة تضاف الصبغات الى الطبقة السطحية لعدة طبقات من الجبس وغالبا ما يضع الفنان تصميمه الفني على الطبقة قبل السطحية ثم يقوم بتحديد الخطوط الخارجية لمختلف الاشكال بالالوان المائية ويقوم بعد ذلك بوضع طبقات الجبس بمساحات صغيرة يقوم بتلوينها قبل ان تجف ويدعمها بمساحات مناسبة من الالوان المتوافقة معها ثم يترك العمل ليتفاعل ملح الكالسيوم الموجود في الجبس مع ثاني اكسيد الكربون الموجود في الجو لتتكون طبقة فيلمية فوق الالوان تثبتها وتجعلها جزءا لا يتجزأ من السطح وتعطي الالوان نصاعة مميزة, وتستخدم الالوان في الفريسكو على شكل طبقات رقيقة شفافة وغير داكنة ذات مظهر طباشيري وتتميز اعمال الفريسكو في عصر النهضة بالالوان المشبعة.
في تقنية الفريسكو الحقيقي يجب ان يتم الرسم بسرعة وخفة مع التركيز على الاساسيات ويجب على الفنان ان يحدد بدقة كمية الالوان المائية التي يستطيع الجبس امتصاصها فاستخدام كمية اكبر من اللازم سيفقد السطح النعومة ويفسد العمل مما يجعل ازالة الجزء التالف واعادة التنفيذ بكميات مناسبة امرا لا مفر منه.
اما في تقنية الفريسكو الزائف فينعم السطح الجبسي باستخدام حجارة التنعيم المناسبة لإزالة الطبقة السطحية الخشنة ثم يغسل بماء مذاب فيه جير وتضاف الرسوم والالوان بعد ذلك للسطح.
ويختلف مستوى الناتج الجمالي بين التقنيتين اختلافا كبيرا فمستوى الفريسكو الزائف اقل جمالا بكثير من الفريسكو الحقيقي والرسوم اقل جاذبية والالوان اقل وضوحا ونصاعة.
أحمد إبراهيم أحمد

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved