اريد هنا ان اوضح نقطة هامة من نقاط المعرفة البشرية المتصلة بالانتاج الادبي واركز قليلا على شخصية المنتج الذي هو الكاتب وشخصية المنتَج الذي هو بطل العمل الادبي او احد اركانه, وهنا اقول بان الكاتب مهما تميز بتفوقه الثقافي والمعرفي والعقلي فانه في النهاية يكتسب المعرفة ولا يبلغ ذروتها,, اي ان عمله ناقص مهما تقدم في درجات الكمال.
وعلى هذا فانا اخالف من يقول بالخلق الادبي وانه قام بخلق شخوصه القصصية او الروائية, ان الخالق هو كامل العلم والمعرفة ولا شيء يزيده معرفة وعلما، ولكن الكاتب هو مخلوق وهو ناقص العلم والمعرفة ويتعلم من شخوصه ويجهل مصائرهم النهائية فالشخصية هي التي ترسم خطواتها، ولشيء من الوضوح فان شخصية في قصة قصيرة يكون الكاتب انتهى منها - يمكن لها ان تعيد الكاتب اليها لتحول هذه القصة القصيرة الى عمل روائي بما يستجد لها من احداث ويمكن ان تتحول هذه الرواية الى ثلاثية او اكثر من الاجزاء الروائية فالشخصية هي التي ترسم خطواتها وتصنع احداثها والكاتب عندما يباشر في الكتابة وفي اثناء الكتابة تتضح امامه هذه الصورة وبالتالي يقوم برسمها، الامر الاخر ان هذه الشخصية قد ترفض ما يكوّن عنها الكاتب مسبقا، والواقع فان الكاتب ينتج الادب ولا يخلقه كما ان الفلاح ينتج الزرع ولا يقوم بعملية نفخ الحياة فيه كما ان الام تنجب المولود ولا تخلقه ولا يمكن للمخلوق ان يكون خالقا بأي وجه لانه يكون التناقض بروحه فالمخلوق ناقص المعرفة والخالق كامل المعرفة ويعلم الغيب، وثمة امر آخر لابد من ايضاحه في هذه النقطة وهو ان الابداع في الخلق يكون جديدا لامثيل له من قبل، فالانسان هو خلق جديد وابداع جديد والحيوان هو خلق جديد وابداع جديد والجن خلق جديد وإبداع جديد والملائكة خلق جديد وابداع جديد,, ان الخالق حينما يبدع فانه يبدع جديدا ولكن الكاتب الذي يقول بالخلق فهو لا يقدم جديدا,, انه ينقل الانسان المخلوق بصورته الفيزيائية والسيكولوجية، ينقله كاملا من الواقع - حتى لوكان هذا الواقع خياليا- الى الورق فالخلق يقترن بالابداع والكاتب يعجز ان يخلق كائنا جديدا ويبدع كائنا جديدا ولكن الخالق يستطيع ان يخلق ويبدع كائنا جديدا غير الانسان والحيوان والجن والملائكة ، ونحن بطبيعة الحال نقدم افكارا جديدة عبر ابطالنا وشخوصنا,, وليست وظيفة الادب الخلق ولكن من ابرز وظائف الادب فضح واقع وتعريته بهدف اصلاحه.
والادب صرخة وجدانية تنطلق من ضمير الكاتب ودوما الغاية الكبرى من الادب هي تقديم المسرة والحقائق للمجتمعات والتخفيف من الالم والمعاناة وايضا فالادب لا ينجح كاملا في هذه الوظيفة لان ما يقوله الاديب هو نسبي يحتمل الخطأ ويحتمل الصواب وقد يحتمل معا جانبا من الصواب وجانبا من الخطأ لان علم هذا الاديب ناقص ولذلك فان الرسول صلى الله عليه وسلم جاء أميّاً ولم يتلق علمه من الناس ولم يتلق الادب من الناس، بل تلقى المعرفة من الله ,, وهي معرفة كاملة ولذلك فهو معصوم ولذلك فهو اسوة على قاعدة قوله:
أدبني ربي فأحسن تأديبي , إذن نحن مخلوقات تتعلم وهذا ليس عيبا ولا نقصا فينا فكل جيل يقدم جديدا للجيل القادم وليس مطلوبا من الانسان ان يتحدى طبيعته البشرية ليعلم كل الحقائق ويبلغ الكمال المعرفي لانه عند ذاك سيولد كل انسان نسخة مكررة من الانسان السابق ولن يكون لوجوده اي معنى ولذلك فان الانسان يثق بالانسان ويتواصل في التزاوج والبناء الاسري لان الحياة هي اغنى واثرى من جميع تصوراته ودوما يمكن ان يأتي ما هو الابهى والاكثر ادهاشا.
عبدالباقي يوسف