قول الشعر انما هو للمتعة والترويح عن النفس، ولكن الشاعر يوجه شعره في وقت الأزمات للدفاع عن عقيدته أو للدافع عن وطنه، وتكون رغبته في قول الشعر ذات صلة بعواطفه، فيأتي الشعر قويا مؤثرا، وذاك ما نلحظه في شعر شعراء الأمة الاسلامية في زمن اجتياح الصليبيين بلاد الشام في آخر القرن الخامس، وفي القرنين السادس والسابع، فعندما دخل الصليبيون انطاكية علت اصوات الشعراء، وعندما احتلوا بيت المقدس كثرت قصائد الشكوى والاستنجاد وقد وقف الشعر مع المجاهدين؛ يعلو صوته في انتصاراتهم حيث نجد ذلك في قصيدة العماد الاصبهاني: أطيب بأنفاس تطيب لكم نفسا التي اشاد فيها بانتصار صلاح الدين الأيوبي على الصليبيين في معركة حطين وفتح بيت المقدس، وينخفض صوت الشعر عندما يتقدم النصارى أو التتار في البلاد الاسلامية، لقد سكت الشعراء في بغداد في زمن اجتياح التتار لعاصمة البلاد الاسلامية، كما سكت شعراء الشام عندما تكالب على بلادهم التتار من جانب والصليبيون من جانب آخر، وعندما أوقف المماليك زحف التتار في عين جالوت نطق الشعراء، على حد قول الشاعر القديم (فلو أن قومي أنطقتني رماحهم,, نطقت) واذا طالت الازمات وتتابعت خف حماس الشعراء لقضاياهم، فالحروب الصليبية دامت قرونا، ثم اجتياح التتار، فتتابع تلك الازمات جعل بعض الشعراء يصرف شعره الى اغراض اخرى، ولذلك نلحظ وجود انماط من الشعر في زمن كانت فيه المعارك قائمة على ساق بين المسلمين والصليبيين، أو بين المسلمين والوافدين من الشرق، ومن تلك الانماط الشعر التعليمي، فقد نظمت العلوم في منظومات تسهل على الطلاب تحصيلها وحفظها، فالنحو جعل في منظومات من أوله الى آخره، ومن تلك المنظومات النحوية ألفية ابن مالك التي تبدأ بقوله قال محمد هو ابن مالك وقد خدمت تلك المنظومات النحوية تلك العصور، وما بعدها فأصبحت دراسة النحو تبنى على تلك المنظمات، وقد تناولها الشراح بالبسط والتفصيل، واخذ طلاب العلم يقفون على معانيها عن طريق دراسة الشروح، وما كان سائدا في علم النحو امتد الى العلوم الاخرى، فالعلوم الدينية نظمت ايضا في منظومات، وقد رأى المعلمون والمتعلمون ان حفظ تلك المنظومات يسهل عليهم تحصيل تلك العلوم, ومما جد عن انماط الشعر في زمن تلك الازمات الشعر الصوفي، والمدائح النبوية ومدائح علي بن ابي طالب، وشعر المناسبات؛ من عيد، وحج، وصوم، وختان، ومولد النبي صلى الله عليه وسلم، فقصائد مدح النبي صلى الله عليه وسلم موجودة منذ زمن حسان وكعب بن زهير، ولكن الاتجاه الى هذا النمط عن الشعر اشتهر في عصور الازمات اكثر من اي عصر تقدم عليه، ومما انتجه الشعراء المعارضات وقصائد الحكم، فبروز قصائد الحكم جعل الشعر مصدرا من مصادر الأخلاق مثل قصيدة ابن الوردي (اعتزل ذكر الاغاني والغزل)، ولامية العجم للطغرائي (اصالة الرأي صانتني عن الخطل) ومما يلحظ على شعر القضية الفلسطينية الاستمرارية مع تتابع السنين، اما اندفاع الشعراء لنصرة اخوانهم في الجزائر فهو محكوم بقصر المدة، والشعر الذي قيل في ازمة الخليج كثير مع قصر المدة، فالشعر قد يستمر اندفاعه في الازمة القصيرة ويخف حماسه في الازمة الطويلة.
د, عبدالعزيز بن محمد الفيصل