Thursday 8th April, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الخميس 22 ذو الحجة


الثقافة رهان حضاري
(6) لُبّ ثقافة الأدب
أ,د, كمال الدين عيد

من البداية نقول ان ثقافة الأدب هي أقدم الثقافات, فالكلمة النابهة كانت وستظل هي معيار الاتصال, وحينما يهبط فن من الفنون الثقافية - كما نشاهد في فضائيات مستعربة متأوربة- فإن الكلمة تهوي، ومعها الأدب إلى الحضيض.
تتعهد رعاية الثقافة الأدبية في العالم حكومات ومؤسسات واتحادات للأدباء والكُتاب في حفاظ على النشاط والابداع الأدبي المتصل بالمجمع وثقافته, ويكون منهج هذه المؤسسات على اتصال مستمر لاينقطع بحركة الآداب المحلية أو القومية والآداب العالمية النظيرة، من أجل تهيئة أدبائها وكُتابها للدخول إلى عالم الأدب الواسع العريض، واستنشاق آداب الثقافات الأخرى داخل العصر ذاته، والسماح لهم- في حرية- برفض الغث والمتعارض مع الأديان والقيم والأعراف, أو قبول مايتناسب مع المجتمع والتقاليد.
* شهادة التاريخ
يفحص خصائص النماذج الأدبية على مستوى التاريخ، يتضح الاعلان عن حقيقة ثابتة على مر الأزمان، وهي أ ن الآداب والخصائص النوعية للعصر هما - وحدهما- مصدر ونبع الثقافة الأدبية , لذلك ساعدت البحوث النظرية على كشف العلاقة بينهما، خاصة فيما يختص بميلاد المناخ CLIMATE الناتج عن تضافرهما، الأمر الذي أدى إلى تبدل وتغيير الأشكال الثقافية الأدبية.
لقد تمركزت جهود الباحثين والنظريين في اقامة الحجج والدلائل على أن الأدب ينهض بدور هام في النظم الثقافية داخل المجتمعات، وفي مدى تلامسه مع الطبقات الاجتماعية (سسيولوجيا الأدب)، وكذلك مدى تأثره بالواقع التاريخي (تاريخ الأدب), وعبر هذه الخصائص للأدب تحددت الثقافة الأدبية لكل شعب من الشعوب, وعن طريق الأدب المقارن حاول النظريون اثبات عالمية الأدب - بصرف النظر عن تربته- استنادا إلى القوى اللينة في الآداب وطواعيتها للعالمية.
تعكس ثقافة الأدب - ضمن ماتعكس- الذوقين الأدبي والفني، وتقدم مستوى عاليا ومعيارا رفيعا في هيئة صورة مثلى لنفسها وللمجتمع الذي ترى فيه، وعلامة تدمغ المجتمع بالحرية أو الديمقراطية أو الانسانية أو غير ذلك, وتحمل هذه العلامة في داخلها أحاسيس البشر وتفكيرهم الديني أو العقلي أو الروحي أو التفكير القادم من مسافات ساحقة بعيدة ( في الثقافة الحركية وثقافة الرقص), وهو الأمر الذي يعيدنا إلى نقطة البداية عند الاغريق وأساطيرهم وملاحمهم الأدبية هي الأخرى، والتي نعمت بالمسابقات الشعرية في تاريخ الأدب ، بما جعل الآداب الكلاسيكية الأغريقية ذات اتصال عضوي بالسياسة والمجتمع الاغريقي، حتى أصبح الأدب معيار الثقافة لمواطن المدينة (أثينا- كان تعداد سكان اليونان آنذاك في القرن الخامس قبل الميلاد 400,000 نسمة يمثل سكان العاصمة أثينا 200,000 نسمة), خرجت اشكال الثقافة الأدبية في حوارات الميادين، والمسارح، وفي ساحات الأسواف العامة، وفي بعض اجتماعات كانت تُعقد في البيوتات الاغريقية للقراءة الأدبية لنوع من نوعيات الأدب, وكان من نتيجة انتشار هذه الأشكال الثقافية الأدبية اتصال الآداب اتصالا مباشراً وقويا بالنابهين القابلين لاستهلاك الثقافة عبر عقول تحلق على هامتها حرية الفكر واستقلالية التفكير لكن بتطور السياسة والقانون والحياة ضعفت الديمقراطية الأثينية,, ديمقراطية دولة المدينة، وتحللت ضعفاً العلاقة العضوية والرابطة القوية بين المبدع الأدبي وجماهيره ويعود هذا الضعف إلى سبيين أساسيين وتاريخيين ايضاً, أولهما العصر الهيلليني وثانيهما عصر حكم القياصرة في روما الايطالية, وفي عصور القرون الوسطى (1000 سنة من القرن الخامس الميلادي حتى بزوغ عصر النهضة الأوروبي) احتكر الكتابة والابداع الأدبي رجال الكنيسة المسيحية!! وحددت البلاطات الحاكمة والأديار (جمع دير) والجامعات اللاهوتية الوحيدة آنذاك دور واشعاع ثقافة الأدب.
وظل هذا القسر والتقصير والقصور هذا حتى القرن 18 ميلادي - رغم بزوغ عصر النهضة- قابضا على رياح الأدب والثقافة بقبضة حديدية، باستثناء ظاهرة الاقطاع التي انتشرت على سطح الحياة الأوروبية في القرن 17 ميلادي، والتي أعادت قليلاً من الحركة إلى مواطن المدينة فعادت العلاقة مرة ثانية بين الأدب والمواطنين, انشئت صالونات الأدب ثم توسعت إلى دور المقاهي والنوادي وقد تأكدت هذه العلاقة بحركة الطباعة وتعدد نسخ الكتاب وميلاد الصحافة وتأسيس دور النشر، وكلها مؤسسات شغلها الشاغل نشر وتأييد ثقافة الأدب.
وعلى حد تعبير هردر HERDER في اعتباره الثقافة وقوداً لعصر التنوير فهدف كل منهما - بلا أدني شك- هو اتساع القاعدة الانسانية العامة (الجماهير) فمن الطبيعي أنه عندما تتجه العلوم والآداب والفنون ناحية وجهة سليمة، فإن هدف كل منها يصبح مرتبطا في وثاق مع الإنسانية وبالانسانية.
كان هردر- ومن بعده الدومانتيكيون من أصحاب الفكر- أول من أشار إلى زيف الأدب وتحريف الثقافة, إذ ليس بالاستطاعة تكوين أي ابداع أو نشر ثقافة أدبية بعينها دون معرفة وتحليل هذه وتلك ، ثم تأثيراتها على الجماهير, فلا الأدب أحادي ولا الثقافة أحادية كذلك, ويدلنا التاريخ على انتقال كل منهما عبر عصور تاريخية سحيقة وعبر حضارات عديدة (الاغريقية، المصرية حضارة وادي النيل، حضارة الهند والصين في آسيا وغيرها), وعلى حد تعبير ت, س, إليوت ليست هناك استقلالية أو خصوصية تامة لأي ثقافة من الثقافات, فالاستمرار الطبيعي للثقافة مرتبط بحركات التّماس مع الثقافات الأخرى , ومن المرجح ان يكون تأثير التماس مجدَّدا ومنشطا لحركة الثقافة لتنطلق - مع الكتل الجماهيرية- إلى تعبير (ثقافة المجاميع), ولتدخل نقطة (الاستهلاك ) مستعارة من السوق والتجارة إلى عالم الثقافة ، فاتجه باب ( الانتاج) الفكري أمام صناع الأدب وناسجيه ، ليستقل ابداعاتهم مستهلكون يغذون عقولهم وأحاسيسهم بالبضاعة الثقافية والأدبية الحسية والوجدانية.
* الاتصال في ثقافة المجاميع
هذا الاتساع لمساحة ثقافية المجاميع والتوسع في عرض أنواع أدبية عديدة لعدة طبقات مختلفة التعليم والثقافية والتجارب والخبرات ( وكلها خطوات ايجابية) ، قد أدى في الوقت نفسه إلى الهبوط بمستوى الأعمال والابداعات، فتقدمت ثقافة استهلاكية ضعيفة الفكر، لاتشحذ همة المجاميع على التفكير أو حسن التصرفات , وفقد الأدب كثيرا من مهامه الجوهرية , هذا النزول أو لنقل (الهبوط) مجازا يكاد يكون مأزقا عالميا يكمن في بطن الثقافات , وأمام ثقافة المجاميع المتواضعة عادة, ومن أجل اصطياد هذه المجموعات متوسطة الثقافة وعديمتها ليس هناك من طريق آخر غير الانصياع إلى تواضع في أمور وأجهزة الثقافة حتى نضمن الوصول - ولو لفترات وحقبات معينة ومحددة، وحتى لايستشري ضعف وترفيه باسم الثقافة يقود الجميع إلى قنوات السطحية، إذ ساعتها تتحول الثقافة- وخاصة الرفيعة منها- إلى غث (وسوالف) وهراء وسفاسف Nonsense عادة ماتطيح بكل خطط التنمية الثقافية وبنودها.
حددت هيئة الأمم المتحدة عقد التسعينيات وشطرا من العقد الذي يليه لعدة مشروعات ثقافية يستغرق الواحد منها عشر سنوات تقريبا, ولعل أهمها - وهو مايخصنا في هذا المقال- العقد العالمي للتنمية الثقافية الذي صدر بالقرار رقم 41 لسنة 1987م والذي عُهد إلى منظمة اليونيسكو برعايته والاشرف عليه, وأهم بنوده تتجلى في الطموحات التالية:
1- ان الثقافة جزء جوهري في حياة كل فرد وكل مجتمع.
وأن أي تنمية اقتصادية أو اجتماعية تهدف إلى سعادة الانسان ورفاهيته ، يجب أن يكون لها بُعد ثقافي، لمزيد من التأكيد على البعد الثقافي في كل عمليات التنمية، ولتأكيد الوعي بالحاجة إلى التجاوب مع التحديات العالمية الكبرى.
2- مراعاة البعد الثقافي للتنمية بفتح قنوات وحلقات نقاش بين المتخصصين في الفنون وعلوم الاجتماع وبين المنخرطين في الفنون بالخبرة أو المهارات التقليدية.
3- التدريب على محو الأمية وتعليم الكبار.
4- تشجيع انشاء المتاحف لتقديم خدمات ثقافية وإعلامية .
5- ادماج المهنيين وأصحاب المهارات في النشاطات الثقافية على كل المستويات.
6- تعضيد وحماية الفنانين والمبدعين العاملين بالخبرة في مجالات الفنون والفنون التقليدية البسيطة.
7- انشاء المراكز الثقافية ذات الأغراض المتعددة.
8- توزيع أمثل للمواد السمعية والبصرية ذات الطبيعة الثقافية، ونشرها في متناول كل يد من خلال تعديل الرسوم البريدية والتعريفة الجمركية.
وتبقى التنمية على هذه الصورة محاولة للفهم والحل على حد تعبير أ, د, محمد زكي العشماوي نائب رئيس جامعة الأسكندرية الأسبق وأستاذ النقد الأدبي.
وتفسير هذا المأزرق الذي تضطرب الثقافة فيه، يعيدنا إلى أصله ومنبته, والأصل - من البداية- هو في أدوات الثقافة (الصحافة المقروءة، طباعة الكتاب، المجلات، نصوص المسرح، سيناريو الفيلم، وبرامج الإذاعة والتلفزيون), عشرات من الفنون المنبثقة عن الفرع الثقافي الواحد, فآلية ثقافة الأدب تحمل بين ضلوعها (الذوق الثقافي) وخطوات تنميته,, وعن طريق الذوق فقط يمكن القبول والرضا عندما تصل الرسالة الثقافية - عبر الأحاسيس والنبضات والمشاعر- إلى المستقبل للرسالة، وهنا تصبح النتيجة انسانية بحتة،طبعا وسط حرية ينعم بها القارىء أو المشاهد في اختيار مايوده ومايناسبه ,, بمعنى مايكون عقله قابلا على استيعابه, بذلك تظهر ثقافة الأدب في صورة قوى نفسية تصير إلى التفاعل, وعلى حد تعبير كانط إن ثقافة الذوق شكل من أشكال الوجود ، يصبح مصطلح (الذوق) نافذا فيه عندما يتحول الفرد إلى تعديل موقفه أو تصرفاته حيال الثقافة, فالكلمة واحدة عند الجميع ولامكان للقسر في التعبير عنها ,(1)
هامش:
KULTURALIS KISENCIKLOPEDIA,
KOSSUTH KONYKIADO, 1986. P.242.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved